اوراق من مذكّرات طبيب:هذه هي مهنتي.. فما هي مهنتكم يا حكّام لبنان؟
كتب د.طلال حمود*
بداية سأحكي عن قريتي وأهلها، وهي قرية جنوبية تُسمّى الخرايب نسبة لانتشار شجر الخرّوب الّذي نصنع منه دبس الخرّوب، وموادّ كثيرة يُستفاد منها في الطب أو للتّدفئة في الشتاء، وهي قرية تقع على ضفاف نهر الّليطاني، وفي منطقة أبو الأسود تحديدًا عند مصبّ النّهر في البحر.
كان والداي أميّين ولم يتسنَّ لهما، كما تسنّى لجيلنا، أن يدخلوا المدارس، الّتي غالبًا ما كانت محصورة بطبقات البرجوازيّين، أو أبناء الإقطاعيّين أو المحظيّين في تلك الفترة( ١٩٣٠-١٩٦٠)، أولئك كانوا يبدؤون دروسهم تحت شجرة الزيتون أو السّنديانة أو في بعض مدارس القرآن الكريم، عند من نقلوا ذلك أبًا عن جد.
كنت ولله الحمد من المتفوّقين دائمًا في صفّي، ودائمًا ما أحتلّ المركز الأوّل أو الثّاني على مجموع الرّفقاء، كما كنت أحصل على لقب التّلميذ المثالي في الصّفّ بسبب الحياء الزّائد والخجل، والتّفوّق في كلّ الموادّ العلميّة، رغم لا مبالاتي بالموادّ الأدبيّة واللّغات.
هكذا أكملت مرحلة دروسي الإبتدائيّة في مدرسة الخرايب الرّسمية، ومع اندلاع الحرب الأهليّة اللبنانيّة انتقلت إلى مدرسة الزراريّة الرّسمية، حيث لم تتوفّر يومها سيّارات ولا حافلات مدرسيّة ولا أيّ وسائل نقل تنقلنا إلى مدارسنا، لذا كنت وأترابي، نقطع المسافة بين القريتين سيرًا على الأقدام، حتّى في أسوأ الأحوال الجويّة: البرد القارس والعواصف شتاءً، وحمّارة القيظ اللّاهب صيفًا.
أمّا في المدرسة، فقد رافقني كابوس اللّغة، إذ كنتُ أعاني من الضّعف في الخطّ في اللّغتين العربيّة والأجنبيّة، حتّى بات أستاذ اللغة العربية في التّكميلية يعيّرني بذلك، ويلقّبني "بالمهلهل" لأنّ خطّي كان صينيًّا، ولا زال! رغم محاولاتي المستميتة لكي يظهر بالعربيّة بلا جدوى!
وربّما سبّب لي سوء خطّي مزيدًا من الخجل من زميلاتي في الصّفّ، ولا يمكنني أن أفسّر سبب توقّعاتهنّ بأن أصبح طبيبًا، فقد كنت أتحاشاهنّ متحجّجًا بمراجعة دروسي كي أنعزل وحدي في أوقات الفرصة والفراغ.
انتقلت بعد ذلك إلى مرحلة التّعليم الثّانوي في مدرسة قدموس في جلّ البحر، تلك المدرسة القريبة من صور، حيث استمرّ تفوّقي وبراعتي خاصّة في الفيزياء والكيمياء والرّياضيّات، وتراوحت رُتبتي بين الأولى والثّانية على الأكثر في صفّي، طيلة السنوات الثّلاث هناك.
ولنعد إلى اختياري مهنة الطّبّ الّتي كنتُ أعارضها بشدّة، معارضًا رغبة والدي، حتّى تشاجرت معه، وحردتُ منه، وأنا أصرّ على دراسة الهندسة، أوهندسة الطّيران خاصّة، واستمرّ هذا الشّدّ والجذب بيننا لمدّة سنة تقريبًا، وحتّى خلال تحضيري للسّفر إلى فرنسا، بعد رفضي منحتين دراسيّتين إحداهما إلى الجزائر والأخرى إلى روسيا، إلى أن جاءت الفرصة وحصلت على منحة من مؤسّسة المرحوم رفيق الحريري، وفور وصولي الى باريس تغيّرت قناعاتي، وانقلبت مفاهيمي عن الطّبّ مائة وثمانين درجة، حتّى بات الطّبّ حلمي وأمنيّتي، وربّما حدث ذلك استجابة من الله لدعاء والدي.
في بداية السّنة الدراسيّة الأولى، حطّ بي القدر في مدينة غرينوبل الشّديدة البرودة، بين جبال فرنسا الشّاهقة التي تحيط بها من كلّ جانب. هناك أقمت، وبسبب وصولي المتأخّر والوضع المادّيّ الصّعب آنذاك ( قبل وصول المنحة)، جاءت إقامتي في سكن مُخصّص للعمّال العرب الجزائريّين والمغاربة، حيث كانت غرفتي في الطّابق التّاسع، لا يحيط بها أيّ جدار من النّاحية الجانبيّة للمبنى، ولا يوجد فيها وسائل تدفئة كافية، ولا أنسى أنّني كنت أرتعش من شدّة البرد طوال اللّيل، حتّى كنت أحيانًا أعجز عن النّوم.
في السّنة الأولى للطّب كنت مع زملائي نعدّ حوالى سبعمائة وعشرين طالبًا، وكانت إدارة جامعتنا تنوي أن تضمّ إلى الجامعة في السّنة التّالية ما لايزيد عن مائة وعشرين طالبًا فقط، ومن كلّ الاختصاصات.
لذا راح أساتذتنا يتكلّمون بلغة فرنسيّة سريعة في قاعة واسعة ضخمة، ويتركون للمتمكّنين وحدهم أن يلتقطوا المعلومات ويفهموا الرّسوم والملاحظات والدّروس.
ولذلك كان هناك تقاسم للأدوار بيني وبين زملائي، لكي نتمكّن من اللّحاق بكتابة كلّ الدّروس، كي نعيد توزيعها فيما بيننا لاحقًا.
كانت السنة الأولى إذًا صعبة للغاية بسبب مشاكل الّلغة وضغط الأساتذة لتصفية الطّلّاب وتقليص أعدادهم، من أجل ذلك اضطُررت إلى إعادة تلك السّنة، وفي إعادتها اكتسبت ثقة كبيرة بالذّات، أهّلتني هذه الثّقة لأحتلّ المركز الثّالث في التّرتيب، بين مجموعة متسابقين عددهم سبعمائة وخمسة وثلاثون طالبًا، ولم أصدّق نفسي عندما ذهبت لأتفقّد النّتائج، يرافقني عمّي المرحوم ( أبو علي محمد حمود)، إذ طلبت منه أن يتأكّد مرّة تلو الأخرى: هل يرى اسمي ثالثًا بين المتفوّقين؟ مع فارق يكاد لا يُذكر بين المراتب الأولى الثّلاث، وما زلت أجزم إلى اليوم بأنّني كنت الأوّل، لكنّ العنصريّة البغيضة سلخت منّي بعض أعشار العلامة، ومنحتها للزّميلين الأوّل والثّاني.
مرّت الأيّام، وعبرت في قسم أمراض القلب، ولكنّني لم أحبّذ هذا الاختصاص لصعوبته من جهة، ولكثرة المناوبات والحالات الطّارئة فيه، بحيث لم نكن ننام سوى بضع ساعات في ليلة المناوبة، لكثرة الحالات المرضيّة الّتي ترد إلى المشفى غالبًا بين الثّانية بعد منتصف اللّيل، والعاشرة صباحًا، وهذا معروف عن أوقات حدوث الأزمات القلبيّة.
وعند عبوري للمسابقة الّتي يتمّ على أساسها تحديد الاختصاص، كنت أتمنّى أن يقع حظّي على جراحة الأعصاب، أو طبّ الأعصاب، ولكن لم يبقَ لي خيارٌ، فقد اختار زملائي كلّ الاختصاصات الأسهل وتركوا لي التّخصّص في القلب والشّرايين!
وعندما اقتحمت ميدان هذا الاختصاص، فوجئت بحبّي له وشغفي به، ومن هنا بدأت القصّة!
منذ البدايات وحتى خلال فترة الطّبّ العامّ كنت أطلب من شركات الأدوية أن تزوّدني بعيّنات من كلّ أنواع الأدوية، وكنت أجمع ما أحصل عليه في علبة، أرسلها أحيانًا على نفقتي إلى فقراء قريتي، وإلى المستوصفات والجمعيّات الخيريّة في الجنوب والبقاع وبيروت.
وهنا أذكر جيّدًا قصّة حصلت معي، عندما راسلت عددًا كبيرًا من الشّركات (مختبرات لبيع الأدوية) وأخبرتها بأنّني طالبٌ طبّ لبنانيّ، وممثّل لإحدى الجمعيّات الخيريّة في لبنان، وإنّني أطلب مساعدتها ببعض الأدوية للفقراء والمحتاجين والمستوصفات في لبنان، وفوجئت بعد حوالي الشّهر باتّصال من صيدليّة المستشفى حيث كنت أعمل، حيث قالت لي: إنّ لك طلبيّة!! هي عبارة عن حمولة (بيك اب) وعليك أن تأتي وتستلمها من الصيدليّة!!
فهمت حينها أنّ الشّركات الّتي راسلتها كانت بغاية السّخاء معي، وقد نقلت حمولة هذا (البيك اب) على فترة خمس سنوات تقريبًا إلى بيروت وعلى حسابي الخاصّ، حيث تمّ توزيعه على مختلف الجمعيّات في لبنان.
ومرّت الأيام، وأكملت دراستي وخلالها أكملت نشاطي بإرسال الأدوية والمساعدات الطّبّيّة إلى مستوصفات بيروت ولبنان، وبعد أن أنهيت دراستي وعدت إلى بيروت في نهاية سنة ٢٠٠٩، كنت أحلم بأن أكمل طريقي في خدمة وطني وأهلي وشعبي، وهنا بدأت القصص تتالى، وبدأ الحلم يتهاوى تدريجيًّا!
فلبنان الّذي لم نعرفه أبدًا نحن جيل الحرب، الّذين سافرنا في الثّمانينيّات، لنعود في الألفين، باتت تحكمه نماذج من رجال الميلشيات الذين رموا البزّة العسكريّة ولبسوا البدلة الرّسميّة السّوداء أو البيضاء، أو ما شئتم لن نختلف على الّلون.. ثمّ زرعوا بطانتهم وحواشيهم وأزلامهم في جميع مفاصل هذا الوطن ومؤسّساته وإداراته، كما كانوا يزرعونهم على حواجز القتل والمتاريس ونقاط المراقبة والحراسة أيّام الحرب..
حكّامنا في لبنان في تلك الأيّام كانوا يمهّدون ليدوسوا كلّ شيء، وليقهروا كلّ الشّرفاء وأصحاب الكفاءة والنّزاهة والعلم، لا بل كانوا جاهزين ليطردوهم إلى خارج الوطن، لأنّهم لم يقدّموا الطّاعة في بيوت الطّاعة المُحصّنة الّتي نعرفها جميعًا..
تقاسموا المناصب والمواقع والمغانم والمشاريع، وتركوا الفُتات للمستقلّين وأصحاب الرّؤوس الكبيرة الّتي لم تعتد على الرّضوخ، والألسنة الّتي لم تتدرّب على مسح الجوخ وتمجيد الزّعيم وتلاوة آيات الطّاعة والانكسار!!
تسيّدوا واستبدّوا، ونبذوا من تربّوا على ثقافة مختلفة في بلاد تحترم الإنسان لاستقامته، لا لدرجة انحناء ظهره وتلعثمه، وتصفيقه لكلمة الزعيم والبيك والشّيخ والأستاذ والباشا وأصحاب الدّولة والفخامة والمعالي من الواصلين!
وبعد مرور عشرين سنة على هذه المأساة الرّهيبة، استمرّت محاولاتنا في العمل الإنسانيّ التّنموي، تارة عبر تأسيس "جمعيّة عطاء بلا حدود" الّتي سعت منذ ٢٠٠٥ لزرع ثقافة المحبّة والعطاء ومساعدة الفقراء والمحتاجين والعُزّل، في كلّ قرى وبلدات لبنان؛ وتارة عبر الاتّجاه نحو العمل الثّقافيّ- الاجتماعيّ – السّياسيّ عبر تأسيس "ملتقى حوار وعطاء بلا حدود"، الّذي فضح سياسات الفاسدين اللّبنانيّين المالية والاقتصادية، وعرّى أكاذيبهم منذ اليوم الأوّل لتأسيسيه منذ ٣ سنوات.
إلى أن وصلنا إلى يومٍ، انتهينا فيه إلى طريق مسدود، لم تعد تنفع معهم سوى صيحات:
ارحلوا عنّا! لقد أحرقتم الوطن وما عليه ومن فيه!
اذهبوا لا سامحكم الله! أنتم أساس البلاء والشقاء والفقر والتّجويع والإذلال!
وأنتم مرتكبو أكبر مجزرة في تاريخ البشريّة بحقّ أكثر من خمسة ملايين لبنانيّ، وآلاف المغتربين والمهاجرين الّذين تغرّبوا في جميع أصقاع الدّنيا ليحصلوا على لقمة العيش الكريم! فإذا بكم أنتم وحاكم مصرفكم المركزيّ، وعصابة جمعيّة مصارفكم وزعرانكم وحاشيتكم، قد نهبتم معظم الودائع، وأمعنتم في إذلال هذا الشّعب برغيف الخبز والبحث عن الدّولار والتيّار الكهربائي والمازوت والدّواء ….
لن أسامحكم ولن يسامحكم شعبي وأولادي وأحفادي…
وها أنا أروي قصّة مهنتي الّتي حقّقتها بتعبي وسهري وكفاحي، لأنّها تختلف عن مهنكم الّتي امتهنتموها منذ أكثر من خمسٍ وثلاثين سنة، والّتي أورثتموها وتكملون توريثها إلى الأبناء والأحفاد من بزرتكم الفاسدة:
– في مهنتي فقط أدرس 25 سنة … على الأقلّ كي يحقّ لي العمل بها …
– في مهنتي فقط أجمع ( كرتونات وأرسم صور التّشريح ومعدلاّت الأملاح وعدد الخلايا والثّوابت البيولوجيّة في الجسم ) أكثر وأعلّقها على الحائط وأستمتع بمنظرها!
– في مهنتي فقط أخسر خفّة نومي وأنام رغم كلّ الضّجيج، وغالبًا ما كنت أقضي الّليالي حتّى الصّباح بلا نومٍ، وبلا شعورٍ بتعبٍ أو إرهاق لحماستي إلى تلقّف المعلومات وحشوها في الدّماغ، شغفًا بالعلم والمعرفة ورغبة بالتّفوّق والتّميّز في عملي.
– في مهنتي فقط ترد الاتّصالات إلى هاتفي في أوّل غفوتي، فأقلق طوال اللّيل، دون ان يفهم الآخرون سبب إصابتي بالصّداع طوال النّهار!
– في مهنتي فقط ينام أهل المريض في بيوتهم وأنام على الكرسيّ بعد أن ضمنت تشخيص مرضه وصحّة علاجه …
– في مهنتي فقط يخفق قلبي لكي أعيش، وإن خفق أكثر … فكّرت بالتّشخيص، وبوضع المريض في سريره، وحالته في الّليل، وفي عطلة نهاية الأسبوع !
– في مهنتي فقط يناقشني المريض في أتعابي، ولايجرؤ على مناقشة بائع الخضار على مدخل البناية، أو صاحب المتجر أو البقّالة، لأنّ الأسعار هناك ثابتة ولا تُناقش.
– في مهنتي فقط أدفع للنّجّار، والكهربجي، والخطّاط، وثمن التّجهيزات، والمازوت، وإيجار العيادة، ومصروف بيتي، وعائلتي والتزاماتي، وأُتّهم بالتّخلّي عن إنسانيّتي إن طالبت بحقّي بعد أن تأكل بعض المستشفيات بعض حقوقي وأتعابي…
– في مهنتي فقط أُلامُ عند أيّ خطأ، مهما كان بسيطًا، لعدم وجود القيم الإنسانيّة الّتي تعبت لتحصيلها معظم سنيّ عمري… ويُبَرّأ المهندس بأنّه موظف درويش! أو الأستاذ أو المدير أو أيّ موظف كان، لأنّ أخطاءهم ليست قاتلة، ولا تتسبّب بإعاقات كما يقولون..
– في مهنتي فقط أُتّهم بالمخاطرة بالأرواح … والتّجارة بالأنفس …
– في مهنتي فقط أبيع راحة بالي، وأشتري السهر والكدّ والتّعب والأرق …
– في مهنتي فقط يُستكثر عليّ نصف إيجار جلسة واحدة عند ( المزيّنة ) …
– في مهنتي فقط.. لا يمكنني أن أخبر سائق التاكسي عنها، ولا من يجلس بجواري في الحافلة…
– في مهنتي فقط… لا تعتبر مهنة ولا باب رزق!
– في مهنتي فقط… يجب أن أولد غنيًّا ومكتفيًا بنظر كلّ البشر!
– في مهنتي فقط أتعرّض للشّتم علنًا، وأطالَب بأن أردّها بابتسامة صفراء!
– في مهنتي فقط يريدونني أن أكون ملاكًا مع الشّياطين!
– في مهنتي فقط أجمع مالًا كثيرا لا أستحقه، لأنّني لا أبذل مجهودًا بحمل السّماعة وقرع البطن وكتابة الوصفة!
– في مهنتي فقط أشتاق إلى جامعتي وزمني الجميل لم ينته!
– في مهنتي فقط يشيب شعري ولا أعلم، بل يخبرني أصدقائي (من غير الأطبّاء ) بذلك …
– في مهنتي فقط.. أشتاق للتّحدّث مع أولادي، وأتعرّف عليهم بعد تقاعدي!
– في مهنتي فقط.. لا نمزح إلّا بقصص المشفى ونهفات العمل … ولايضحكني غيرها ولا هي تضحك غيري!
– في مهنتي فقط.. تطعن بي كل مهن الأرض، وأوّلهم زميل له اختصاصي نفسه!
– في مهنتي فقط.. أصغي لأنين الجميع، ولا أحد يسمع أنيني إلا الله!
– في مهنتي فقط، لا يكمل المسير معها إلّا من عشقها، فهي فتاة جميلة، لا يمكن أن أرى غيرها إن أحببتها، مهرها غال، دفعت وأدفع مهرها كلّ يوم وكلّ ساعة وكلّ دقيقة وأنا راض!
– ولكن بالله عليكم! هاتوا أخبروني عن مهنتكم أيها الحكّام، أنتم وزوجاتكم وأبناؤكم ومن يمثّلكم من الوزراء والنّوّاب والمديرين والقضاة والعمداء ووو..
وطبعاً ومع احترامنا لبعض الكفاءات الّتي تسقط سهوًا هنا وهناك، دون أن تكونوا تقصدونها بالتّحديد، أو لأنّ الصّدفة أهدتها إليكم! فحتّى الأطفال الصّغار في وطني عرفوكم وكشفوكم!
في أيّ مدرسة للفساد والهدر والمحاصصة ونهب الأوطان درستم؟
وفي أيّ جامعات للقهر والإذلال وفنون الاستخفاف بعقول الشّعوب، حتّى لا نقول: (استحمارها) تخرّجتم؟ وفي أيّ معاهد للكذب وللعهر السّياسيّ والنّفاق ونشر بذور الفتنة والشّقاق والّلعب على حبال الطّائفيّة والمذهبيّة المقيتين أخذتم الشّهادات؟
هل عندكم ضمير وتحبّون الوطن؟ أمّ أنّ حبّ الوطن يتجسّد لديكم على هيئة منصب ومصلحة ورفاهيّة، ومكاسب ومغانم وحصص لكم ولأزلامكم؟!
أعرف أنّه لا يجدر بي أن أطيل الكلام عنكم، لأنّكم قريبًا ستكونون في مهملات الزّمن الماضي، بلا قيمة، إذ لا عمل يستأهل أن يذكركم النّاس إلاّ الفساد والخيانة والنّهب، فماذا أنتم فاعلون؟
وماذا تطلبون، لتتركونا نعيش بسلام وبأمن وأمان؟
قريبًا سيزهر مستقبل بلادي من دونكم، وسنبني وطننا خاليًا من كل أنواع مصّاصي الدّماء الّذين تنتمون إلى فصيلتهم، وسيبزغ فجر لبنان الجديد بكلّ القيم التي تعلّمناها وجهلتموها قصدًا!
لأنكم أصلًا، لم تدخلوا المدارس ولا المعاهد ولا الجامعات الّتي تبني الإنسان، فقدّمتم الدّليل تلو الدّليل على أنّكم أبناء شوارع وميليشيات، ومن ثمّ اخترتم بأيديكم أن تكونوا من أبناء الشّياطين!
*د طلال حمود- طبيب قلب- مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود