ثقافة

العراق واليونسكو والتوافق العربي (جواد الهنداوي)

د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز

لمْ تكْ بين العرب واليونسكو مصلحة أُمّة بل كانت مصلحة دولة .
أسمى مكانة و مقام وصل اليهما الشعور القومي العربي ،ومنذ بدايات القرن الماضي و ليومنا هذا ، هو ان يكون هذا الشعور أمنيّة وحُلمْ . لم يتجسّد هذا الانتماء في حالة او صورة مُبهرة او مشهد مُنتجْ الاّ في الشعور غير الرسمي المُتبادل بين رعايا دول الامّة . لستُ متشائماً ولكنني واقعي ، والواقع يُعلّمنا بأنَّ مَنْ يحكمْ سياسات و توافقات دول امتنا العربية مصالحها وليس قوّة الشعور و الانتماء القومي ، و الادعّاء خلاف ذلك يعود الى واحد من أثنيّن : إمّا فائض كبير بالشعور بالانتماء القومي ، ونجد هذا الفائض ليس عند السياسيين ، وانما في عقل وفي قلم الكاتب والشاعر

و المثقف الملتزم ،والذي يوزن الكلمة التي يكتبها والعبارة التي يقولها بميزان الحق ؛ و إماّ لتبرير او تمرير موقف ، خلفه مصالح تختبئ في مقدمّات جميلة ،مِنْ قبيل : الاجماع العربي ، التوافق العربي ،مصالح الامّة . و لنا في ذلك ، شاهدٌ شاخص وكبير في التعامل السياسي و الدبلوماسي بين الدول ،عربية او غيرها هو ما يسمى ” بالدعم المتبادل ” او الدعم بمقابل ” .
اي لايوجد موقف مجاني من دولة ، ان كان المُستحق للموقف شقيق او صديق او حليف ! لأنَّ موقف الدولة هو تعبير عن سيادة الدولة وعن ارادة الشعب ،لأنَّ موقف الدولة هو حق الشعب ،في دولة ديمقراطية، لذا وَجَبَ التأني والتفكير ملياً في تبنيه ، وهو قرار الحاكم في دولة ديكتاتورية !
هذه المقدمة تكفي كي أعودُ الى العنوان . لم يكْ للعرب موقف موّحد تجاه سعيهم للفوز بكرسي اليونسكو ، و ذلك منذ تأسيس المنظمة عام ١٩٤٥ . كُلُّ دولة تعتبر سعيها و موقفها أمرٌ سيادي ، وكل دولة ترى انها احّقُ من الاخرى في المنصب ، ولو كان للتوافق العربي او الاجماع العربي اساس آخر غير مصلحة الدولة ، لوضعوا في ما بينهم معايير موضوعية و واقعيّة لتوزيع المناصب الاممية في ما بينهم ،اينما حضروا ، مثلاً عندما يكون التنافس على موقع اممي في الاوبك ، تتوافق الدول العربية النفطية وحسب الانتاج مثلاً ، وعندما يكون التنافس على موقع اممي في قانون البحار يتفق العرب على تسمية مُرشّح دولة تقع على بحر ،وعندما يكون التنافس على موقع اممي في موضوع التصحر يتفق العرب على تلك الدولة التي تعاني اكثر من غيرها من مشكلة التصحّر ، واذا كان التنافس على موقع اممي في موضوع الثقافة والاثار والتربية ( اليونسكو ) ، مثلما يحصل اليوم ،ليتفق العرب على دولة حافل تأريخها و واقعها بالاثار والثقافة و العلوم ، ولها حظوظ في الفوز .
هل يستطيع العرب التوافق على معايير ؟
كلا طبعاً .
في الامس ( عام ٢٠١٧ ) ، كان تنافس محموم بين دولة قطر ،ممُثلة بالصديق الدكتور و رجل الدولة المعروف حمد الكواري ، وجمهورية مصر العربية ممُثلة بالسيدة السفيرة مُشيرة خطاّب ، لم يحصلْ اجماع عربي ، رغم تنازل العراق لجمهورية مصر . وتنازل العراق كان بعد أنْ تقدّم بمرشحه وعَلِمَ العالم ، بأنَّ بلاد ما بين النهرين ،بلاد بابل و آشور نهضت من جديد ودخلت حلبة المنافسة لهذا الموقع الذي يليق بتاريخها الحضاري و يُجبرْ خواطر شعبها الذي تعرّضَ للارهاب من البعيد و القريب ، والذي تعرّض لاخطاء تصنيفات طائفية ،ساهمت ،بشكل او بأخر ، بترويج الفتنة ( الهلال الشيعي ، والحكم الطائفي ) الخ …
و لا اريد الخوض الآن عن تقييم قرار العراق حينها بالتنازل ، وهل كان بمقابل او بدون مقابل ، و اعتقد معالي وزير الصحة الحالي الدكتور صالح الحسناوي ،والذي كان المُرشّح ، يملكُ رأياً صادقاً و بناء عن مُعاناته .
كما لا اريد الخوض ايضاً عن تجارب مريرة اخرى للعرب ، وعن الانماط التصويتية لهم في اليونسكو ، والتي افتقرت لاي اجماع او توافق عربي . خذ على سبيل المثال فشل المملكة العربية السعودية بمرشحها المعروف الدكتور القصيبي ، عام ١٩٩٩ ، والذي كتبَ بعد هزيمته امام الياباني ،مبيناً اسباب الهزيمة ” اسباب الهزيمة العربية في اليونسكو تعطينا درسيّن : الاول هو ان لا تصدق كل ما تسمع من وعود ،والدرس الثاني هو ان المعركة الحقيقة لا تبدأ مع انطلاق الحملة مع ميلاد كل مُرشّح ” انظر (” الوطن ” ٢٠١٧/٦/١٢، جريدة الكترونية ).
هل سيُخدعْ العراق ،مرّة اخرى ، بأكذوبة التوافق العربي ازاء منصب اليونسكو ؟ وهل تقدّمْ العرب في جميع دورات ومنافسات اليونسكو التسع بمرشّح واحد توافقي ؟
كلا .
وهل كُتِبَ على العراق ان يتنازل كّلَ مرّة ؟ ولماذا لا يتنازل الآخر لصالح العراق ،والذي يتقدم بمرشّح يمتلك مقومات رصينة ، ولماذا لا يتم تقييم المرشحين من المجموعة العربية و معرفة ما يمتلك كل مُرشّح من مقومات موضوعية ؟
تيّتمَ العراق ( من ٢٠٠٤ لغاية ٢٠١٧ ) من ” بركة ” الاجماع العربي ، وحين انتصرَ على الارهاب ،ونهض ، عادَ اليه الاجماع و التوافق العربي ، ونحن مسرورين بهذه العودة ، يطالبه باستحقاقات الانتماء والشعور القومي و المواقف المشتركة ، وكان ولا يزال ،كعادته العراق كريماً وسخياً ، فتنازل الى مصر في سباق اليونسكو عام ٢٠١٧ ،وقد حان الآن وقت جميع الاشقاء العرب وفي مقدمتهم مصر العروبة بتفعيل هذا الشعور النبيل ( التوافق العربي ) لصالح العراق و دعم للعراق وليس على العراق .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى