بريغوجين قتيلاً: خطأ الثقة المفرطة بالذات وبالانتصارات(أحمد عياش)
د.أحمد عياش – الحوار نيوز
الامور أسهل مما ظنّناها. تفجير طائرة تقلّ متمرّدا كبريغوجين لا تحتاج لحنكة ولا لحيلة، فقد حكم المتمرّد على نفسه بالاعدام لحظة اعلن انّه يزحف بقواته في طريقه الى موسكو.
لا موت آخر افضل من تفجير طائرة ظنّت انها قادرة ان تلمس السماء.
لم تنته الحكايات بعد.. فحتى السيد بوتين ستغتاله قوى خفية وهو في سيارته او في دبابته او في طائرته او في غواصته لا فرق.
لن تنتهي الحرب الاوكرانية-الروسية الا بانقلاب على السيد زيلينسكي او باغتيال بوتين.
هكذا تنتهي الصراعات التي تهدّد بنشوب صراعات أخطر.
حتى اسحق رابين رموه برصاصة عندما كاد ان ينحو بالشرق الاوسط نحو سلام طويل الاجل. وهكذا سقط انور السادات عندما ايقن ان العالم اجمع متواطىء مع العدو الاصيل ليبقى حيث هو في فلسطين المحتلة.
كل الذين صَعبوا على قوى الانقلاب والاغتيال كصدام حسين ومعمر القذافي حضر الغرباء شخصيا واعدموهم.
البعض الاخر اخذتهم نشوة الثراء والمال والهدايا والعلاقات الدولية، حتى ظنّوا انهم قادرون على كتابة التاريخ باقلامهم الذهبية، فإذا بموكبهم يتفجر لتختلف الناس من بعدها اهي انفجار ميتسوبتشي او لغم كبير ارضي او قصف من العدو الاصيل ،قصف شبيه بقصف مرفأ بيروت،قصف لا يترك اثرا…
ممنوع ان يخرج احد عن سكة الانصياع، فكل ما تحت الارض والبحر للدولة المالية العميقة العالمية ،وكل من يظن انه قادر على التأميم وعلى الاستقلال بثروات بلاده سيعدم.
لا عودة لافكار الاتحاد السوفياتي ، فالاشرار اقوى من مغامرين وحالمين وصادقين وشرفاء.
ما الذي اعاد بريغوجين الى سماء روسيا وقد تم الاتفاق معه ان يلتزم البقاء في روسيا البيضاء؟
في عودته استهزاء بنوايا الآخر.
في عودته انتحار اكثر مما هو اعدام.
لقد اخذته نشوة القوة ،سيطرت عليه زهوة الانتصارات حتى ظنّ نفسه خالدا لا يموت.
بل يموت.
حتى الانبياء والرسل الذين اتقنوا التواصل مع السماء ماتوا.
حتى ابن الله رفع على الصليب واحتاروا بأمره فيما بعد، امات عليه ام رفعه ربّه الى السماء.
مات او صعد لا يهم فقد غادر المغارة واختفى.
كلامنا تحذير لكل من تأخذ نشوة القوة عقله، ولكل من صار ضحية زهوة انتصاراته والبؤس العام يقسو على العباد.في اليمن وفي العراق وفي ليبيا وفي مصر وفي سوريا وفي لبنان وحتى في ايران الثرية.
لا عدو للنفس الانسانية اكثر عداء من نشوة القوة و زهوة الانتصارات.
حتى بريغوجين الذي اخذت عقله العظمة اسقطوه ككتلة نار على الارض.
ما كان راسبوتين الا رجل دين تملكته عظمة الاغواء والايحاء والسيطرة في ارجاء القصر الروسي، و قد رموه برصاصة ثم بأخرى للتأكد من موته لان القاتل نفسه كان مقتنعا ان رجلا ساحرا قويا كراسبوتين لا يموت.
التواضع عند القوة حكمة، اما العنجهية عند الشدّة فهي الخطوة الاولى نحو الانكسار والانهزام…
الخيبة تقتل والثقة المفرطة تقتل ايضا.
من هنا ومن تحت شجرة كينا محررة في بيروت وجالسا على مقعد حجري يتهاوى اتابع مسلسل الذين لا يتعلمون من تجارب غيرهم ولا يهتمون ايضا ببؤس عام ارهق العباد وجننهم…
والله اعلم.