لماذا فشلت تظاهرة 6 حزيران؟
يمكن القول إن العنوان الأساس للتحرك أمس كان ذلك الشعار الصارخ وهو تطبيق القرارَيْن 1559 و 1860 ونزع سلاح حزب الله، مهما حاول عرّابا هذا التحرك التنصّل منه واعتباره مطلباً خلافياً لا يجب أن يُطرح في مناسبة لها أولويات أهم للمرحلة القادمة. ولا شكّ أن ردود الفعل العنيفة التي تزامنت مع هذا التحرك في اشتباكات كادت أن تقع مع ما يسمى بالشارع الآخر، والتي تلته عند فتنة الشياح – عين الرمانة، كانت النتيجة الطبيعية لرفع ذلك الشعار.
ولا ينكر أحد أن هذا السلاح قضية خلافية بامتياز، وهذا أمر طبيعي في بلد ديمقراطي، كما أن الموقف العدائي من إسرائيل لا يحظى بإجماع وطني واحد، أو فلنقل إنه لا يتّسم بالطبيعة الواحدة في تفاوت حدّته بين الفرقاء اللبنانيين، لكن الجميع يعلم أن مسألة السلاح تشكّل حساسية بالغة ولا يمكن أن تُطرح في تحرّك أو تظاهرة محدودة فشلت في جذب الناس إلى ساحتها، وإن نجحت في تأجيج النعرات الوطنية والطائفية واجتياز خطوط حمراء رسمها اللبنانيون جميعاً لطي صفحة الحرب الاهلية وويلاتها. ولولا ذلك لكان يوم أمس حدثاً عادياً لا يشكّل في الذاكرة الوطنية أي حيّز، نظراً للحضور الذي قيل إنه خجول، وعدم تلبية المؤثرين الأساسيين الدعوة المريبة.
لقد أعلن الرئيس السابق سعد الحريري أن سلاح المقاومة هو مشكلة إقليمية دولية وليست داخلية، وهذا رأي واقعي حكيم يجب استيعابه جيداً والبناء عليه للمرحلة القادمة، إذ أن هذا السلاح يرتبط عضوياً بالصراع العربي الإسرائيلي واحتلال فلسطين، بل إنه أصبح مرتبطاً بمحور إقليمي يمثّل الحزب فيه رقماً صعباً باعتراف العدو قبل الصديق، وإن رفع شعار نزعه عند البعض، في هذا الوقت بالذات، ليس سوى إعلان الطاعة للمحور الآخر والذوبان الأعمى في خططه التدميرية.
لقد باركنا السابع عشر من تشرين عند انطلاقته المطلبية، وأظهرنا شكوكنا بعد ذلك عندما حاولت بعض الأحزاب الفئوية ركوب موجته، لكن ومع ذلك بقي في الانتفاضة الكثير من الناس الذين تحرّكوا بصدق لرفع الظلم الواقع عليهم، وسيطرة الأحزاب السياسية على مقاليد السلطة لعقود طويلة، ونهب أموال البلد وخيراته، لكن التوجّه العام في تحرك أمس حمل واقعاً شاذاً في طروحاته وشعاراته وآراء المشاركين التي عرضتها قناة ال ام تي في خاصة، وبالغت في تضخيمها وإبراز كل ما يثير النعرات بين "الشارعين" ونقل السباب والشتائم على الهواء، لتشعر وكأن هناك تواؤماً وتجانساً بينها وبين بعض المتظاهرين الحاقدين، فكيف يُسمح لهذا التلوّث الإعلامي أن يبثّ سمومه وضغائن في بيئة يُحتضر كل ما فيها، للأسف، هي الحرية المطلقة العمياء.
وأخيراً، فإن اللبنانيين في مرحلة بالغة الصعوبة لا تتحمّل أية ريح هوجاء، فالجوع بات على الأبواب، والمؤمرات تجتاح كياننا من كل حدب وصوب، والطبقة السياسية والعائلات الأرستقراطية القديمة التي أرهقت الدولة عقوداً طوالاً لما تزل تمسك بزمام الأمور، ولا شكّ أن المطالبة بنزع سلاح الحزب في هذا الوقت بالذات يحمل مشروعاً خطيراً يتواءم مع قانون قيصر وتجويع الشعب السوري وصفقة القرن وابتلاع ما تبقّى من فلسطين، وهو في نفس الوقت إراحة إسرائيل من سلاح استطاع أن يهزمها أكثر من مرة ويقيم وحده ودون غيره، توازن الرعب معها، فيرتاح الجنوب وكل لبنان منذ 2006. فهل في راحة الجنوب ومعاناته راحة ومعاناة لكل لبنان، أم أن لدى البعض أجندات أخرى لا تحمل أية معانٍ لتلك المشاعر؟