حلول بديلة للعمالة الأجنبية في لبنان
كتب واصف عواضة:
ليس هناك إحصاء دقيق لحجم العمالة الأجنبية في لبنان،من عمال في مختلف القطاعات الى عاملات المنازل ،لكن بالتأكيد أن حجم هذه العمالة لا يضاهيه إلا حجم العمالة الأجنبية في دول الخليج العربي الغنية.
ولعل أقرب التقديرات الى الواقع هي تلك التي نشرها الباحث في "الدولية للمعلومات" الزميل محمد شمس الدين في مطلع السنة الحالية، وأوضح فيها أن في لبنان نحو 400 ألف عامل أجنبي ،من مصري وبنغلادشي وأثيوبي وسريلنكي وهندي وغيرها من الجنسيات، (باستثناء السوري والفلسطيني) ،منهم 280 ألف مقيم شرعي يحملون إجازات عمل وإقامة، ونحو 120 ألفا غير شرعيين، دخلوا بإجازات عمل ولم يجددوها عند انتهاء صلاحيتها، يُخرجون سنوياً نحو مليار و200 ألف دولار".
ويلفت شمس الدين الى "الفتيات العاملات في المنازل واللواتي يُعتَبَرن غير ضروريات في الكثير من الحالات، حيث قُدِّر عددهن عام 2018 بـ247 ألف عاملة منزلية، يُخرجن نحو 660 مليون دولار سنوياً، اكثريتهن من الاثيوبيات، تليهن البنغلادشيات، ثم الفيليبينيات".وبحسب شمس الدين ،يبلغ عدد العمال السوريين نحو 600 ألف، والفلسطينيين نحو 100 ألف.
في الحصيلة ،يقدر مجموع العمال الاجانب ككل نحو مليون و100 الف عامل،يضاف اليهم نحو ربع مليون عاملة منزلية ،ويقدر المبلغ الذي يخرجونه من لبنان بأكثر من ملياري دولار.
ولطالما قيل الكثير في هذه الأرقام الخارجة عن طبيعة الأمور في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الخمسة ملايين ،فيما يبلغ عدد العمال الأجانب نحو ثلث عدد السكان ،وقد تردد وكُتب الكثير حول وجوب معالجة هذا الترف قبل أن يقع "الفأس في الرأس"،ولكن من دون جدوى…وقد وقع!
اليوم مع انهيار الليرة اللبنانية والضائقة الاجتماعية والاقتصادية التي يعانيها لبنان واللبنانيون ،لم يعد لهذا الترف مكان أو خيار ،حيث يتقاطر الآلاف من العمال الأجانب لمغادرة لبنان ،ليس فقط بسبب وباء الكورونا ،وإنما أيضا بسبب عجز اللبنانيين وقطاعاتهم المختلفة عن الوفاء بأجور ورواتب هؤلاء العمال بالعملات الصعبة ،غير اللبنانية طبعا،ما يعني أن الحلول البديلة لهذا الواقع باتت أمرا واقعا ومفروضا على لبنان ودولته وشعبه.وليس أدل على ذلك من محاولات بعض العمال السودانيين الهرب الى الكيان الصهيوني للخروج من لبنان.
بادئ ذي بدء ،ثمة سؤال يطرح نفسه بإلحاح على اللبنانيين:من قال أن اللبناني أعلى قدرا ومرتبة عن غيره كي لا يعمل على محطة محروقات أو في المطاعم والفنادق والمعامل والمصانع وفي الزراعة والبساتين وغيرها من القطاعات ؟..أنا شخصيا وغيري من أبناء جيلي عملنا في مختلف مجالات العمل ،حتى تلك التي يعتبرها شباب اليوم حقيرة ،قبل أن نواصل تعليمنا وننخرط في مجالات أخرى تؤمن لنا عيشا كريما. (وفي الخلاصة ليس هناك أعمال حقيرة ،فكل الأعمال شريفة ،أيا كان نوعها وطبيعتها).
وعليه لا مجال بعد اليوم أمام اللبنانيين ،خاصة الشباب منهم ،من مغادرة أفكارهم البالية في النظر الى مجالات العمل ،والانخراط في مرحلة بناء دولة جديدة تقوم على أكتاف العمال وعرقهم لكي نبني وطنا حقيقيا تفخر به الأمم.
إن الحلول البديلة للعمالة الأجنبية في لبنان متوفرة ،ولا تحتاج الا الى تغيير السلوك العام للدولة والناس معا ،من خلال توفير فرص عمل للبنانيين في شتى المجالات وفق الأسس الآتية :
أولا: انخراط الشباب اللبناني في الأعمال التي يقوم بها العمال الأجانب،والتوقف عن استقدام هؤلاء(ومعظمهم سيتوقف حكما وفقا لما أشرنا اليه أعلاه).
ثانيا :بالنسبة للعاملات المنزليات ،فرض ضريبة عالية على استقدامهن ،بحيث لا يعتمد العاملة الأجنبية إلا من يستطيع الى ذلك سبيلا ،وتوسيع نطاق الشركات الخاصة التي تستقطب الكثير من العاملات اللبنانيات وفق ساعات عمل محددة ،بحيث تعود هذه العاملة الى منزلها لدى انتهاء عملها.وعندها يمكن للكثير من مكاتب العمل الحالية أن تتحول الى هذه الخدمة.وهذا النمط معمول به في أرقى دول العالم.
ثالثا:بالنسبة للعمال الفلسطينيين الذين يقدر عددهم بمائة ألف ،يتم التعامل معهم تماما كما العمال اللبنانيين،ووفق أسس تحددها الدولة ،باعتبار أن مداخيل هؤلاء تصرف في البلد ،ولا خوف من إخراج هذه المداخيل بالعملة الصعبة من لبنان.
رابعا :أما بالنسبة للعمال السوريين ،فلا بديل عن التنسيق مع سوريا لتأمين عودة اللاجئين السوريين الى بلدهم ،وبانتظار ذلك يجب تنظيم هذه العمالة بشكل يؤمن الحد الأدنى من العيش الكريم لهؤلاء ،خاصة وأن مداخيلهم أيضا كما الفلسطينيين ،تُنفق اليوم في لبنان.
وفي الخلاصة كان يمكن تنظيم هذه الأمور في السابق طوعيا ،لكن بعد كل ما جرى ويجري وما سيجري ،فإن هذه التدابير باتت إجبارية ،وتنطبق عليها الآية الكريمة :" وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ".