السيد فضل الله في ذكراه.. ما يزال في الوجدان*
لا يمكن نكران مدى التصدع الهائل الذي وصل إليه الخطاب الإسلامي في الواقع الداخلي ليتعدى إلى كل مشارق الأرض ومغاربها. فالقول إن الإسلام بات قريناً للتخلّف والإرهاب والكراهية والانغلاق والتقوقع، ما نجده صارخاً أينما وعندما يُثار الإسلام كمادة نقاشية في أفكاره العامة والخاصة. وليست هذه السمعة حدثاً طارئاً مستجداً، بل إن له خلفيات عديدة على مرّ التاريخ الإسلامي وحوادثه المتعددة وأشخاصه المختلفين في أكثر من بيئة وعصر ومجتمع وواقع. وإذ لا يمكن الإحاطة بكل تلك الأمور، يمكننا الإشارة عموماً إلى سنيّ مرحلتنا الراهنة التي شهدت ولما تزل، جماعات إسلامية تكفيرية إجرامية كان لها عظيم الدور في الإساءة للإسلام، وحمل انطباع سائد طاغٍ باكتنافه كل الصور السلبية، ووحشية معتنقيه ودمويتهم، خصوصاً في زمن التطور التكنولوجي الهائل الذي ينشر الصور والأخبار إلى كل البسيطة وبسرعة قياسية.
وعند الحديث عن السلبية في هذا المقام، فإننا نجد عدم قدرة المسلمين عموماً، من خلال معظم علمائهم، ولا نقول جميعهم، على استخدام التكنولوجيا وأدواتها لما يخدم القضية الإسلامية بكل أبعادها، والدفاع عن الإسلام من خلال خطاب مميّز منتج هادف.
وفي هذا الاستغراق التشاؤمي لا بدّ من التلفّت قليلاً إلى الوراء لاستعادة ذكرى وفاة سماحة السيد محمد حسين فضل الله، وما فيه من استشراف نحو الكثير من التفاؤل، في أن مجتمعنا يفخر بوجوده كما الكثير من العلماء الذين يسيرون في هذا الاتجاه.
لم يكن السيد فضل الله ذا شخصية حادة في تعاطيه في الشؤون العامة الداخلية أو الخارجية، سوى ما خلا تصديه للاستكبار العالمي وتوابعه. ولذلك كان الالتفاف حوله واضحاً عند كل من يحمل الاعتدال والانفتاح سيرورة وتوجّهاً، فقد رسم طريقاً عظيماً قوامه الاعتدال في أسمى عنوانه، وقبول الآخر، أياً كان ذلك الآخر ديناً أو مذهباً أو فكراً أو طرحاً.
لم يكن الإسلام في فكر السيد وخطابه سلاحاً يشهره أمام الآخرين ليعلن تميّزه وتفوقه وتعاليه، بل كان دعوة حميمة للقاء تكسر كل الحواجز المادية والمعنوية، وتطرح الأفكار في ميدان العلم والمعرفة، لتتلاقح المعارف فيما بينها وتنتج علاقة محبة ووئام وإن لم تتلاقَ في صيرورتها النهائية كاتفاق على نقطة واحدة.
لم يتميّز سماحة السيد إلا لأنه اتخذ من الإسلام نهجاً وسيرورة في حبه لكل الناس، ولو اختلف الكثيرون مع طروحاته، وفي دعوته لنبذ الكراهية وإن سار كل واحد في طريقه الخاص، وتقديسه للحوار الذي سيبقى دوماً الطريق الأسمى المؤدي للحقيقة الناصعة.
فلنعترف أن الإسلام يصبح غريباً مع كل يوم جديد، والإلحاد ينتشر في واقعنا بشكل لم يعهد له مثيلاً، وكثير من رجال الدين يفتحون أبواب الفرقة والشقاق على أفكار وحوادث يهزأ من خوضها جيل الانترنت الغارق في أجزاء ضئيلة من أمور الحاضر والآتي، فيكفر الكثير منهم بالشخصيات والرموز دون تحقيق أو تدبّر. لقد أصبح تخلّفنا وجهلنا سمة تميّزنا عن غيرنا، ولمّا نزل نستغرق في كل ما يثير بيننا الخلافات والتمزّق.
ولهذا نستعيد سماحة السيد في ذكرى رحيله العاشر، لكن الطريق الذي رسمه للأجيال لا يزال مضيئاً أمامها، وأفكاره لا تزال في وجدانها تهديهم إلى سبيل المحبة والانفتاح على كل الأفكار، وكتبه لا تزال تشدّ من عزائمهم للانطلاق نحو المستقبل المنير دون الوقوع في براثن التخلّف والعصبية، والوقوع في أسر شخصيات وحوادث من ميادين الماضي البعيد.
*في مثل هذا اليوم الرابع من تموز عام 2010 رحل المرجع السيد محمد حسين فضل الله