لبنان يلعب في الوقت الضائع..متكئا الى حائط دولي مائل!
كتب واصف عواضة:
ثمة إحساس لدى غالبية القوى السياسية والشارع اللبناني بشكل عام ،بأن لبنان ما زال يلعب في الوقت الضائع قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية ،وعليه لن تنتج هذه المرحلة إلا حكومة تشبه هذا الواقع ،أي باختصار "حكومة الوقت الضائع".
عندما طرح الثنائي الشيعي إسم الرئيس سعد الحريري لتولي رئاسة الحكومة العتيدة ،كان يأمل، أو يحلم، بحكومة تحقق نقلة نوعية في الوضع العام في البلاد تهيئ الساحة اللبنانية لمرحلة ما بعد الانتخابات الأميركية التي ستشهد بلا شك تغييرات نوعية على مستوى المنطقة ،وذلك من باب اختصار الوقت وتحقيق نوع من الاستقرار خلال الأشهر القليلة المقبلة ،إلا أن عزوف الرئيس الحريري عن الترشح لرئاسة الحكومة أظهر أن هذا العجين لم يختمر بعد ،وأن على لبنان تحمل جلجلة الانتظار المكلف في هذا الإطار.
أمام هذا المشهد تبدو البلاد وكأنها على أبواب نهاية العام الماضي،عندما استقال الرئيس سعد الحريري أمام غضبة الشارع ،ثم ما لبث أن ارتدى الثوب نفسه الذي لبسه قبل أيام ،فأربك الساحة الداخلية ،وراح لبنان يفتش عن رئيس مكلّف ،فطرحت أسماء عدة إحترقت على التوالي ،الى أن وقع الاختيار على الرئيس حسان دياب ،والبقية معروفة.
اليوم يغالب المعنيون أنفسهم لاختيار رئيس للحكومة ،وحتى هذه اللحظة لا يبدو في الأفق أن سفينة التكليف قد رست على بر معين،فيما تُتداولُ أسماء عدة لا تشكل تقاطعا معقولا لدى القوى السياسية المعنية بذلك.
إلا أن زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بيروت يوم الثلاثاء المقبل ،كسرت كما يبدو أبواب اليأس وفتحت ثغرة أمل في تسريع عملية التكليف ،باعتبار أن المسعى الفرنسي الذي يلعب أيضا في الوقت الضائع الأميركي،يضغط على كل القوى اللبنانية التي تعتبر نفسها في هذه المرحلة صديقة ل "الأم الحنون".وعليه يُعتقد أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيتخذ خلال الساعات المقبلة قرارا بالدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة يوم الاثنين المقبل ،تاركا للكتل النيابية على اختلافها التفاهم في نهاية الأسبوع على رئيس مكلف يشكل بادرة طيبة عشية وصول الرئيس الفرنسي.
على أن عملية التكليف لا تشكل مخرجا للأزمة الحكومية التي تتخبط فيها البلاد ،لكنها تفتح الباب أمام مضمون المبادرة التي يحملها الضيف الفرنسي والتي لم تعد سرا ،وهي بالمختصر تقوم على حكومة انتقالية تحقق الإصلاحات وتهيئ لانتخابات نيابية مبكرة،وهو الأمر الذي يشكل خلافا بين اللبنانيين ،خاصة داخل الساحة المسيحية،لا سيما على مستوى القانون الذي ستجري على أساسه هذه الانتخابات.وهنا قد يلعب الفرنسي دورا رئيسيا قي تقريب وجهات النظر ،والخروج بتسوية مقبولة على الطريقة التقليدية اللبنانية المعهودة.
يبقى هنا شكل الحكومة وطبيعتها ،وهو ما يحدده مضمون التسوية السالفة الذكر.فإذا تم الاتفاق على الإصلاحات والانتخابات المبكرة ،لا يعود مهما شكل الحكومة باعتبار أنها حكومة ذات مهمات محددة لوقت مستقطع.على أن الخروج من الأزمة بصورة منطقية بات يتطلب تغييرات في بنية النظام،وهو ما يسعى اليه الفرنسيون في مرحلة لاحقة من خلال مؤتمر تأسيسي قد تشهد باريس مربط خيله العام المقبل.
في الخلاصة ،وإذا ما صدقت النيات يكون لبنان قد بدأ خطوته الأولى على طريق الألف ميل ،وإلا فإن الحكومة العتيدة لن تتعدى كونها حكومة الوقت الضائع،بانتظار الفرج من مفاتيح الإدارة الأميركية الجديدة وأبواب المنطقة المخلّعة.
ذات يوم من العام 1991 ،وكان لبنان قد خرج بتسوية الطائف وحقق ما اعتبره سلمه الأهلي ،قال لي الكاتب الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل:"لا تأخذنكم العزة بما حققتم،فأنتم متكئون على حائط عربي مائل ،فاحذروا أن يقع بكم"…
اليوم ننظر الى الغد ونحن متكئون الى حائط دولي مائل.
ربنا لا نسألك رد القدر ،بل نسألك اللطف فيه.