منع إستيراد المفروشات ..حماية أم احتكار ؟(عماد عكوش)
د. عماد عكوش – خاص الحوار نيوز
أصدر وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال جورج بوشيكيان هذا الاسبوع ،قراراً مفاجئاً بمنع استيراد المفروشات المنزلية والمكتبية من الخارج ، من دون إعطاء مهلة محددة للوكلاء التجاريين لفبارك أوروبية وآسيوية لترتيب أوضاعهم مع الشركات التي يمثلونها في لبنان، تحت حجة حماية الصناعات المحلية والحد من تحويلات الدولار إلى الخارج ، ما أدى الى نشوب خلاف بين وزارة الصناعة ووزارة الاقتصاد والتي تعتبر ان هكذا قرار هو من ضمن صلاحيات وزارة الاقتصاد .
ان تطبيق الحماية الجمركية عن طريق منع الاستيراد هي جريمة بحق الاقتصاد الحر ، ويؤدي في حالة الاقتصاد اللبناني الى نوع من الاحتكار وعدم الالتزام بالنوعية والجودة المطلوبة ، أضافة طبعا الى خلق مشاكل سياسية مع دول تم الاتفاق معها على التبادل التجاري ضمن شروط معينة، ومنها اتفاقية التيسير العربية ، اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الاوروبي ، وهذا سيؤدي الى خلق مشاكل سياسية كبيرة معها يمكن ان تؤدي الى أخراج لبنان من كل هذه الاتفاقيات .
فهل تسمح الاتفاقات الدولية بالخروج منها في حالة الانهيار الاقتصادي ؟
لقد سمحت كل الاتفاقيات التي وقعها لبنان، ومنها أتفاقية التيسير العربية للدول الاقل نموا او تلك التي تعاني من أزمة أقتصادية ضاغطة او مشكلة مزمنة في الميزان التجاري أو ميزان المدفوعات ، بأن تعيد النظر في حماية سلعها لإعادة تصحيح الواقع الذي تعاني منه ، وهذا ما لم يلجأ اليه لبنان لحماية سلعه أو انتاجه الوطني سواء الصناعي أو الزراعي، بل سعى الى حماية بعض الكارتيلات عبر منع استيراد بعض السلع دون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة المواطن وأمكانية أحتكار هذه السلع وبالتالي التحكم بسعرها .
المثال الفاقع على الاحتكار في لبنان هو منع استيراد الاسمنت لحماية المعامل المحلية والموزعة على الطبقة السياسية ، هذا المنع أدى الى مضاعفة أرباحها طيلة عشرات السنوات الماضية ، كما أدى الى ارتفاع أسعارها بشكل كبير لا يتلاءم مع أسعار السوق العالمية .
هذا المثال الفاقع يتضمن ثلاث شركات في لبنان تحتكر سوق الاسمنت: شركة الترابة الوطنية – اسمنت السبع، ولافارج – هولسيم، وترابة سبلين . وتُشكّل هذه الشركات “كارتيل” يبسط سيطرته على مناطق وجودها ، حتّى باتت تمسك بالخيارات السياسية والبلدية في مناطق سيطرتها . الشركات الثلاث تحظى بـحماية قرار صادر سنة 1993 ، يمنع استيراد الاسمنت من دون إجازة مُسبقة من وزارة الصناعة . كما أنه منذ عام 1985 تُفرض رسوم جمركية عالية تبلغ 75% ورسم 10% للاستهلاك الداخلي ، ما أكسبها قدرة على أحتكار السوق وبنسبة كبيرة .
المؤسف ان الحكومة اللبنانية لم تضع اي خطة عمل للتحول نحو الاقتصاد المنتج والاستفادة من واقع الانهيار الحالي لتحقيق هذا الهدف، بل تعمد الى مزيد من السياسات المجحفة بحق المواطن عبر تثبيت سياسة الاحتكار المحمية بموجب قوانين ما زالت سارية المفعول رغم صدور قانون المنافسة رقم 281 تاريخ: 15/03/2022 ،ورغم أن الهدف الاساسي خلف هذا القانون هو تأمين المنافسة والنفاذ الى الاسواق عبر منع كل الممارسات المخلة بالمنافسة وعمليات استغلال الوضع المهيمن، وبالتالي زيادة رفاهية المستهلك وتحفيز الفعالية الاقتصادية والاعمال الخلاقة ،إلا أنه لغاية اليوم لم تصدر المراسيم التطبيقية التي ترعى تطبيق هذا القانون .
ان الولوج الى الحل في البداية يجب ان يأخذ بعين الاعتبار مصلحة المواطن أولا ومصلحة الاقتصاد ثانيا ، على المدى القصير وعلى المدى الطويل الأجل ، فمصلحة المواطن تكمن في حصوله على السلعة بأرخص سعر وأفضل نوعية ، ومصلحة الاقتصاد في زيادة الانتاج وتحقيق نمو ، ولا بد من التكامل بين هاتين المصلحتين .
لذلك من الضروري أن يرعى أي قرار صادر عن أي وزارة أو مجلس الوزراء هذه المصالح ، فمنع استيراد أصناف معينة يجب ان يخضع لشروط وقواعد محددة ، وأهم هذه الشروط :
– ألا يؤدي منع الاستيراد الى ارتفاع أسعار السلع عن الأسعار الطبيعية وأسعار الاسواق العالمية .
– أن يحقق منع الاستيراد الهدف من هذا الاجراء وهو تحفيز الانتاج .
– ان تكون هناك منافسة حقيقية في السوق وألا يؤدي وقف الاستيراد الى تشكيل “كارتيل” يرعى هذا النشاط وتوزع الحصص على المنتجين دون منافسة .
ولأن تحقيق هذه الشروط مستحيلة في لبنان ،فنحن دائما كنا وسنبقى مع تحرير الاستيراد ،ولكن طبعا نحن مع حماية الانتاج المحلي من سياسة الاغراق الذي تمارسه بعض الدول. ونؤكد على ضرورة فرض رسم جمركي نسبي على استيراد هذه السلع بمعدل لا يقل عن 30 بالمئة ،ولا يزيد عن 50 بالمئة ، إضافة الى رسم نوعي على الاصناف المستوردة من دول تدعم أنتاجها وتملك قدرة تنافسية كبيرة تؤدي الى أغراق سوقنا بسلعها ويتم أحتسابه على الوزن . فهل ستسعى الحكومة الى تحقيق هذه المصالح والشروط ؟