هل يحتاج الوزير الجديد لثقة المجلس النيابي؟
تشهد الحياة السياسية في لبنان خلال هذه الفترة تطورات وأحداثا لها أبعاد دستورية بدءآ باستقالة وزير الخارجية والمغتربين السابق ناصيف حتي وتعيين الوزير شربل وهبة مكانه، مرورآ باستقالات النواب المتتالية وصولا الى استقالة وزيرة الاعلام منال عبد الصمد، وما سوف يليها من استقالات محتملة لنواب ووزراء آخرين.
ولقد سبق وأوضحنا في مقالة نشرت مساء أمس أنه مهما بلغ عدد النواب المستقيلين فإن هذا الامر يؤدي فقط الى تعطيل دور ومهام المجلس النيابي الى حين انتخاب نواب جدد، أما الموضوع المطروح أيضآ في ذات الاطار هو هل أن تعيين وزير جديد بدلآ للوزير المستقيل يحتاج الى ثقة المجلس النيابي؟
ان النظام الدستوري والسياسي الحالي في لبنان قد اختلف بشكل جذري عما كان عليه قبل العام ١٩٩٠، حيث أنه قبل اجراء التعديلات الدستورية في العام ١٩٩٠ استنادا لاتفاق الطائف، كانت عملية تشكيل الحكومة والحصول على الثقة يخضعان لقواعد واعراف دستورية، فالمادة ٥٣ من الدستور قبل تعديلها كانت تنص على أن رئيس الجمهورية يعين الوزراء ويسمي من بينهم رئيسا ويقيلهم،
اذا عملية تشكيل الحكومة استنادآ للدستور
يجب ان تحصل وفقآ لهذه المادة، التي لا تتضمن أية اشارة الى مسألة الاستشارات النيابية، لكن العرف استقر آنذاك على ان يجري رئيس الجمهورية استشارات نيابية لتسمية رئيس الحكومة المكلف، وهذه الاستشارات لم تكن ملزمة له، اذ كان يسمي رئيسآ مكلفا غير الذي تسميه الاكثرية النيابية، وهناك حالات عديدة حصل فيها هذا الأمر.
مثلا في العام ١٩٦٦ كلف الرئيس شارل حلو الرئيس عبد الله اليافي تشكيل الحكومة في حين ان الاكثرية سمت الرئيس رشيد كرامي.ثم بعد ذلك يجري الرئيس المكلف استشارات مرة جديدة ويضع التشكيلة الحكومية ويصدر رئيس الجمهورية مرسوما بتشكيل الحكومة يحمل توقيعه وتوقيع رئيس الحكومة، علما ان المادة ٥٤ من الدستور قبل التعديل عام ١٩٩٠ لم تلحظ توقيع رئيس الحكومة.وبعد تشكيلها تتقدم الحكومة امام المجلس النيابي للحصول على ثقة المجلس، في حين ان الدستور لم يكن ينص على هذا الأمر. فالمادة ٦٦ القديمة كانت تنص على ما يلي: يعد بيان خطة الحكومة ويعرض على المجلس بواسطة رئيس الوزراء او وزير يقوم مقامه. فهي تتحدث عن عرض خطة الحكومة ولم تشر الى واجب الحصول على الثقة.هذا الواقع الدستوري اختلف بشكل جذري بعد العام ١٩٩٠، فالاستشارات النيابية التي يجريها رئيس الجمهورية اصبحت ملزمة له وعليه ان يسمي رئيسآ مكلفا من تسميه الاكثرية النيابية، ويجب على الحكومة وفقا لأحكام الدستور ان تتقدم امام المجلس النيابي ببيانها الحكومي من اجل الحصول على ثقة المجلس خلال ثلاثين يوما من صدور مرسوم تشكيلها والا تعتبر مستقيلة.والدستوراللبناني لم يتضمن أية مادة في ما يخص استقالة الوزير، وانما نصت المادة ٦٩ من الدستور على الحالات التي تكون فيها الحكومة بأكملها مستقيلة، من هذه الحالات استقالة رئيس الحكومة او اذا استقال اكثر من ثلث اعضائها.فاستقالة الوزير من الحكومة هو عمل ارادي وشخصي مرتبط بالوزير يعبر من خلالها عن اعتراضه على سلوك الحكومة، وهذه الاستقالة غير مقيدة بشروط محددة،وتقدم خطيا امام رئيس الحكومة وهو المرجع الصالح لتقديم الاستقالة امامه، والذي يقوم بعرضها امام رئيس الجمهورية، وهذه الاستقالة كي تصبح نهائية تحتاج الى صدور مرسوم يوقع عليه رئيسي الجمهورية والحكومة، كما يتبعه مرسوم آخر ايضآ موقع من الرئيسين بتعيين الوزير الجديد مكان الوزير المستقيل.والاسراع في تعيين الوزير الجديد هو امر طبيعي وهام وذلك لارتباط الموضوع بنصاب انعقاد جلسات مجلس الوزراء وبنصاب التصويت واتخاذ القرارات في مجلس الوزراء.
في هذا الاطار وفي ما يتعلق بالوزير الجديد، لا يوجد نص دستوري ينص على واجب امتثاله امام المجلس النيابي للحصول على ثقته قبل مباشرة مهامه، فالدستور هو المرجعية العليا التي تحدد هكذا امر، كذلك ليس هناك من سوابق حصلت على هذا الصعيد منذ وضع الدستور اللبناني في العام ١٩٢٦، وبالتالي لا يوجد نص دستوري او عرف دستوري ملزم يقضي بواجب حصول الوزير الجديد على ثقة المجلس النيابي.
ان الثقة التي يعطيها المجلس للحكومة انما هي ثقة للحكومة كجسم جماعي اي للحكومة مجتمعة وعلى اساس بيانها الوزاري المتضمن سياستها العامة، وليست ثقة ممنوحة لكل وزير بصفته الشخصية، ثم نتساءل ما المغزى من اعطاء الثقة للوزير الجديد طالما أن المجلس النيابي يستطيع في اي لحظة محاسبته وحجب الثقة عنه، اذ يحق للمجلس النيابي لاحقآ وفي اي وقت ان يطرح الثقة بالوزير الجديد او غيره او بالحكومة مجتمعة وهي آلية يملكها المجلس لمراقبة الحكومة او الوزير وللمحاسبة في حال التقصير او الإهمال او الاخلال بالواجبات المفروضة، ذلك انه بإمكان البرلمان وفقا للنظام الداخلي للمجلس النيابي ان يعقد جلسة للمناقشة العامة في سياسة الحكومة وذلك بناء لطلب ١٠ نواب على الاقل وموافقة المجلس، وبعد الانتهاء من المناقشة يحق لكل نائب ان يطرح الثقة بالحكومة او بوزير معين، حيث تنص المادة ٣٧ من الدستور على ان طلب عدم الثقة حق مطلق لكل نائب في العقود العادية والاستثنائية ولا تجري المناقشة في هذا الطلب ولا يقترع عليه الا بعد مرور خمسة ايام من تاريخ ايداعه رئاسة المجلس وابلاغه الوزراء المقصودين بذلك.