إعلاممنوعات

في تشييع طلال سلمان..ذكريات عبرت أفق الخيال(واصف عواضة)

 

كتب واصف عواضة  – الحوار نيوز

 

كنّا هناك جميعا، في ذلك البيت العريق المتربع وسط شمسطار،حيث عاش طلال سلمان أجمل وأرقى أيام العمر.ودعناه بإجلال واحترام وحرقة ،ونحن نعرف سلفا أن عقدنا قد انفرط في غياب نقطة الوسط. ليس سهلا أن يحل أحد محل طلال سلمان على الرغم من محبتنا واحترامنا للعائلة الكريمة.

كنّا هناك جميعا..أصدقاء قدامى وجدد. زملاء من عمر “السفير”، وآخرون تتلمذوا على يديه. سياسيون ومثقفون ورجال دين.أقرباء وأهل وأتراب من تلك الضيعة الصغيرة التي تحولت مدينة على الكتف الغربي للسهل.

لا أستطيع أن أدخل في الأسماء خشية السهو أو الخطأ.لكن لا مناص من الاستثناء.

كان هناك الفرسان الأربعة لطلال سلمان :أحمد وهنادي وربيعة وعلي. خلتهم صغارا قبل أربعين سنة وهم يجلدون أرض الدار والحديقة الخضراء. بالأمس كانوا متماسكين لجلال المناسبة،يدورون على المعزين معانقين،تفلت الدمعة أحيانا من مآقيهم،وهم يذكرون ويتذكرون في كل وجه من وجوه الحضور، غياب الراحل الذي لم تفته مناسبة مع هؤلاء.

كان هناك الأشقاء الثلاثة:فيصل وعصام ومحمد ،وقد خطّ العمر بقلمه فيهم.هي المرة الأولى التي يجتمعون فيها، في تلك الدار، من دون طلال الذي احتضن طويلا أعمارهم.

السيدة عفاف(أم أحمد) وقفت مفجوعة فوق الجثمان الذي لم تفارقه قبل أن يُحمل على الأكتاف نحو الثرى .فهي الزوجة التي أعطاها طلال جُلّ عمره.فماذا تذكر وماذا تتذكر؟ وكيف لا تتذكر ذلك الزمن الجميل الذي عاشته مع رجل شغل قلمه الملأ؟

كنّا هناك جميعا..لا أريد الدخول في الأسماء،ولكن لا بد من الاستثناء..

كان هناك طلال حيدر الشاعر المبدع والصديق الصدوق لطلال سلمان . ألقى نثرا وشعرا في الراحل.قلما غاب طلال حيدر عن مناسبة لرفيق العمر.

كان هناك علي حليحل ،الفنان الذي لم يُطرب طلال سلمان لصوت شجي مثلما كان يُطرب لصوت هذا البعلبكي العريق الذي ملأت شهرته الآفاق.وكما كان في حياته فقد حرص علي حليحل على إطراب طلال في مماته ،فالقى قصيدة مطولة في الحضور بصوته الشجي،ولم يفته أن يطلق العتابا والحداء فوق رأس الراحل الكبير.

كان هناك أيضا عبد الكريم الشعار،الفنان المبدع الذي كان طلال سلمان يحرص على حضوره في كل مناسباته. في رحيل طلال أنشد عبد الكريم بعضا من إبداعاته الروحية التي تليق بالمناسبة.

لا اريد الدخول في الأسماء ،لكنني لم أستطع أن أغيبَ عن عينين ذابلتين حزينتين لكامل مهنا الصديق الأبدي لطلال سلمان،وقد تعاهدا ،كل في مجاله،على خدمة الناس ،والتعبير عن مواقف جريئة قد تكون أسهمت في بقائهما خارج المنظومة السياسية.

وكان هناك العميد المتقاعد الصديق أحمد شديد، نسيب طلال سلمان ،وأكثر الناس التصاقا ومحبة به.تولى تنظيم الجنازة من ألفها إلى يائها.كان كالنحلة يدور بين الحضور ويشرف على الترتيبات.

لا أريد الدخول في الأسماء،ولكن لا مناص من الاستثناء.

كان هناك فؤاد اللبّان،رفيق طلال سلمان ومرافقه الدائم،الذي فدى طلال بنفسه يوم محاولة اغتياله في 14 تموز عام 1984  ،فألقى بجسده على طلال ليحميه،فأصيب إصابات بالغة برأ منها ،لكنها ظلت ماثلة في جسده.كان فؤاد كالنحلة يدور بين الحضور،وهو يشعر باليتم الحقيقي في غياب “المعلم”. صار فؤاد واحدا من العائلة وهو البيروتي الذي لم يترك طلال سلمان للحظة.هو يذكر رفيقه في ذلك الحين الزميل حسن علوش الذي أصيب أيضا في إحدى عينيه جراء محاولة الإغتيال.

وكانت هناك ديانا قوصان السكرتيرة الأمينة حافظة الأسرار ومنظمة المواعيد، والتي لم يكن ممكنا الدخول إلى مكتب طلال سلمان في “السفير” من دون استقبالها الطيب.وكان هناك عباس سلمان شيخ المصورين الذي ولد مع السفير وعاش مع طلال كل أيمه ولياليه.

كنّا هناك جميعا،في تلك “المرجة الخضراء” المنبسطة أمام منزل طلال سلمان في شمسطار ،وهي شهدت لعقود من الزمن الكثير الكثير من اللقاءات الطيبة والمناسبات المختلفة.أجول بناظري على تلك “المرجة” فلا أجد طلالاً فيها لأول مرة.لكن الذكريات تحضر جميلة لعقود من الزمن .هي “ذكريات عبرت أفق خيالي” كما تقول السيدة أم كلثوم.

في تلك المرجة كان “أبو طلال” يحدثنا عن حكاياته مع الزمن ،وهو “الشاويش” الذي دار حول لبنان بكل محافظاته.وكانت “أم طلال” بصوتها الدافئ المتهدج توزع اللطف والحنان وعبارات المودة على الضيوف كبارا وصغارا .وكان طلال بَراً بوالديه عملا بالآية الكريمة “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا”.

في تلك “المرجة” إستضاف طلال كبار القوم،تماما كما كان في مكتبه. كلهم سوف يفتقدون طلال،كما الأهل والأصدقاء والمحبين. وفي تلك المرجة كان فيصل يستخدم كل طرافته ليُسعد الحضور. بالأمس كان فيصل واجما.لقد فقد توأم عمره على الرغم من فارق السن.

 في تلك المرجة وذلك المنزل ،ذكريات كثيرة لا تغيب عن البال،سوف يفتقدها الكثيرون في غياب رب الدار،خاصة أهالي شمسطار وطاريا المجاورة ،والتي كان طلال يبتدع حكايات طريفة عنهم ،فتصبح ثوابت تروى في المجالس.

سلام عليك يا أبا أحمد..وسلام لك،وبشر الصابرين على غيابك.

 

 

     

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى