د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز- خاص
ماهو السبب الذي دَفعَ الرئيس التركي رجب طيب اوردغان الى منع الطائرات الروسيّة من استخدام الاجواء التركية للوصول الى قواعدها في سوريا؟
يعلمُ الرئيس اوردغان جيداً أنَّ القرار لا يسّرُ الرئيس بوتين ، وتوقّع هو وآخرون ردود فعل واجراءات وتصريحات غاضبة من الطرف الروسي . وهذا ما لمْ يحدث ،بل العكس ،حيث استقبل بوتين يوم الاربعاء ،الموافق ٢٠٢٢/٤/٢٧ ، مكالمة هاتفية من اوردغان تناولت الابعاد الإنسانية في الحرب الاوكرانيّة .
قرار اصطفاف الرئيس اوردغان مع أميركا والغرب في الحرب الدائرة بينهما وبين روسيا في أوكرانيا أستندَ إلى عاملين : الاول هو حسابات أوردغان السياسية داخلياً وخارجياً ،والعامل الثاني هو التحالف التاريخي الاستراتيجي بين تركيا وأميركا والغرب .
ماذا في حسابات اوردغان؟
أمران أساسيان في حساباته: الانتخابات الرئاسيّة و التشريعية في العام المقبل، وحرصه على الفوز والاستمرار في السلطة، والامر الثاني هو الحالة الاقتصادية و الحيلولة دون تدهور العُملة التركية . ويعلمُ الرئيس اوردغان أنَّ أميركا والغرب وحلفاءهما في المنطقة ، وليس روسيا ، هم القادرون على مساعدة تركيا في حال تدهور العملة وسقوطها ، وهم القادرون على تنشيط الحياة الاقتصادية، من خلال الاستثمار والتوسّع .
العامل الثاني الذي دفعَ اوردغان على الاصطفاف مع أميركا والغرب في حربهما مع روسيا في اوكرانيا هو التحالف التاريخي الاستراتيجي الذي يربط تركيا بأميركا و بالغرب ، ويترتب على هذا التحالف استحقاقات و التزامات ،يجب احترامها ،خاصة في اوقات الحرب والشَدة ، واصطفاف تركيا الى الجانب الاميركي في الحرب الدائرة في اوكرانيا هو تكريس لهذه الالتزامات و الاستحقاقات المفروضة على تركيا ،باعتبارها عضواً في الناتو ، وبإعتبارها حليفا استراتيجيا لأميركا وللغرب ( انظر في ذلك ،مقال السيد عبد الباري عطوان ،رأي اليوم الاكترونية ، بتاريخ ٢٠٢٢/٤/٢٥ ، ) .
لتركيا مصالح محدودة ومعدودة مع روسيا ،لا تتعدى جانب التبادل التجاري ، والوجود او الاحتلال التركي في سوريا ، وهي مستعدة ، على مايبدو ، لخسارة متوقعة في ميزان التبادل التجاري ،قد تقع بسبب الموقف السياسي لتركيا تجاه الحرب الغربية -الروسيّة في اوكرانيا . كما انَّ الملف السوري اصبح ملفاً خاسراً لتركيا وعبئاً سياسياً وعسكرياً عليها ، وتحرص تركيا ،كما اعتقد ،ان تحافظ على وضعها الراهن في سوريا، حيث قواتها وانصارها من الجماعات المسلحة في أدلب وعفرين وغيرهما . تظّنُ تركيا أنَّ روسيا الآن منشغلة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً في معركتها مع أميركا الغرب في اوكرانيا ، لذا فهي ( اي روسيا ) غير مستعدة لفتح جبهة أخرى في سوريا من اجل تحرير أدلب وكامل التراب السوري، حتى وإنْ كانت سوريا مستعدة وفي كامل الجهوزيّة لبدء معركة تحرير أدلبْ وباقي المدن والقرى المحتلة من قبل تركيا و الجماعات الارهابية المسلّحة.
ستوظّف أميركا الموقف التركي من الحرب في أوكرانيا ، والذي تميّزَ بالاقدام على حرمان الطيران الروسي من استخدام الاجواء التركية عند قصده سوريا ، من اجل التأثير على دول المنطقة، وخاصة المملكة العربية السعودية ، كي توافق المملكة على زيادة ورفع الانتاج النفطي ،والتعويض عن النفط الروسي . ولا نستبعد ان يطرح الرئيس اوردغان الموضوع امام قادة المملكة ، خاصة وان الكونغرس الاميركي اعلن في الامس عن عزمه على تشريع قانون لمقاضاة “أوبك” امام المحاكم الدولية لابتزازها الدول المستهلكة للنفط !
ليس من شأن القدر ان تتزامن هذه الاحداث والمواقف. فتزامنها وليد ارادات وحسابات سياسيّة مدروسة .كذلك ليس من شأن القدر ان تنفرد دولة قطر ،من بين الدول الخليجية ،لتشارك في مؤتمر الدعم العسكري لاوكرانيا ،والذي ضّمَ اربعين دولة ،اجتمعت ،بمبادرة و بقيادة اميركية اوروبية في المانيا يوم الثلاثاء المنصرم والموافق ٢٠٢٢/٤/٢٦.
موقف قطر في المشاركة يتناغم مع الموقف التركي المصطف مع أميركا والغرب في معركتهم العسكرية والسياسية والاقتصادية في اوكرانيا.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات – بروكسل