عمّار مروة – بلجيكا
تمر اليوم الذكرى الرابعة عشرة لغياب الفنان الكبير منصور الرحباني.
قلائل جداً هم الفنانون الخلّاقون الذين اسسوا وابتكروا فناً وطنياً راقياً بجذور شبه صافيه، ليكون بذلك فناً غير مسبوق !.هؤلاء الفنانون معروفون ومعدودون على الأصابع في هذا الشرق .
في لبنان يبدأون بعصبة الخمسة الكبار الذين لمع منهم نخبوياً وشعبياً ، عربياً وعالمياً، الاخوان عاصي ومنصور الرحباني، والى جانبهم فيروز والياس والأجيال الرحبانيه، مع بقية الفنانين العرب الذين يتوسلون سرّهم وطرائقهم . هؤلاء عندما يرحلون ، تعتقد وسائل الاعلام على انواعها انهم بهذا الرحيل يصمتون ، وهذا خطأ فادح . فصمتهم بعد رحيلهم يتحول الى موسيقى كما تقول الأشياء والاحداث والظواهر، ليس فقط على حقيقتها قبلهم وبعدهم ، بل كما يجب عليها ان تكون (في رأيهم ليس بالضروره ان تكون مثاليه بقدر ما هي حقيقيه واقعيه وقابله للعمل عليها لتطويرها بالابداع فنياً وانسانياً ). وتحديداً يمكن اختصار هذا بما توسله الاخوان بصوت السيدة فيروز، ليستنهضوا به ما اتفقنا على تسميته نحن مواطنو هذا الحلم بالوطن الرحباني .
يتجلى ذلك اليوم ، وبعد مرور كل هذا الزمن على غيابهم بالفراغ والهبوط الذي يلفّنا في صمتهم العظيم . نعم لا تستغربوا، فالصمت طاقه ولغه وحضور، وله في التدوين الموسيقي علامه فارقه مميزه، وقيمة قدرتها الماديه والفنيه معروفه جيداً عند المؤلفين والملحنين الموسيقيين الذين يعرفون قوتها المعنويه وفاعليتها الصوتيه في النص الموسيقي.
الان وبعد رحيلهم عنا،وما نشهده من حروب وهزائم وانهيارات في لبنان وبلاد العرب ، يبدو ان اجمل ما في اعمالهم هو ما بقي من شفافيه فنيه وصدق وواقعيه وحب وكرم ورؤى غير مسبوقه (وباقيه تضيئ ايامنا القاحله هذه ).
يبدو اذن ان اجمل ما بقي ويبقى وسيبقى هو هذا الصمت الذهبي الذي سيبقى يلف اعمالهم في رونق غيابها عن وسائل الاعلام المرئي والمسموع والبرامج والمهرجانات التي اعتقدَت انها بذلك تساهم في تلاشيهم من ذاكرة المواطنين ومحوها من اذان الشعوب التي ما زالت تزداد ادماناً وتوقاً للوصول الى ذلك الحلم بالوطن الرحباني العصي على الانكسار والنسيان والتطويف والتمذهب والانقسامات، وحتى على التناحر الطبقي والتمسك بالجمال والنور والاراضي العربيه، بدءا من فلسطين مروراً بارض المسرح الغنائي الرحباني الذي على ساحته تألقت ذاكرتنا واشتعل تاريخنا بأنوار شمس التحرر والحق والخير والجمال والقيم الانسانيه التي ستبقى مشتعله بنا الى الابد !.
الزهر لا يرجع مرتين ،
لعله يرجع كل يوم مع حلمك يا منصور يرجع .. بكل تأكيد كل صباح مع النور والمطر والشمس تغني الحب والعداله والتنوير .
هذه الكلمات ادناه هي منهم ولهم واليهم :
يا ريت !
انت وانا بالبيت
شي بيت اقرب بيت
مش ممحي ورا حدود
العتم والريح !
يا ريت ترجع الدني غناني بهالعيد
عيدك لْ جايي بحلا وتجديد
يبقى من بعيد للسفر تقريب
وببالي بعدهم اهل هاك الدار
بانطلياس متل ما إجوا
ما راحو بعيد
لا عتب يبقي
ولا لحن عندن يعزف بِضيق
و يا ريت قبل ما هالسنه أوانها يغيب
يجينا منهم خبر بكل شي جديد ،
يا ريت .. يا ريت !.
_________________
ملاحظة:
لذكراه.. اهديه غداً قصه قصيره كبرت معي وكبرت بها على نصيب وافر من تراث الاخوين، وهو يضيئ قلب جيل كامل طبعوه بالواقعيه وقليل من الخيال . قصه كبرت بها طفولتي لتصل بداية شبابي ، خلقت علامه فارقة في وعي الفتى الذي كنته وخرجت معه الى الحياة، من المراهقه الى الشباب بفضل ما نثروه من جمال ..