المخفي والمعلن في نفاد ذخيرة الناتو (فلاح عبد الحسن)

بقلم د. فلاح عبد الحسن – الحوار نيوز

تمتلك الولايات المتحدة الامريكية ما يكفي من السلاح والعتاد لخوض حرب طويلة الأمد وبالخصوص الأسلحة التقليدية، ومن غير المنطقي نفاده لديها وهي التي كانت تعد العدة لمواجهة حلف وارسو بأكمله وفي مقدمته الاتحاد السوفيتي وترسانته الضخمة!

لذلك نعتقد ان الادعاء بنفاد ذخيرة بعض الأسلحة ما هو الا وسيلة لتحقيق الاتي:

– تفريغ مخازن دول حلف الناتو مما تملكه من أسلحة واعتدة وخاصة الشرقية منها

– قيام واشنطن بإعادة ملئها بالسلاح الأمريكي الحديث ما يدر على خزينتها أموالا طائلة

– اعادة تشغيل ماكينتها العسكرية على نطاق أوسع وتصنيع ما تم تصمميه على الورق ،وضمان وجود الأموال الكافية لذلك بتوفر زبائن من الحلف نفسه خوفاً من تسريب اسرار التقنية المستخدمة إذا تم بيعها لدول خارج الحلف.

– رفع شأنها أوروبياً وشد خيوط دول الحلف اليها مجدداً بعد ان ارتخت وأصبحت بعض العواصم قاب قوسين أو أدنى من الخروج من القفص الأمريكي المحكم او تدعو لذلك على اقل تقدير.

– التخلص مما لديها من اسلحة خارجة عن الخدمة او في طريقها لذلك، مثل مدرعات البرادلي او الصواريخ منتهية الصلاحية.

– تجربة الأسلحة الجديدة مع عدو قوي وكشف قدراته القتالية الحقيقية في ميدان الحرب

– معرفة نقاط القوة والضعف في الأسلحة الروسية

وبذلك تكون واشنطن حققت أكثر من هدف بأقل الخسائر.

منذ الأشهر الأولى لبدء القتال، انطلقت رحلات تجار السلاح المكوكية (حكومات واشخاص) لجمع المتبقي من أسلحة الاتحاد السوفيتي السابق المنتشرة لدى دول أوروبا الشرقية، وبالخصوص الدول التي دخلت حصن حلف الناتو بعد عام 1990 ،ومازالت تمتلك خزيناً لا بأس به من تلك الأسلحة، والبعض منها لديه رخصة انتاجها على ارضه. من طرفها لم تبخل الإدارة الامريكية بالمال لجمع ذلك السلاح والعتاد وارساله الى ساحات القتال لتحقيق عدد من الأهداف ،وبالتأكيد في مقدمتها استنزاف القدرات الروسية. وموسكو قد تكون على معرفة بأغلب هذه الأهداف، لذلك لم ترسل لجبهات القتال الا القديم من سلاحها في مراحل الحرب الأولى.

لا يخفى على المتابع ان الذخيرة لدى الجيش الاوكراني نفدت في ايام الحرب الأولى وتقلصت او اختفت معها الأسلحة المصنعة محلياً أو المتبقية من زمن الاتحاد السوفييتي بسبب الاستخدام اليومي الكثيف، بالتوازي مع طول جبهة القتال الممتدة لأكثر من ألف كيلو متر، ما ادى الى استنزاف خزين كييف. ورافق ذلك قصف روسي طال كل شبكة التصنيع العسكري الأوكرانية. فموسكو على دراية دقيقة بمواقع المصانع بحكم العلاقة الوطيدة السابقة ،فأغلبها انشأت بخبرات وتمويل سوفييتي ما سهل استهدافها وتدميرها منذ الأيام الأولى للحرب.

والمرحلة الثانية هي استهلاك ما ارسلته دول حلف وارسو السابقة ،والمنضمة حديثاً لحلف الناتو من أسلحة واعتدة الى أوكرانيا، على امل استبدالها بأسلحة أمريكية حديثة مثل الابرامز بديلاً عن T72 ،و F35 بديلا عن 29 MIG ومثيلاتها … الخ وتم رصد ميزانيات هائلة لهذا الغرض.

وبعد ان قاربت هذه الأسلحة على الاختفاء بسبب تدميرها في ساحة المعركة نكون دخلنا المرحلة الثالثة، وهي الاستخدام المتوازي لأسلحة حلف الناتو مع المتبقي من الأسلحة السوفيتية التي تم جمعها من كل دول العالم التي تتعاون مع واشنطن وتدور في فلكها. ورافق ذلك الحاجة الماسة لكوادر مدربة على تلك الأسلحة ولم يبق امام دول الحلف وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية سوى ارسال ،جنودها تحت غطاء “المتطوعين الأجانب”، مع الأسلحة الغربية والأمريكية لاستخدامها بشكل مؤثر، لعدم امتلاك الجنود الأوكرانيين الخبرة والقدرة على ذلك، والا ستكون العواقب وخيمة وتسبب خسائر كبيرة للجانب الغربي، اهمها:

– خسارة سمعة هذه الأسلحة في السوق العالمية

-استحواذ الروس على عدد منها ما يؤدي الى اكتشاف نقاط الضعف فيها وصناعة المضاد العملي لها

– الخسائر المالية الكبيرة بسبب أسعارها المرتفعة ما يحمل اقتصاديات بلدان الحلف الكثير من التبعات.

والملفت للنظر أن واشنطن سمحت لدول الحلف بإرسال أسلحتها الحديثة بأعداد لا تغير من ميزان المعركة مثل دبابات ليوبارد الألمانية، والفرنسية AMX-10RC والناقلات المدرعة      Bastion  والمدفعية البولندية ذاتية الحركة  CRAB  وأنواع أخرى، مع عدم توفير الغطاء الجوي لها ما جعلها لقمة سائغة لصواريخ المروحيات (52 K  والقذائف والمسيرات الانتحارية الروسية (الانسيت) وانتشار مقاطع وصور لمقابر هذه الأسلحة على جبهات القتال، في حين لم تظهر الامريكية منها (الابرامز الحديثة) مثلاً، رغم ان هذه الخطوة تعجل بتوسيع رقعة الصراع، الا ان ارسال أسلحة محرمة دولياً كالقنابل العنقودية بحجة خلو المستودعات العسكرية من الاعتدة والاسلحة، وبشكل علني، يُعد استفزازاً للجانب الروسي وتجاوزاً لكل خطوطه الحمر وجره للرد بأسلحة مشابهة أو إظهار المخفي لديه من أنواع اخرى قد نكون سمعنا عنها، لكننا لم نر تأثيرها في ارض المعركة كالقنبلة الفراغية (Aviation Thermobaric Bomb of Increased Power) والتي يطلق عليها “أبو القنابل” (FATHER OF ALL BOMBS) او أنواع أخرى غير معلن عنها حالياً.

بذلك تكون واشنطن حققت جملة من الأهداف العسكرية والسياسية والاقتصادية، ووضعت العالم على مفترق طريق في الحرب بين روسيا ودول حلف الناتو على الأراضي الأوكرانية، المنتصر فيها يخرج بأطراف صناعية وعين زجاجية خالية من الحياة!

* عضو مركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات/ بروكسل