الابعاد السياسيّة لزيارة الأسد للصين (جواد الهنداوي)
د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز
منذ عام ٢٠١١، بدء حرب الارهاب على سوريّة ،دولةً وشعباً وجغرافيا ، ونحن نتابع وبعناية ما تعرّضت له سورّية ، وما تبنّته القيادة السوريّة من سياسة وأتخذته من قرارات وإجراءات لاحتواء الارهاب و الاحتلال والحصار . حربٌ اوقدتها الصهيونية والامبريالية والرجعيّة ، وواجهتها سوريّة بالالتزام بالمبادئ والصمود ، وعدم التنازل لا لامريكا ولا لاسرائيل و لا للإنفصاليين او الفدراليين من كُرد سوريّة . صحيح أنَّ الثمن الذي يدفعه الشعب السوري باهظ ،ولكنه يهون من اجل العزّة و الكرامة ووجود دولة .
اعتمدت سوريّة على قدراتها العسكرية والسياسيّة وعلى مركزيّة القرار ، وكذلك على روسيا و ايران وحزب الله ، في مواجهتها لحرب الارهاب الضروس ،والتي خلفها امريكا واسرائيل و الحلفاء والرجعيّة ، و انتصرت ارادة الشعب السوري ، واليوم امام سوريّة استحقاقات بناء و اعمار وتعزيز لقدرات سوريّة العسكرية و الاقتصادية و السياسية ، فرسمت سوريّة المسار نحو الصين ،نحو قوّة عظمى ، تقود العالم تجاه تعدّد القطبيّة وكسر احتكار الهيمنة الامريكية .
يبدو أنَّ الرئيس بشار الاسد أدرك أنَّ الحضن العربي ادى ، في هذه المرحلة ،ما عليه من عودة عربية سورية هادئة ،وأنّ يد الاشقاء امتدت على قدر المصافحة وجبر الخواطر والوعود و الامال . وهذا بطبيعة الحال ،نراه أفضل من ما كانَ عليه الحال و اقّلُ من المطلوب ،و نأملُ في ما هو قادم.
يبدو ايضاً أنَّ القيادة السورية ادركت أنَّ العودة العربية السوريّة ،ارادها الامريكان أنْ تكون بمثابة استراحة محارب ، يعاودون ،خلالها ،الكّرة مرّة ثانيّة ، للمساومة مع القيادة السوريّة ، لتقديم تنازلات في المواقف ازاء اسرائيل ،ازاء دعم المقاومة الفلسطينية ،ازاء اقليم كُردي في سوريّة ،ازاء الجولان ،ازاء التواجد الايراني ،ازاء تواجد مقاتلي حزب الله ، والقائمة تطول … ولفشلهم ، و ظّفوا ورقة احتجاجات السويداء ،لعلهم يحقّقون شيئاً .
ليس امام سوريّة ترف ضياع الوقت والانتظار ،لذلك جاءت زيارة ألرئيس بشار الاسد في الوقت المناسب والى المكان المناسب ، في وقت تتنافس فيه الدول العظمى و الاقليمية على ممّرات التجارة الدولية بين آسيا واوروبا مروراً بدولنا ، و في وقت حاجة الدول العظمى الى تعاون اقليمي وعربي لمرور الطريق الامريكي او لمرور الطريق الصيني .الطريق الامريكي ،والذي يمّرُ في المملكة العربية السعودية و الامارات و الاردن والكيان الاسرائيلي ، و بمحاذاة محافظة السويداء السوريّة ،ذات الاغلبية الدرزّية . و المشروع الصيني ، مشروع الطريق والحزام ، وممراته المختلفة والمرتكزة على دول وسط وغرب آسيا ،ومن بينها ايران والعراق وسوريا وتركيا .
في هذا المقال ،لسنا بصدد المقارنة بين المشروع الامريكي والمشروع الصيني ،ولكن من المفيد الاشارة الى اي مدى حرص وسعي امريكا الى مصلحة اسرائيل، حيث ترى امريكا بأنَّ انجاز هذا المشروع سيساهم في سعي اسرائيل الى الهيمنة اقتصادياً وسياسياً ، وأنَّ البدء في المشروع ،او حتى الحديث عنه سيساهم في تسريع التطبيع مع المملكة العربية السعودية ،وهذا ما اشار اليه نتنياهو في خطابه السنوي امام الامم المتحدة. ولا نعلم ايّ دولة ستتحمل كلفة المشروع او الاستثمار في المشروع ، مع عدم القدرة النقدية او المالية للولايات المتحدة الامريكية.
لن تتردّدْ الصين في تعاون استراتيجي مع سوريّة ، والاستثمار في البنى التحتية في سوريّة ،رغم قلة مواردها مقارنة بالعراق او بدول نفطيّة اخرى ، لماذا ؟
للصين ثقة في دولة سوريّة ، ثقة سياسية وثقة اقتصادية :
ثقة سياسيّة ،لأنَّ قرارها يحظى بسيادة داخلية تامة وبسيادة خارجية تامة ،ليس لامريكا رأي او فيتو او تهديد .امريكا تتعامل مع سوريا من خلال سفارة افتراضيّة ، وليس من خلال سفير جوّال ، وليس لقسد ( قوات سوريّة الديمقراطية ) او فصائل مسلحّة اخرى رأي او تأثير على القرار السوري ،هولاء جميعهم خارج اطار الدولة . هؤلاء اعداء الدولة ومكشوفون ، و مواجهتهم اسهّل بكثير من اعداء او خصوم منخرطين كشركاء في الدولة . وقد وصفَ الرئيس الاسد ، اكثر من مرّة ،حين شهدت سوريّة انشقاق بعض ضباطها او رئيس وزرائها الاسبق رياض حجاب وانضمامه الى صفوف المعارضة ، “بظاهرة صحيّة ،حيث تتخلّص و مبكراً سوريّة الدولة من عملاء ، استمرارهم ضرر وخطر “.
تجدر الاشارة ايضاً الى أنّ الرئيس الاسد التزمَ بموعد زيارته الى الصين ،رغم الاضطرابات التي شهدتها محافظة السويداء ، ولم يرجئ موعدها . مؤشرٌ دال على ثقة الحكومة بولاء السوريين من الدروز ، ولثقتها على ادارة الازمة ، رغم محاولات الاستقطاب الامريكي والاسرائيلي .
تمّتْ الزيارة ،و فحواها اقتصادي وسياسي ، رغّم التهديدات والحشود والمناورات الامريكية الاسرائلية ، ورغم التقارير والتحليلات الصحفية القارعة لطبول الحرب في المنطقة ،مؤشرٌ دالٌ على ثقة الدولة السورية بقدراتها و بشعبها وبالتزام حلفائها ، و دالٌ ايضاً على ضعف امريكا وضعف اسرائيل على اقدامهما بشّن حربٍ في المنطقة .
* رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز
القدرات / بروكسل / في ٢٠٢٣/٩/٢٦ .