د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز
تبنّت الجمعية العامة للامم المتحدة المشروع العربي لهدنة انسانية ووقف إطلاق النار في غزّة ،في قرارها الصادر يوم ٢٠٢٣/١٠/٢٧ .والقرار نالَ تصويت ثلثي أعضاء الجمعية العامة، بواقع ١٢٠ صوتاً، وحظي بموقف عربي موّحد باستثناء امتناع تونس والعراق عن التصويت لصالح القرار .
مفاجئاً كان موقف العراق بالإمتناع عن التصويت لصالح القرار ،لاسيّما عنوان مشروع القرار هو “هدنة انسانية في غزّة ووقف لاطلاق النار” . أي للمشروع بعد إنساني أكثر من ايَّ معيار آخر. وَمَنْ صوّت ضد القرار، بطبيعة الحال ،مندوب الكيان المحتل، ومندوب امريكا، و من يساندهم ويعزّز ارتكاب جرائم الابادة التي يرتكبونها بحق المدنيين في غزّة .
في ضوء هذا البعد الانساني للقرار ، ونظراً لهدفه وموضوعه ( هدنة ووقف للقصف الوحشي وارتكاب جرائم ابادة ، وممرات انسانية ) ،تسقط كل الاعتبارات السياسية والذرائع الاخرى والتي قد تكون حائلاً للتصويت على القرار.
ليس معقولا و مقبولاً تفسير موقف العراق، لأنَّ القرار يتضمن حّلْ الدولتيّن ،او لأنَّ التشريع العراقي يجّرم التطبيع والاعتراف بإسرائيل ، او لأنَّ القرار يدين حماس!
موضوع القرار ليس الاعتراف او عدم الاعتراف بالكيان المحتل ،كي يمتنع العراق عن التصويت ! موضوع القرار ليس حَّلْ الدولتيّن ،كي يمتنع العراق ،حتى ولو وردَ في القرار عبارات او اشارات تدّلُ على حّلْ الدولتيّن !
كما ان موقف العراق الرسمي ازاء القضية الفلسطينية مطابق لما تتبناه السلطة الفلسطينية ،وما جاء في مبادرات السلام التي طرحتها المملكة العربية السعودية ،وتبنتها الجامعة العربية.
كما تجدر الاشارة بخلو القرار من ادانة لحماس ، ومنظمة حماس اصدرت بياناً ترحّب بالقرار !
وبغض النظر عن كُلِّ ما ورد اعلاه ،كان ينبغي الا يتبنى العراق موقفاً يصّبُ او يتماشى مع الموقف الاسرائيلي والامريكي ، وهما في ذروة ارتكابهما لجرائم ابادة وجرائم ضّدَ الانسانية ، و استهتار علني بالقانون الانساني الدولي وبميثاق الامم المتحدة . وما دعاني الى استخدام كلمة “استهتار “هو ما فعله، في جلسة سابقة للامم المتحدة ،مندوب اسرائيل ،حين مزّقَ قرار مجلس حقوق الانسان ،التابع للامم المتحدة ، والذي يدين اسرائيل لجرائمها ،حيث اعتلى المندوب المذكور منصّة الامم المتحدة ، ومزّق ، امام اعضاء الجمعية العامة للامم المتحدة ، القرار .
كان ينبغي على مندوب العراق الآخذ بنظر الاعتبار الاجماع العربي المؤيد والمتبني للقرار ،والتصويت له بسلاسة ، دون اجتهاد و تفسير .
كان ينبغي على مندوب العراق أنْ يأخذ موقفه وفقاً لارادة الشعب وتعبيراً عن إرادة الشعب.
كان ينبغي على مندوب العراق ،التشاور ،قبل التصويت عن سلامة ودقّة التوجيهات التي أُرسلت اليه من الوزارة ، والتأني والتأكّد من انها ( التوجيهات ) تعبّر عن موقف العراق حقاً!
على الدبلوماسي في المحافل الدولية انَّ يدرك استحالة ترميم تداعيات واثر الكلمة اذا أُلقيت ، والموقف اذا تّمَ تبنيه !
ما فائدة التصحيح والتبرير ( الخاطئ ) ، بعد ان تّمَ تبني القرار من قبل الامم المتحدة، وبعدما أُدرِجَ موقف العراق في قائمة الممتنعين عن التصويت لصالح القرار .
أملنا كبير بتجنب هذه الاخطاء الجسيمة، والتي تضع الدولة في موقف سياسي حرج امام الشعب وامام الانسانية والتاريخ.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل