الجوع وسوء التغذية يهددان ملياري إنسان:شعب لبنان على أبواب المجاعة؟
ماري ناصيف الدبس -الحوارنيوز
إذا ما عدنا إلى التقرير الذي نشرته منظمة الأمم المتحدة منذ عام، في أواسط تموز 2019، نجد أن الجوع إلى ازدياد كونه طال ما لا يقل عن 822 مليون إنسان (بما معدله واحد من كل تسعة أشخاص).
كيف تتوزع النسب بين شعوب العالم؟
لا تزال أفريقيا تحتّل المرتبة الأولى، على الرغم من كل الثروات التي تختزنها أرضها، إذ تقارب نسبة الجوع ال20 بالمئة من السكان عموما لترتفع في شرق أفريقيا فتطال ثلث السكان. أما آسيا، فتأتي في المرتبة الثانية بنسبة تتعدّى ال11 بالمئة، تليها أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي حيث النسبة تقل بقليل عن ال7 بالمئة. غير أن التقرير يشير إلى أنه إذا ما أضفنا إلى هذا العدد الهائل من الجائعين كل الذين تطالهم سوء التغذية فإن العدد الاجمالي للذين يعانون من هذه الافة المنتشرة بفعل الجشع الرأسمالي سيرتفع إلى ملياري شخص، 8 بالمئة منهم (أي 160 مليونا) يعيشون في أميركا الشمالية وأوروبا، أي في المراكز الرأسمالية الأساسية.
الأسباب متنوعة يقول التقرير. بالنسبة لنا، يمكن حصر تلك الأسباب في ثلاثة:
السبب الأول يكمن في الأزمة الاقتصادية المتفاقمة نتيجة استمرار الأزمة البنيوية للرأسمالية التي انفجرت في العام 2008 ولم تجد لها سبيلا للحل.
السبب الثاني، الناتج عن تلك الأزمة، يكمن في ازدياد الفروقات الاجتماعية بشكل مخيف نتيجة محاولة الطغمة المالية العالمية تحميل الطبقات الكادحة أوزار أزمتها وسوء إدارتها وجشعها، إذ بينما العامل في البلدان الرأسمالية يحدد أجره بما يكفيه للاستمرار في إنتاج الأرباح لأصحاب الرساميل، نجد ثروات هؤلاء تزداد بسرعة خيالية من تلك القيمة الزائدة المنتجة.
السبب الثالث يكمن في الحروب التي تديرها الدوائر الامبريالية، خاصة في العالم المسمى ثالثا بسبب استمرار الاستعمار الاقتصادي والمالي له. هذه الحروب، خاصة داخل تلك البلدان، تارة عبر تأجيج القبلية أو الطائفية أو الاثنية، أدت وتؤدي إلى كوارث بشرية واجتماعية كبرى.
هذه الأسباب الثلاثة تتنازع لبنان منذ سنوات، وقد ازدادت وطأتها اليوم بعد الكارثة التي حلت ببيروت نتيجة التفجير المجرم لمرفأ العاصمة والتي أصابت شظاياها الكثير من الأحياء الشعبية القريبة من موقع الجريمة. فالمؤسسات الدستورية المتواجدة بقبضة مجموعة ضئيلة تعيش بفعل انتمائها للرأسمالية وتوزعها في ما بين دول المركز الراسمالي، إقليميا وعالميا، التي درّت على أفراد تلك المجموعة بالخيرات التي حرم منها الشعب. كما أن اعتماد الزبائنية بين مختلف مكونات حكام لبنان قد ساعد من تثبيت انصياع قسم كبير من اللبنانيين لمشيئة تلك المكونات خوفا على بعض المصالح الشخصية ومن منطلق طائفي ومذهبي، علما أن تابعي الفاسدين في رأس هرم السلطة والمدافعين عنهم والضاربين بسيفهم هم مثل عامة الشعب يعيشون من الفتات المتساقط من موائد الحكام.
من هنا نفهم مواقف العديد من أبناء الفئات الشعبية الذين كان يجب أن يكونوا داخل الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول 2019، والذين لا يزالوا حتى الآن يتعرضون للمنتفضين ذودا عن مصلحة من يستثمرهم هم أيضا… وهذا الواقع يتطلب التحرك باتجاه هؤلاء، خاصة في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها لبنان اليوم بعد الانفجار المجرم الذي، إن دل على شيء، فقد دلّ أن لا فرق بين التعامل من قبل السلطات بين قاطني الأحياء الشعبية التي يلفها الاهمال من كل النواحي.
وإذا كان الشعب قد نسي اليوم أوجاعه الاقتصادية والمالية والاجتماعية ليتفرغ إلى دفن أبنائه الذي قتلوا وإلى لملمة أشلاء الأبنية المتهالكة التي كانت تشكل السقف الحامي لآلاف العائلات الكادحة ، وإذا كانت بعض المواد الغذائية توزّع اليوم على العائلات المنكوبة، فإن كل ذلك لن يغيّر في واقع أن نصف اللبنانيين نزلوا تحت حافة الفقر، وأن أكثر من نصف العمال والمستخدمين إما عاطلين عن العمل أو يعملون مقابل تخفيض أجورهم ورواتبهم، وأن الليرة اللبنانية لم تعد ذات قيمة بعد أن أكلها الدولار وتآمر عليها أصحاب المصارف ومعهم المسؤولين السياسيين والماليين داخل مؤسسات الحكم والادارة، وأن المجاعة ستكون مصيرهم في المستقبل القريب إن هم لم يعمدوا إلى الاعتماد على الذات وتوحيد قواهم من أجل إعادة بناء، ليس فقط البيوت والمحال التجارية والمؤسسات الانتاجية، بل الوطن على أسس جديدة خارج المحاصصة الطائفية التي تسببت بالعديد من الحروب الأهلية الطاحنة وأوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن.
لا حل لكل ذلك إلا في بناء اقتصاد منتج، في تطوير الزراعة باتجاه الاكتفاء الذاتي، وفي دفع الصناعات الوطنية إلى الأمام ضمن برنامج متدرّج يأخذ بعين الاعتبار الترابط بين الوضعين الاجتماعي والاقتصادي . وهذا يتطلب مؤسسات جديدة بقيادة مسؤولين من غير الذين تسلقوا إلى سدة المسؤولية على جماجم الشهداء ويحاولون اليوم القضاء على من تبقى من اللبنانيين ماديا ومعنويا. مسؤولون يتمتعون بنظافة الكف والنزاهة، أولا، إلى جانب الكفاءة والروح الوطنية العالية البعيدة كل البعد عن العصبيات الطائفية والمذهبية التي كانت الأساس في التبعية المفرطة لمن هم اليوم في الحكم…
كيف نصل إلى ذلك؟
عن طريق استكمال الانتفاضة، خاصة وأن الظروف الموضوعية لها متوفرة أكثر من أي وقت مضى. غير أن توفر ظروف الانتفاضة لا بد وأن يقترن ببرنامج واضح لمسارها، وبالسعي لتأطير القوى ذات المصلحة في التغيير الجذري داخلها، خاصة ممثلي القوى المنتجة (المعطلة حاليا) على الصعيدين النقابي والسياسي.