د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز- خاص
تشهدُ العلاقات الدولية مرحلة تجرّدها من منظومة الاسس والثوابت التي حكمتها، بعد الحرب العالمية الثانية. لم تعدْ المواثيق والقوانين الدولية والاتفاقيات والمعاهدات مَرجعاً موثوقاً ومُلزماً للدول في علاقاتها البينيّة.
انتهاك السيادة والاحتلال والاعتداء العسكري والحصار والعقوبات، هي اليوم الممارسات السائدة في العلاقات الدولية، والتي تتعارض مع ميثاق الامم المتحدة والقيم الانسانية ، وتتعارض ايضا مع حقوق الانسان والحريات والديمقراطية .
أصبحت القوّة هي شريعة ومرجع العلاقات الدولية، وهي وسيلة الدول العظمى في فرض اراداتها وسياساتها، وحتى القوة لم تعدْ تتمثّل بجيوش نظامية تلتزم بقوانين الحرب وبالمواثيق الدولية، وانما بجماعات مسلّحة، اغلبها خارجة عن القانون، وغير ملتزمة بقوانين الحرب والمواثيق الدولية، تديرها وتسيّرها دول عظمى ودول ساندة للدول العظمى ، وهذا ما شهدناه في تجارب تنظيمات “القاعدة” و”داعش” والجماعات المسلحّة الاخرى والمرتزقة الذين كانوا وما زالوا ادوات في خدمة وتوظيف الادارة الاميركية.
استخدمت اميركا ( دولة عظمى ) الجماعات المسلحة ،وبمختلف مسمياتها ،بهدف زعزعة واسقاط انظمة ودول وتفتيت مجتمعات، او اضعافها ، او تهديدها كما حدثَ ويحدث الآن في العراق وفي سوريا، وتستخدم اليوم روسيا (دولة عظمى) جماعات فاغنر، كقوات ساندة وداعمة للجيش الروسي في معارك اوكرانيا، وفي جمهورية افريقيا الوسطى وفي ليبيا. وتجدر الاشارة، ونحن نذكر ليبيا، الى زيارة السيد وليم بيرنز ، رئيس وكالة الاستخبارات الامريكية، الخميس الماضي ٢٠٢٣/١/١٩، ولقاءه الرسمي مع رئيس الحكومة في طرابلس، و مطالبته حكومة طرابلس بضرورة اخراج قوات فاغنر الروسية من الساحة الليبية.
وتتبادل الدولتان (اميركا وروسيا) التصريحات والاتهامات بتوظيف الجماعات المسلحة. قبل ايام اتهمت روسيا اميركا بنقل مقاتلي داعش و جبهة النصرة من ادلب الى اوكرانيا ،لمساندة الجيش الاوكراني؛ واتهمت أميركا روسيا بتسهيل دخول ٥٠ الفا من مقاتلي فاغنر الى اوكرانيا.
حالة أميركا والجماعات المسّلحة ( داعش والقاعدة ) تختلف عن حالة روسيا وقوات فاغنر الروسيّة.
تتعامل أميركا مع جماعاتها المسلحّة المنتشرة في سوريا والعراق والمنطقة بإزدواجية التعريف والتصنيف ؛ تصفهم او البعض منهم اعلاميا بالارهاب، ولكن واقعياً توظّفهم لمآرب سياسية، وتمدّهم ، مباشرة او بشكل غير مباشر بالمال وبالسلاح وبالدعم المطلوب، والاعتداء على سيادة سوريا، أرضاً ونفطاً، في الوقت الحاضر. خير دليل على ذلك، تستخدم أميركا جماعاتها المسلّحة لابعاد عقائديّة في تفتيت المجتمعات واثارة الفتن الطائفية والقومية، وتدمير الدول، وبما يضمن مصلحة وهيمنة المشروع الصهيوني الاسرائيلي في المنطقة.
بدأت روسيا حديثاً (منذ عام ٢٠١٤) بالاعتماد على شركات أمنيّة خاصة ومتدربة، قوامها محاربون قدماء في الجيش الروسي ومتطوعون روس، لتنفيذ مهام امنيّة داخل روسيا وخارجها. وقوات فاغنر هي اهم و ابرز هذه الشركات، التي تعمل بدعم روسي وبغطاء قانوني روسي، وساهمت وتساهم، بدرجة كبيرة في معارك اوكرانيا، وتتواجد في افريقيا وليبيا لحماية المصالح الاقتصادية الروسيّة والشركات الروسية المستثمرة والعاملة في افريقيا. لم تنفْ روسيا استخدامها لهذه القوات في معاركها في اوكرانيا ولم توظّفها، حسب علمنا واطلاعنا لخدمة المشروع الصهيوني الاسرائيلي، ولا لنشر الديمقراطية او تأسيس دولة اسلامية.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل