د. ماري ناصيف الدبس*
مقدمة
عرّف الاعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة في مادته الأولى أن العنف ضد المرأة “هو عمل من أعمال العنف القائم على نوع الجنس والذي يترتب عليه، أو من المحتمل أن يترتب عليه، أذى جسديا أو جنسيا أو نفسيا أو معاناة للمرأة، بما في ذلك التهديد بالاكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في مكان عام أو في الحياة الخاصة”. وعرفت الجمعية العامة للأمم المتحدة العنف ضد المرأة بأنّه أي اعتداء مبني على أساس الجنس، يسبب للمرأة إيذاءً أو ألماً جسدياً، أوجنسياً، أو نفسياً، ويشمل أيضاً التهديد والضغط والحرمان التعسفي للحريات، سواء في الحياة العامة أم الخاصة.
وبناء على هذين التحديدين، فإن مفهوم العنف ضد المرأة يستخدم للإشارة إلى أية أفعال عنيفة تمارس بشكل متعمد أو بشكل استثنائي تجاه النساء، فتخلق خوفا ورضوخا وينجم عنها أذى أو معاناة تنعكس على حالة المرأة الصحية والنفسية. ويتدرج العنف من مرحلة الإيذاء وإلحاق الضرر إلى القضاء على الحياة والقتل.
أنواع العنف ضد المرأة
1- العنف الجسدي: ويتمثل بالاعتداء بالضرب على جسد المرأة، عبر استخدام القوة الجسدية، أو أدوات صلبة وحادة، كالسكين، والعصا وغيرها من الوسائل.وقد أدى هذا النوع من العنف، في السنوات العشر الأخيرة، في لبنان إلى تسجيل مقتل عشرات من النساء من قبل أزواجهن أو آبائهن أو حتى أولادهن، ولا ننسى انتحار عدد آخر بسبب عدم القدرة على تحمّل الممارسات العنفية التي واجهتهن داخل البيت الأبوي أو الزوجي. ولا تزال جرائم قتل رولا يعقوب ونسرين روحانا ومنال عاصي وندى بهلوان ماثلة أمامنا… واللائحة تطول.
2- العنف الجنسي: ويتّخذ شكلين، أولهما العنف الجنسي الجسدي، المتمثّل بالاعتداء على جسد المرأة، أو الاغتصاب. وإذا كانت المادة 503 من قانون العقوبات اللبناني قد حددت الاغتصاب على أنه “إكراه غير الزوج بالعنف والتهديد على الجماع”، فإنها لم تعترف بالاغتصاب الزوجي… أما الشكل الثاني، فيتمثّل بالتحرش، خاصة في أماكن العمل والشارع ومؤسسات التعليم …
3- العنف الاقتصادي: الذي يتجسد، بشكل خاص، في التمييز في الأجر، أولا، ورفض مبدأ “الأجر المتساوي للعمل المتساوي”، على اعتبار أن عمل المرأة مكمل لعمل الرجل وليس مساويا له؛ وهكذا، وبفعل انتفاء رقابة وزارة العمل على المؤسسات، وانطلاقا من دراسة “المرأة العاملة والموظفة” (2003) والدراسات اللاحقة، هذا إضافة إلى الصرف الكيفي للنساء الحوامل، خلافا لما جاء في قانون العمل. ولا ننسى التمييز في المواقع التي تحتلها المرأة ضمن الهرمية العامة، بما في ذلك في الإدارات الرسمية، حيث لا يزال دورها محصورا بشكل عام في المواقع الوسطية فما دون.
4- العنف الاجتماعي: الذي يتلخّص في تقييد حرية المرأة وحركتها، وتحديد لباسها، وتقييد علاقتها الاجتماعية، وحرمانها من المشاركة، والزيارات الاجتماعية وتكوين علاقات الصداقة، وصولا إلى الحبس المنزلي في بعض الأحيان، والنظرة الدونية إلى المرأة المطلقة. ويعود العنف الاجتماعي في بلادنا إلى الأعراف والتقاليد البالية التي تقع تحت
5- العنف النفسي: ويتخذ أشكالا مختلفة، كالاعتداء اللفظي مثل التهديد والوعيد أو الذم والشتم أو الترهيب واستخدام الألفاظ البذيئة، ونعت المرأة بأسماء وصفات لا تليق بها، فذلك يترك آثاراً نفسية سلبية على النساء عموما، وعلى الفتيات بشكل خاص، الأمر الذي يقلل من ثقة المرأة بذاتها ويضعهها تحت رحمة المعنّف الذي يستفيد من الأمر لفرض سيطرته الكاملة عليها. ويزيد من مفاعيل هذا العنف في لبنان أن قانون العقوبات قلّما يتعاطى بجدية معه، إضافة إلى عدم تطبيق القليل الموجود في هذا القانون كما يجب.
6- العنف القانوني: ونخص بالذكر، أولا، تنازل الدولة اللبنانية عن حقها في التشريع في مجال الأحوال الشخصية، وذلك بتحوبلها هذا الحق إلى الطوائف اللبنانية، بحيث تخضع نساء لبنان ل15 قانون طائفي تفرّق بينهن، وتسهم في تشريع تزويج الطفلات القاصرات. كما نخص بالذكر، ثانيا، قانون الجنسية، الذي يحرم المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني في إعطاء جنسيتها لأولادها، خلافا لحق الرجل.
7- العنف السياسي: الذي يكمن في تعرض المرأة للعنف والتمييز من قبل السلطة الحاكمة ذات البعد الطائفي، إذ نجد، بعد 75 عاما على الاستقلال (الذي كان للمرأة فيه دورا مهما في التحركات والتظاهرات الداعية إلى رحيل الانتداب الفرنسي)، بضعة نساء في البرلمان لا يتجاوز عددهن أصابع اليد الواحدة، وكذلك هي الحال بالنسبة للسلطة التنفيذية. وهذا الواقع مرتبط بالدور الثانوي والهامشي المحدد للمرأة في قوانين الأحوال الشخصية المدنية
أسباب العنف ضد المرأة اللبنانية
الأسباب التي تؤدي إلى استمرار ممارسة العنف ضد النساء في لبنان كثيرة ومتعددة الاتجاهات. لذا سنكتفي بذكر العناوين العامة دون تفصيل:
●الأعراف والتقاليد العائدة إلى أيام الجاهلية وما بعدها والتي تهمّش دور المرأة من خلال تحديده بواجباتها كمنجبة للأطفال وكخادمة في المنزل الأبوي والزوجي.
●ظاهرة الأمية التي لا تزال منتشرة في المجتمع الريفي.
●قوانين الأحوال الشخصية الطائفية وتأثيراتها البارزة في القوانين الوضعية، خاصة في التمييز بين المرأة والرجل في الأجر والجنسية والزواج ومفاعيله والإرث…
●العنف الناجم عن شكل النظام الرأسمالي المتخلف في لبنان والذي ينتج الاستغلال ويعمم البطالة والفقر؛ والمرأة هي التي تعاني أكثر بفعل النظرة الدونية السائدة.
الحلول وكيفية المواجهة
لعل أولها تطبيق إلزامية التعليم وإيجاد المراسيم التطبيقية المفقودة لوضع القانون 150 / 2011 موضع التنفيذ، وإطلاق حملات توعية وطنية، خاصة في المناطق الريفية الفقيرة والمهمّشة.وفي هذا المجال، لا بد لدور مشترك بين وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبلديات وكذلك المنظمات النسائية والاجتماعية التي تعنى بالشأن العام…
تنظيم حملات إعلامية وإعلانية للتوعية على مخاطر العنف والتمييز ضد المرأة وإعادة تحديد دورها ومكانتها في المجتمع، من خلال إلغاء الصورة النمطية المتخلفة (المرأة – السلعة) واستبدالها بصورة تبرز الدور الفعلي للنساء في المجتمع.
إلغاء التحفّظ الذي وضعته الحكومة اللبنانية على المادة 16 من الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو). والإصرار على الإشراف المباشر من قبل الدولة على تطبيق محتوى الفقرة 2 من تلك المادة التي تؤكد ما يلي: “لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي اثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزاميا”.
تعديل قانون العقوبات والعودة إلى مقترح إصدار قانون عنوانه “حماية المرأة من العنف الأسري”.
ويبقى الأهم والتي يجب حشد كل الطاقات من أجل إنجازها، هي مرحلة النضال من أجل قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية كلها، وليس للزواج فقط. فالقانون المدني يؤكد صفة المواطنة الجامعة بين اللبنانيين (ذكوراً كانوا أم إناثاً) وينهي حالات التشرذم والتقوقع والقمع القانوني الناجمة عن الانقسامات المذهبية والطائفية. كما أنه يساوي بين المرأة والرجل، على الصعيد الاجتماعي خاصة، ويؤكد المساواة بين امرأة وأخرى، من خلال توحيد حقوق كل نساء لبنان وواجباتهن تجاه قانون موحد ينطلق من أن الشعب هو مصدر السلطات وأن المرأة جزء لا يتجزأ من الشعب. هذا، إضافة إلى كونه يثبت السلم الأهلي، من خلال وحدة الشعب ومؤسساته التشريعية ويعيد إلى الدولة صلاحيات انتزعتها الطوائف منها، ويؤكد سيادة الدولة على كامل أراضيها، عبر تطبيق مبدأ وحدة القانون.
إن إقرار قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية يتطلب تحركاً سياسياً وشعبياً واسعاً، بالاستناد إلى آليات وبرامج جامعة لكل القوى ذات المصلحة في التغيير، سياسية كانت أم إجتماعية أم نقابية أم ثقافية.
ولا ننسى البعد الأيديولوجي كون طرح القانون سيثير حفيظة القوى الطائفية التي تستفيد من الانقسامات الحالية، إن على صعيد الاستمرار في الامساك بالسلطة أم بالنسبة للفوائد الاجتماعية والمادية التي تجنى من خلال تقسيم اللبنانيين عموديا.
*رئيسة جمعية مساواة- وردة بطرس للعمل النسائي