د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص
تبذُل الدول الجهود والزيارات وتمنح المساعدات في إطار العلاقات الدولية من أجل أهداف تسعى لتحقيقها، وكذلك تسعى الدول الى إغتنام الفرص في ساحة العلاقات الدولية، من اجل توظيفها لتحقيق الاهداف المرجّوة فلا شئ “لوجه المعبود”.
وما مِنْ ملف في العالم ينافس ملف القضية الفلسطينيّة في عمر الاحتلال ومعاناة الشعب الفلسطينى ، وادارة النفاق وتعطيل القانون وازدواجية المعايير في المواقف و توظيف تفصيلات القضيّة.
الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الفلسطيني للصين في ٢٠٢٣/٦/١٣ ، وبدعوة من الرئيس الصيني، ولمدة ثلاثة ايام ،لها خصوصيتها و أهميتها . تأتي في ظرف دولي مناسب لمصلحة القضية الفلسطينية ،حيث الجميع ينفضُ يديه من الدور الاميركي في المنطقة ، الذي طالما كان متحيزاً لاسرائيل ،بل داعماً لها ، والذي طالما دعمَ الفوضى الخلاّقة في المنطقة .
هل ستمتلك السلطة الفلسطينية الشجاعة كي تسير مع السرب الذي يغادر حَلبة النفوذ و الاملاءات الاميركية؟
اعتقد بقدرة السلطة الفلسطينية على ذلك. منذ حضور الرئيس محمود عباس قمة سيكا ( نحو تعزيز قيم السلام والحوار لدول آسيا ) ، في كازاخستان ، خلال شهر تشرين الاول عام ٢٠٢٢ ، ومقابلة الرئيس عباس للرئيس بوتين على هامش القمّة ، تبنى الرئيس عباس موقفا وأدلى بتصريحات جريئة تجاه اميركا ، حيث عبّر عن استيائه من الدور الاميركي المُتحيّز ، وعدم اطمئنانه وثقته بهذا الدور ، ومانعَ من المشاركة في ايّ جهود للسلام دون اشراف و رعاية الرباعيّة الدولية ( روسيا ،الاتحاد الاوربي ،اميركا ، الامم المتحدة ) .
جاءت تصريحات الرئيس عباس في وقت تخوض روسيا حرباً ضّدَ أميركا والغرب مُمثّلاً بحلف الناتو ، ومسرح هذه الحرب هي أُوكرانيا ،وفي وقت تبحث فيه أميركا عن دعم و تأييد وتحشيد ضد روسيا . والرئيس الفلسطيني لم يتردّدْ ،في اللقاء ، بتثمين دور روسيا في دعم العدالة الدولية والسلم العالمي واحترام القانون الدولي .
زيارة الرئيس عباس كانت بدعوة من الرئيس الصيني ، ورّحبَ الرئيس الصيني خلال كلمته في بداية اللقاء الاول المشترك ، بالرئيس عباس ،واصفاً اياه بأول رئيس عربي يزور الصين لهذا العام ، وواعداً بإقامة علاقات ” استراتيجية بين فلسطين و الصين “. وعلينا ،صراحة التوقّف عند هذا الوصف للعلاقة بين فلسطين و الصين ،والتي ستكون ،وعلى لسان الرئيس الصيني ” بعلاقة استراتيجية ” ! و لمْ تمنح الصين هذا الوصف لعلاقتها الاّ لدول مثل أيران و مصر والسعودّية ،الامر الذي يبيّنُ مدى الاهتمام الذي ستوليه الصين للقضية الفلسطينية .
و ستعزّز الصين نفوذها السياسي في المنطقة ،من خلال جهودها و مساعيها لاحياء مفاوضات سلام بين اسرائيل والفلسطينيين ، بعدما نجحت في انهاء التوتر بين المملكة العربية السعودية و الجمهورية الاسلامية في ايران .
استثمار الصين في فلسطين هو سعي وجهود لاحياء مفاوضات السلام بين الطرف الاسرائيلي وفلسطين ، بالاضافة الى استثمارات ومساعدات في مجال البنى التحتيّة والكهرباء .
بكل تأكيد ، تدرك الصين صعوبة ،بل استحالة اقناع الطرف الاسرائيلي بمفاوضات تقود الى تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال الاسرائيلي ، واقامة دولة فلسطينية ،وفقاً للشرعية الدولية ، ولكنها تعّول كثيراً على المتغّيرات الدولية و الاقليمية ، والتي ليست لصالح اسرائيل ؛ واهم تلك المتغيّرات إنحسار النفوذ الاميركي في المنطقة و جزع أميركا من اسرائيل ،و التي اصبحت مشكلة لأميركا و للعالم ، كذلك تبدّد قوة الردع الاسرائيلي ،وعدم جدوى سياسية التهديد والوعيد والعربدة الاسرائيلية ، وعدم قدرة اسرائيل على شّن حرب .
كانت زيارة الرئيس عباس الى الصين مناسبة نشاط سياسي للسلطة ،والتي اصبحت ،ميدانياً ،على هامش القضيّة ، مقارنة بحركات المقاومة ( الجهاد و حماس ) وهما فاعلتان ميدانياً وسياسياً ، و مابين روسيا و ايران والقاهرة . فمَنْ خذلَ السلطة و ساهمَ في تهميشها هي أميركا وربيبتها اسرائيل . اسرائيل تستخف بمنْ يتعامل معها باتفاق سلام او بتطبيع او بتعاون امني ( كحال السلطة الفلسطينية)، وتحذر وتحسبُ حسابا لمَنْ يعرفُ دناءتها وجرائمها ويقاتلها سياسياً وعسكرياً .
لم يسّرْ اسرائيل دعوة الرئيس الصيني لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ،و استقباله و تكريمه بتصريحات سياسية تليق بنضال و مظلوميّة الشعب الفلسطيني ،و بعدالة القضية . واستغربت اسرائيل تصريح الرئيس الصيني بالعمل على شراكة استراتيجية مع فلسطين . وما يُغيظ اسرائيل ورئيس حكومتها هو شعوره منبوذاً من الادارة الاميركية ، حيث لم يلقْ ايّ دعوة من الرئيس بايدن لزيارته بعد انتخابه ، خلافاً لما جرى عليه عُرف وبروتكول التعاون بين الادارة الاميريكية اسرائيل .
تفّكر الصين ، كما اعتقد ، بضرورة احلال السلام في المنطقة ، وهذا السلام يمّرُ من خلال حّلْ القضية الفلسطينية ،وفقاً للشرعية الدولية . ومصالح الصين التجارية والاقتصادية في المنطقة تتطلب ،ليس فقط طريقاً للحرير والتنميّة ، و انما ايضاً طريقاً للسلام الذي يؤمّن التنميّة.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل