دولياتسياسةفي مثل هذا اليوم

في مثل هذا اليوم:محمد مُصدّق يؤمم النفط في إيران ويشعل ثورة غضب غربية أطاحت بالرجل وإنجازاته

 

الحوار نيوز – خاص

في مثل هذا اليوم من العام 1951 ،أعلنت الحكومة الايرانية برئاسة محمد مُصدّق تأميم النفط في إيران ،بما يشبه الثورة التي أشعلت مواجهة غربية عنيفة على هذا الرجل انتهت بإسقاطه بعد سنتين في الحكم.فمن هو محمد مصدق الذي استلهمت الثورة الإيرانية عام 1979 تراثه الوطني؟

هو سليل الأسرة الأرستقراطية المولود في 16 يونيو 1882 ،وأحد أبناء النخبة الحاكمة، لكن تاريخه سجل قطيعة كبرى وثورة مشتعلة ضدّ هذه السلالة من محتكري الحكم، فسرعان ما سيظهر صاحب الأيدي الناعمة، الحاصل على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة لوسان في سويسرا، ليشكّل أخطر تهديد لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية على مصالحهما في الشرق الأوسط بميوله اليسارية.

بعد وصوله إلى رئاسة وزراء إيران، عام 1951، عبر اختيار برلماني ديمقراطي، أعقب حركات احتجاجية واسعة في إيران، تسلم مصدق دولة كانت متعرضة لفترة طويلة لغزو مصالح مزدوج من روسيا وبريطانيا؛ حيث سيطرت القوتان على المقدرات الاقتصادية لإيران، وتحكمت في مجريات السياسة في البلاد، وكان مصدق معارضاً بشدة للسيطرة الأجنبية على مجريات الأمور في بلاده، وتحديداً في ما يتعلق بمسألة النفط.

بادر مصدق، في خطوة ثورية، إلى تأميم شركات إنتاج النفط الإيرانية؛ حيث كانت تخضع للسيطرة البريطانية عبر الشركة البريطانية – الفارسية للنفط، التي لم تكن تعطي سوى قدر قليل للغاية من الأرباح للشعب الإيراني، وبذلك اعتبرته بريطانيا، ومن ثم الولايات المتحدة الأمريكية، الخطر الأكبر عليها في الخليج العربي؛ بريطانيا بسبب النفط، والولايات المتحدة بسبب أنّ مصدق بدا وجهاً شيوعياً في المنطقة، وهو ما قاله دونالد ويلبر، أحد الأعضاء الذين خططوا للانقلاب على مصدق، في وثيقة كتبت بعد الانقلاب بشهور: “كانت هناك تقديرات بأنّ إيران كانت تواجه خطر السقوط الحقيقي خلف الستار الحديدي، وإذا ما وقع هذا، فإنّ ذلك معناه نصر جديد للسوفييت في الحرب الباردة، وانتكاسة كبرى للغرب في الشرق الأوسط”.

خاصمت بريطانيا مصدق في المحاكم الدولية، بعد قراره تأميم نفط بلاده، واتهمته بانتهاك حقوقها النفطية، كما عززت تواجدها العسكري في مياه الخليج العربي، الذي كان حكامه على علاقة وثيقة بالتّاج البريطاني، فلم يزد ذلك مصدق إلّا إصراراً على استكمال خطته الإصلاحية بتأميم الأراضي الزراعية للإقطاعيين، والقيام بعمليات تطهير للمؤسسة القمعية في بلاده، ووضعه المؤسسات المدنية التابعة للشاه تحت الرقابة القانونية.

 أميركا تعترف

بعد مرور عشرات الأعوام، أفرجت وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) عن وثائق لها، كانت كاعتراف رسمي بدورها في الانقلاب على الزعيم الإيراني محمد مصدق، عام 1953، كما اعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في خطبته للعالم الإسلامي من “الأزهر الشريف” في القاهرة، بدور بلاده في انتهاك الديمقراطية بإيران منتصف القرن الماضي، ومن ثم أصبح الحديث عن تنسيق الولايات المتحدة مع جهاز المخابرات البريطانية للانقلاب على الديمقراطية في إيران حقيقة مؤكدة، وليس مجرد تخمينات تدعمها كل الأدلة والسياقات.

 

هرب الشاه محمد رضا بهلوي إلى العراق، ليتبيّن أنّ الخطة قد اقتربت من الدخول حيّز التنفيذ. فالخطة رصدت لها المخابرات البريطانية والأمريكية مليون دولار أمريكي، ووصل كيرميت روزفلت، عميل المخابرات الأمريكية إلى طهران في منتصف 1953، ليستكمل الخطة بدقة.

جرت اضطرابات في كلّ مكان، واحتجاجات مصطنعة، ترافقها حملة إعلامية شرسة ضدّ مصدق كانت منظمة بدقة في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وخرجت مسيرات بشعارات تحقيرية وساخرة من الرجل، وتم اغتيال أنصاره في طهران، وكانت تلك هي ملامح الخطة التي تكررت كثيراً، وبأشكال مشابهة في أكثر من مكان بالعالم فيما بعد، وكانت لحظة النهاية في الخطة، هي القبض على مصدق، وأفراد حكومته والحكم عليه بالإعدام، وهو ما خفف بعد ذلك إلى تحديد الإقامة الجبرية الانفرادية.

على جانب آخر، كان رجال دين إسلاميين أصوليين تقليديين، قد أفتوا قبل الانقلاب بشهور بأنّ الزعيم مصدق هو عدو للدين الإسلامي؛ لأنّه تحالف مع اليسار، وطبق برنامجاً أقرب إلى الشيوعية، وقد ذكرت، فيما بعد، تحقيقات صحافية أجنبية أنّ من العناصر الأساسية التي شاركت في إشاعة الفوضى في البلاد، أثناء تنفيذ خطة الانقلاب، كانت “عصابات إسلامية” استخدمتها المخابرات الأمريكية. كما أشارت، فيما بعد، الوثائق المسربة الأمريكية إلى علاقة وطيدة ربطت الـ “سي أي إيه” ب أحد المرجع الشيعية.

الدرس المنسي.. عودة الخميني

 كان قدوم الإمام الخميني بتأييد من غالبية الشعب الإيراني، بعد قرابة ثلاثة عقود من الزمن من الانقلاب على محمد مصدق،  أحد أهم الدروس المنسية من التجربة الإيرانية. فالانقلاب على الديمقراطية في إيران، وعلى الإصلاحات التي طبقها مصدق، نجح بالفعل في إطاحة الرجل وتأسيس دولة الشاه القمعية الجديدة، لكنّه لم يؤدِّ، في النهاية وعلى المدى الطويل، إلّا إلى تجييش الغضب في النفوس، ذلك الغضب الذي انفجر ثورة أطاحت بالنظام الامبراطوري وقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العام 1979 .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى