د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص
وقائع وحقائق المشهد السياسي والاقتصادي العالمي تدّلُ على ما يعنيه العنوان.ولكن قبلَ طرح الوقائع والحقائق الدّالة، دعونا نذكرُ، ولو بعناوين، الاسباب التي جعلت المسار الاميركي على سكّة خسارة النفوذ السياسي ونهاية هيمنة الدولار.
أنتشرَ وشّلَ داء الغرور والاستكبار عقل الادارات الاميركية المتعاقبة ،منذ تسعينيات القرن الماضي، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فلمْ تُعرْ الادارات الأميركية المتعاقبة ايّ اعتبار للآخر وللقيم: انتهكت القوانين الدولية وسيادة دول وحقوق الشعوب، وشّنت حروبا غير شرعيّة وغير قانونية وفرضت الحصار والعقوبات غير الانسانية على اكثر من دولة، ووظّفت الارهاب وبأبشع صورهِ . تعاملت مع الاصدقاء والحلفاء بأسلوب الابتزاز والاستخفاف. باختصار لمْ تُقمْ أميركا للحق و للعدالة ايّ اعتبار.
تعاملت أميركا، و لاتزال، مع الملفّات السياسية والاقتصادية وغيرهما، وخاصة تجاه منطقة الشرق الاوسط، وفقاً لما تُمليه مصالح الصهيونية واسرائيل وشركات السلاح، وليس وفقاً لما تُمليه مصلحة الشعب الاميركي. كرّستْ أميركا اكثر من اربعة عقود من الزمن في تمويل حروبها و غزواتها، واغتنمت الصين هذه الفترة في البناء وتعزيز القدرات الاقتصادية والعسكرية والسياسيّة، ومن الطبيعي أن يجني كل طرف ثمار عمله ،فحصدت الصين القوة الاقتصادية و المالية و النفوذ ، وخسرت أميركا كثيراً من المكانة والنفوذ السياسي، وتخسر قريباً هيمنة الدولار.
من الوقائع التي تُظهر أميركا وهي على سكّة فقدان هيمنتها السياسية هو خروج اصدقائها وحلفائها مِنْ علاقة الاذعان وقبول المفروض . أصبحَ بمقدورهم التحدّي واتخاذ قرارات او تبني تصريحات تُزعج أميركا وترفض املاءاتها المباشرة او غير المباشرة.
لم يتردّد الرئيس الفرنسي بتبني تصريحات هجوميّة على الادارة الأميركية بسبب حرب اوكرانيا وارتفاع اسعار بيع الطاقة وإتباع معايير مزدوجة، خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده في بروكسل ،على هامش قمّة الاتحاد الاوربي التي انعقدت بتاريخ ٢٠٢٢/١٠/٢٠ .
وفي وقت سابق، حذّر وزير الاقتصاد الفرنسي من محاولة واشنطن فرض هيمنة اقتصادية على اوروبا ، من خلال اضعافها ، عبر الحرب في اوكرانيا، وعبر بيعها الغاز المُسال لنا بأربعة اضعاف سعر البيع في أميركا.
وقد يكون قرار المملكة العربية السعودية بتخفيض انتاج النفط بمقدار ٢ مليون برميل يومياً اكثرُ من ايّ موقف آخر موجعاً للإدارة الأميركية، وعبّرت الادارة الأميركية ، وبصراحة، عن امتعاضها ودهشتها من موقف المملكة.
مضتْ المملكة قُدماً في التفكير والتعبير بما تراه مناسباً لمصالحها الاقتصادية، دون اكتراث بما سيكون عليه موقف أميركا ،فقد عبّرت المملكة عن رغبتها بالانضمام الى ” تكتّل بريكست”، والذي يضمُ روسيا والصين والهند ودولا اخرى من أميركا اللاتينية وافريقيا واوروبا، وهذا ما قاله رئيس جنوب افريقيا ، ونقلاً عن ولي العهد الامير محمد بن سلمان. (صحيفة رأي اليوم الالكترونية، عبد الباري عطوان ،٢٠٢٢/١٠/٢٤).
انضمام المملكة الى هذا التحالف يصّبُ بالتأكيد في مصلحتها الاقتصادية والسياسيّة ، والاسباب معروفة. فهو تحالف لأكبر كتلة بشرية و اقتصادية ونفطيّة، وخاصة عند انضمام ايران ايضاً . وفي قيادة التحالف دولتان كبريان وذات عضويّة دائمة في مجلس الامن، وذات وفاء والتزام تجاه الحلفاء والاصدقاء، وموقف روسيا تجاه سوريا، ودعم روسيا العسكري والسياسي لسوريا ( في مجلس الامن ) خير شاهد.
أميركا تدرك التبعات الاقتصادية والسياسيّة لانضمام المملكة لتحالف بريكست: انضمام المملكة سيعزّز التحالف اقتصادياً و نقدياً، أي سيعزّز القوى التي ستجرّد أميركا نفوذها السياسي و سلطة الدولار، خاصة اذا نجحت دول البريكست بإستخدام العملة الوطنية في تبادلاتها التجارية.
هل ستتحمّل أميركا ارتدادات الحرب الاوكرانية العسكرية والاقتصادية عليها وعلى الشعب الاوروبي، الذي لن يتوقف عن التظاهر والاحتجاج و رفع الاعلام الروسيّة؟
هل ستتحمّل أميركا تكرار وحّدة تصريحات رؤساء الدول الاوروبية (وخاصة فرنسا والمانيا) تجاه توريطهم في حرب اوكرانيا؟
هل ستتحمل أميركا نهوض المملكة العربية السعودية ،لأجل مصالحها، واستدارتها نحو حلفاء آسيوييين جُددْ واقوياء، وليس على وفاق مع أميركا؟
ماذا عساها ( واقصد أميركا ) أنْ تفعل اذا احتكمت الى العقل والمنطق؟
ولكن، يمكن ان تفعل الكثير اذا أحتكمت الى سياسة الغاب، والتفكير بالركون الى المفاجأة، والخروج بحل بعد خلط الاوراق.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل