الحوار نيوز – خاص
سكتت الشاشة الصغيرة في تلفزيون لبنان عن الكلام المباح ،وأدارت وجهها منذ الخميس الماضي نحو الموسيقى الكلاسيكية ،فلا أخبار ولا برامج ولا نشاطات،وذلك بفعل الإضراب الذي أعلنته نقابة مستخدمي التلفزيون .
القضية وما فيها أن العاملين في تلفزيون لبنان الرسمي ،وعددهم نحو 250 ،ما زالوا يتقاضون رواتبهم حتى الآن على أساس 1500 ليرة للدولار ،أي الرواتب التي كانوا يتقاضونها في العام 2019، وسط وعود الجهات الرسمية بتحسين الرواتب ،ولكن من دون تنفيذ حتى الآن. وآخر هذه الوعود بمعالجة هذه المشكلة بين الإثنين والثلاثاء المقبلين،لكن النقابة لن تتراجع عن الإضراب قبل أن يفي المعنيون بوعودهم،وهذه المرة على قاعدة “يا قاتل ..يا مقتول”.
للعاملين في التلفزيون في ذمة الدولة فروقات عن العامين 2021 و2022 والأشهر السبعة المنصرمة عن العام 2023 .وهذه الفروقات تتضمن كل الزيادات التي أعطيت للقطاع الخاص، باعتبار التلفزيون مؤسسة خاصة حتى الآن تملكها الدولة اللبنانية بالكامل،بما في ذلك فروقات السبعة رواتب وبدل النقل الشهري.
مشكلة تلفزيون لبنان مزمنة ،وتعود جذورها إلى أن الحكومات المتعاقبة لم يكن تلفزيون الدولة بالنسبة لها في أولويات اهتماماتها. فمنذ العام 2013 يعيش هذا التلفزيون من دون مجلس إدارة بسبب الخلاف على تعيين رئيس للمجلس .غالبا ماكان رئيس الجمهورية يسمي رئيس مجلس الإدارة ويعينه مجلس الوزراء مع خمسة من أعضاء المجلس يتوزعزن على الطوائف الست(موارنة ،شيعة سنة ،دروز،كاثوليك وأرثوذكس).
في العام 2013 اضطر وزير الاعلام في ذلك الحين وليد الداعوق للطلب إلى قاضي الأمور المستعجلة تعيين مجلس إدارة بمثابة حارس قضائي ،فعين رجل الأعمال طلال المقدسي مديرا عاما بصفة رئيس لمجلس الإدارة ،والخبير جوزف سماحة مديرا ممثلا لأعضاء مجلس الإدارة.خدمت هذه الصيغة ست سنوات ،وتخللتها محاولات للنهوض بالتلفزيون الذي لم يستطع مجاراة القنوات الخاصة.
مضت ست سنوات من عهد الرئيس ميشال عون ولم يتمكن مجلس الوزراء من تعيين مجلس إدارة للتلفزيون . طار طلال المقدسي لخلاف مع وزير الإعلام ملحم رياشي ،وتم تعيين إدارة جديدة بقرار قضائي أيضا،إلى أن خلع الوزير الحالي زياد مكاري هذه الإدارة وقرر الإشراف شخصيا على التلفزيون.
ولأن التلفزيون ليس أولوية في عهد حكومة الرئيس ميقاتي ،ولأن العين بصيرة واليد قصيرة ،عانى العاملون في تلفزيون لبنان الأمرين ،ومع ذلك صمدوا وسط وعود بتحسين الأحوال. فالمستخدمون ما زالوا يتقاضون رواتب العام 2019 .وعلى سبيل المثال ،من كان راتبه يعادل ألفي دولار في ذلك العام ،لا يتجاوز راتبه اليوم 35 دولارا،وهكذا دواليك.
والجدير ذكره أن موازنة تلفزيون لبنان التي تصرف كمساهمة ضمن موازنة وزارة الإعلام، كانت في العام 2019 تعادل نحو 14 مليون دولار،وباتت في العام 2022 لا تعادل 600 ألف دولار،وهو مبلغ لا يكفي لمصاريف المحروقات لمولدات المؤسسة.
حاول الوزير مكاري جاهدا معالجة الأمور.تلقى وعودا من الحكومة ،وأعطى العاملين عهودا ووعودا منذ أربعة أشهر ،ولكن من دون تنفيذ،إلى أن “بلغ السيل الزبى” بالنقابة التي أعلنت الإضراب الخميس ،وهي مستمرة به، بحسب مصادرها، حتى تصبح الفروقات في الجيب.
والجدير بالذكر أن الحكومة قررت صرف الأموال وقد حولتها وزارة المال إلى حساب التلفزيون وبقي تسييلها الموعود مطلع الاسبوع المقبل.
في الخلاصة جرت محاولات عدة خلال العقود الثلاثة الماضية من قبل بعض المسؤولين لإقفال تلفزيون لبنان أو بيعه للقطاع الخاص ،على قاعدة أن التلفزيونات الخاصة تفي بحاجة الدولة للإعلام ،وأن لا حاجة لتلفزيون رسمي.لكن هذه المحاولات كانت تصطدم بإرادة مسؤولين آخرين رفضوا بيع ممتلكات الدولة.وهكذا يعيش تلفزيون لبنان منذ إقفاله لمدة ثلاثة أشهر وصرف العاملين فيه في العام 2001 ،بقوة الإستمرار ،وسط معاناة دائمة .فحال التلفزيون الرسمي من حال الدولة التي تفتقد إلى رئيس وحكومة ومسؤولين في مستوى المسؤولية.