للمعترضين على الترسيم : أكملوا الطريق !(أكرم بزي)
كتب أكرم بزي- الحوار نيوز
يحلو لبعض “المنظرين والشعبويين والتغييرين” وغيرهم ممن شعروا “بالمغص” من إعلان وموافقة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون عن المسودة الأخيرة للترسيم البحري بين لبنان والكيان الصهيوني، تحميل أركان الدولة اللبنانية والمقاومة مسؤولية خسارة لبنان لجزء من حقوقه البحرية نتيجة الترسيم الأخير.
وبلغة “ممتعضة” يحاولون تحميل المقاومة مسؤولية ما آلت إليه الأمور، على قاعدة “لولا دعم المقاومة وتهديدها للكيان الصهيوني وإرسال المسيرات والقيام بأعمال تحت البحر وفوقه لما تحقق هذا الترسيم”.
إن موقف المقاومة كان وما يزال على لسان أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله كالتالي: “نحن لا علاقة لنا بخطوط، وإذا بتسألني “بحرنا وين؟”، بقلك: “بحرنا يمتد إلى غزة، ونحن والشعب الفلسطيني مش قاسمين، ويوم تتحرر فلسطين لن نختلف على الحدود البحرية”.
لقد كانت المقاومة وراء الدولة بمفاوضاتها وأعلنت في أكثر من مناسبة أنها ستكون وراء الدولة وداعمة لخياراتها من دون أن تتدخل في عملية الترسيم ومن دون تحديد خطوط طول وخطوط عرض لا بحرية ولا غيرها، والبعض يريد أن يخلط بين موقف الدولة وموقف المقاومة، مع علمه المسبق بغير ذلك إمعاناً في “الإتهام” إذا جاز التعبير.
ولو اتخذت المقاومة موقفاَ تصعيدياً وذهبت باتجاه الحرب مع الكيان الصهيوني، لوجدت المعترضين الآن من “المنظرين والشعبويين والتغييرين” أول من اعترض على هذا الموقف، مع العلم أن معظم هؤلاء ليسوا على استعداد لمواجهة الكيان الصهيوني ولو برمي حجر، بل تراهم يرقصون ويتمايلون على أنخاب كؤوس رؤوسهم الفارغة، إذا ما حصلت الحرب ويحصون عدد الصواريخ التي تنهال على رؤوس اخوانهم في المناطق التي لا يعيشون فيها هم كما حصل في عدوان الـ 2006.
للعلم ولمن لا يعلم فإن لبنان يفاوض في ظل موازين قوي مختلفة. فالمقاومة حررت الأرض في العام 2000 من العدو الصهيوني ومنعته من الاحتلال مرة ثانية في العام 2006، وحررت الجرود من التكفيريين والإرهابيين في العام 2017، وحققت توازن الردع والرعب بين لبنان والكيان الصهيوني، وهذا ما جعل لبنان يقف نداً للمفاوض الصهيوني والوسيط الأميركي غير النزيه (اليهودي-الإسرائيلي الأصل)، وهذا ما جعلها ربما تقلل الخسائر عما كانت عليه المفاوضات في زمن الوسطاء الأميركيين فريديرك هوف وديفيد شينكر وديفيد هيل وآخرهم عاموس هوكشتاين، وغيرهم ممن تناوبوا على هذه المفاوضات منذ 11 عاماً.
لذا وبناء على الشروط التي كان يضعها هؤلاء المفاوضون، والتي هي أقل بكثير مما حققه لبنان في مسودة الترسيم الأخير، يحق لمن يحتفل أن يعتبره انتصاراَ على العدو الصهيوني في منطقة اعتاد فيها الإقليم بمجمله على الإذعان للمطالب الصهيونية بما فيها أكبر دولة في العالم العربي (أم الدنيا).
لم يكن بالامكان اكثر مما كان، وقد يكون هذا هو الحد الأقصى في الوقت الحاضر، للمفاوض اللبناني الذي استطاع تحقيقه مع ضيق الوقت وحاجة الأميركيين والأوروبيين للاتفاق بأسرع وقت ممكن. وهذا الاتفاق لا يعتبر تطبيعاَ ولا اعترافاً بالكيان الصهيوني، فاتفاقية الهدنة عام 1947 وما جرى بعدها من لقاءات لا تعتبر تطبيعاً، عكس اتفاقية 17 أيار لعام 1983، والتي تعتبر اعترافاً بالعدو الصهيوني ونزع سيادة لبنان بالمطلق وتسليمه للكيان المغتصب.
لقد أثبتت المقاومة، وبشكل فعلي وصريح وواضح وبالقوة العملية أنها حاجة ماسة للبنان، ولولاها لما تحقق هذا الإنجار التاريخي. فشعب لبنان وقوته بمقاومته ووحدة الموقف اللبناني الرسمي كانا بمثابة طلقة واحدة في هدف واحد، وهذا ما سيؤمن للبنان على المدى المتوسط فترة هدوء بحاجة إليها بعد التهديدات الأمنية المستمرة من قبل العدو الصهيوني والتكفيريين وغيرهم من اعداء الخارج والداخل، اذا ما استثنينا الاحداث الطارئة وغيرها.
في بلد منهك اقتصادياً حد الجوع ومعظم شبابه أصبح خارج البلد، ونسبة البطالة ارتفعت بشكل هستيري، ونسب الفقر والعوز باتت بأرقام مهولة وتكاد تكون الأكثر عالمياً، كان لا بد من هذه المفاوضات ان تنتهي بالشكل الذي أدت إليه، على أمل ان يتم استثمار ما حصل بشكل صحيح على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والامني ،والاستفادة منه إلى أبعد حدود لا أن ينتهي كما انتهى غيره من مشاريع أزهقت على طريقة المحاصصة الطائفية واقتسام الغنائم.
ولمن يتباكى على حقل كاريش والخط 29، نقول له : تفضل، أرنا قوتك وعنفوانك ومدى مهارتك دبلوماسياً وعسكرياً وكيفما شئت وحرر ما تبقى من خطوط ومن أراض، إن في مزارع شبعا أو غيرها ،لعل وعسى تعيد لنا القرى اللبنانية السبع، فأوراق ملكيتها ما زالت مع أصحابها اللبنانيين، وساعد في طريقك بعودة النازحيين السوريين الى ديارهم ،وسنكون لك من الشاكرين.