حياد بكركي: لا يرى لا يسمع ولا يقول شيئاً(غسان سعود)
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب غسان سعود في الأخبار يقول:
وسط الحرب التدميرية والقتل الوحشي لأطفال ونساء ومسنّين، يفترض أن يسجّل التاريخ أنه، طوال أكثر من أسبوعين، التزمت بطريركية أنطاكيا وسائر المشرق المارونية الحياد. صور المجازر اليومية التي حرّكت مشاعر الملايين في كل أنحاء العالم، لم تقوَ على انتزاع رفّة جفن من البطريرك بشارة الراعي الذي لا يفوّت مناسبة، عادة، من دون أن يغدق بالمواقف والتصاريح. البطريرك الذي يحرص على إيفاد ممثل كنسي له إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة للاطمئنان إلى أوضاع الكنيسة والبقاء قريباً من رعيّته وجمع التبرعات، لم يعرف – كما يبدو – بتفجير الإسرائيليين لواحدة من أقدم الكنائس في العالم، ولم يجد في جثث المؤمنين قبالة الكنيسة المهدمة فوق الأيقونات الأثرية ما يمكن أن ينتزعه من حياده.
الحياد مشروع بطريركي ثابت لا يتزعزع، حتى ولو كان المحور الغربي الذي يخوض معركة توطين النازحين السوريين في لبنان هو نفسه من يخوض معركة التهجير الجديدة لما تبقى من فلسطينيين. وبدل أن يشهد البطريرك للحق، وأن يكون كلامه «نعم نعم أو لا لا»، كما يوصي الكتاب المقدس، يختار في هذه اللحظات المصيرية أن يشهد للحياد: بين القاتل والمقتول، بين مغتصب الأرض وصاحبها، بين من يدمر دور العبادة فوق رؤوس المصلين ومن التجأوا إليها… حياد يتناقض مع الطبيعة البشرية، ويساوي بين القاتل والمقتول، وبين صاحب الأرض والمعتدي عليه. ففي عظته الأحد الماضي في كنيسة مار مارون في المعهد الحبري الماروني في روما، والتي لم توزع على الوكالات المحلية والعالمية كما جرت العادة، لم تدن بكركي بوضوح العدوان الإسرائيلي على غزة، بل أدان البطريرك الراعي وبشدة «حرب الإبادة والتدمير الدائرة بين إسرائيل والشعب الفلسطيني في غزّه»؛ أدان الحرب بين الطرفين لا العدوان الإسرائيلي المتواصل إحتلالاً وحصاراً وقصفاً وتدميراً. ولم ينسَ الراعي شجب تهجير الشعب الفلسطيني طبعاً، وتصفية قضيته.
البطريرك الراعي قرّر أن يدين الحرب بين الطرفين لا العدوان
وإذا كانت البطريركية قد رفعت في الأشهر القليلة الماضية لواء إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، فإن الهجوم الديبلوماسيّ على لبنان اليوم للضغط عليه في ما يخص الحدود الجنوبية كان مناسبة للبطريركية لإبلاغ كل وزراء الخارجية والموفدين والسفراء الغربيين بأن عليهم تمويل إعادة النازحين إلى سوريا بدل مواصلة العمل لتثبيتهم في لبنان، قبل أن يطرقوا أبواب المرجعيات اللبنانية لمطالبتها بتنفيذ أجنداتهم. وكان يفترض بالبطريرك الماروني وغيره من المرجعيات أن يسألوا القوى العظمى التي تمنع لبنان من استخراج غازه منذ أكثر من خمس سنوات، كما تمنع مصر والأردن من تزويد معامل الكهرباء بالغاز، عن المقابل الوطنيّ لموقفهم الحياديّ في حال قرروا المضي قدماً فيه. لكنهم يؤثرون، في كل مرة، تقديم الخدمات المجانية للغرب أو إعطاء الأولوية لمصلحتهم الشخصية على المصلحة الوطنية. وإذا كانت القضية الفلسطينية هي الأساس، كان يفترض بالبطريرك الماروني وغيره من المرجعيات أن يطلبوا وضع حق العودة المقدس بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على طاولة البحث الدولية قبل أن يلتزم بالموقف غير الأخلاقي وغير الإنساني المتمثل بالحياد، حيث لا مكان إنسانياً وأخلاقياً للحياد في المجزرة القائمة. فبدل المواقف المجانية التي تخدم العدو الإسرائيلي وتحقق مصلحة الغرب، كان يمكن إيجاد منفعة وطنية، سواء صرّح البطريرك أو لم يصرّح، تأثّر أو لم يتأثّر، تضامن أو لم يتضامن، طلب تحييد لبنان أو أيّد مقاومة لبنان، فإن شيئاً على الأرض وفي ميدان الحرب لن يتغير، لكنه مجرد موقف للتاريخ.
كان يمكن للتاريخ أن يكتب أن البطريرك السابع والسبعين للكنيسة المارونية انتصر للحق وشهد ضد المجازر الإسرائيلية بعد كل المواقف التاريخية الملتبسة. غير أن البطريرك الراعي قرّر أن يلوذ بالصمت، أن يدين الحرب بين الطرفين لا العدوان، وأن يلتزم الحياد.