..والعدالة تظلم أحيانا (أحمد عياش)
د.أحمد عياش – الحوار نيوز
سألت والدي يوما كيف قضى نهاره الصيفي في بلدتنا حاروف، فأجابني انه امضى الوقت وهو يتلو الفاتحة على قبور الاهل وابناء العم والاصحاب في المقبرة.
المقبرة في حاروف هي المنتزه الوحيد الهادىء المليء بالاشجار وبالناس الصامتين الى الابد.
قلت له ان ينتبه فقد اصبح عدد الذين يزورهم في المقبرة من المعارف اكثر من الذين يعرفهم من الاحياء في البلدة.
ابتسم لي صامتاً ولم يُخبرني كي لا يُحزنني انه سيموت بعد اسابيع قليلة.
ومات..
وصرت ازوره واتلو له الفاتحة على ضريحه.
مذ كثر الاحباب والاصحاب في مقبرة البلدة ما عدت زرت اضرحتهم ،فمن الضروري حاليا ان ابقى حيّاً لمدة أطول.
قصة واجبات..
بعد معاينتي لسجينة قتلت زوجها طعنا بسكين بعدما قيّدته على الكرسي بناء على طلبه الغريب غير الواضح انما ذو شبهات بألعاب جنسية ،قتلته وفق كلامها خوفاً من تهديداته المتكررة لها بحرمانها من طفلها ذات يوم، توقعت ان القضاء سيحكمها بالسجن المؤبد ،الا ان فكرة مؤلمة خطرت ببالي وانا اسير في حرّ صيف تموز في منطقة عائشة بكار.
سينتصر القضاء للقتيل وسيحكمها بالمؤبد، لكن العدالة لن تنصف الطفل.
من سينصف الطفل؟
ما ذنب الطفل في تصفيات القضاء والعدالة وهو الثالث مع والده القتيل وامه القتيلة؟
الام قتلت والده ،والقضاء سيقتل او سيغيّب امه لوقت طويل،طويل مدة المؤبد ،طالما لا اعدام يُنفذّ .
غياب ام اعدام ام موت لا فرق.
سينمو وسيكبر الطفل بلا والديه فإن سئل عنهما ماذا سيقول؟ :
-“امي حبيبتي قتلت ابي الطيب والعدالة اقتصت من امي فقتلتها، فبقيت وحيدا يتيما ضحية للعدالة التي حرمتني حتى امّي المجرمة .”
تظلم العدالة وهي تنفذ وتحقق القضاء.
العدالة تظلم احيانا.
بل اكثر من احيانا.
ربما غالبا ونحن لا ندري.
القضاء ليس بالضرورة دائما عدالة .
لا تتحمسوا كثيرا للقضاء وللعدالة، فأحيانا يكون القتيل هو القاتل الحقيقي.