د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص
صُنِعتْ سياسة “النأي بالنفس” في لبنان، في عهد الرئيس السابق ميشيل سليمان (عام ٢٠٠٨ -٢٠١٤)، وهدفها حماية لبنان الدولة من تداعيات التمحّور، والالتزام بسياسة الحياد إزاء النزاعات او الصراعات العسكرية والسياسية .
حرصَ لبنان الرسمي على تطبيق و احترام سياسة النأي بالنفس، من اجل سيادته و استقلاله، وكان يخشى الاحزاب السياسية من أنْ تقودهُ نحو مواقف مكشوفة في اصطفافها وتمحّورها، هذا من وجهة نظره. لم يتوقعْ الوسط السياسي، وبمختلف توجهاته واجنداته، أنْ يتخذ لبنان الرسمي موقفاً رسمياً واضحاً وصريحاً ازاء الحرب الروسية -الاوكرانية، ومخالفاً لسياسة “النأي بالنفس”، ويعلن عن إدانته للإجتياح الروسي للاراضي الاوكرانيّة ، ويصطف لبنان الرسمي مع امريكا وحلف الناتو والدول الاخرى التي أدانت الاجتياح الروسي لاوكرانيا.
بيان الادانة الصادر من وزارة الخارجية اللبنانية ارتكز على حرص لبنان على احترام الشرعية الدولية واحترام سيادة الدول ، واضاف السيد وزير خارجية لبنان في حديثه مع سفراء الدول الكبرى، بأنَّ موقف لبنان مبدئي وراسخ واتخذه وسيتخذه مع كل ازمة مشابهة، واشارَ الى “انه التقى في الامس سفير روسيا الاتحادية واعرب عن اسفه ، وانّ هذا الموقف غير موجه ضّدَ دولته ولا نرغب أنْ يؤثرعلى العلاقات الثنائية الوطيدة “.
أقدمَ لبنان على إدانة روسيا وهو مُدرك و مطمئن بأنًّ روسيا ليست امريكا ،وأن روسيا قد تنزعج وقد تعاتب، ولكنها لا تحاسب ولا تعاقب لبنان لموقفه .
واعراب السيد الوزير لسفير روسيا الاتحاديه عن أسفه للموقف الرسمي اللبناني، وان هذا الموقف غير موجهّ ضد دولته ( اي روسيا) ، اشارة واضحه على عدم قناعة السيد الوزير بالموقف، وبأنهّ غير موجّه ضّدَ روسيا وانما موجّه لارضاء امريكا .
لا اسرائيل ، حليف امريكا الاستراتيجي ، و لا تركيا العضو الفاعل في الناتو ، أقدما على ادانة واضحة و صريحة للاجتياح الروسي لاوكرانيا . كلاهما (اسرائيل و تركيا) اكتفيّا بتصريحات ضبابيّة دالة ، بكل تأكيد على اصطفافهما بجانب المحور الامريكي الغربي ،لكن لم يصدرا إدانة رسمية لروسيا .
وزير خارجية اسرائيل قال ،عند بدء الاجتياح الروسي ،بان اسرائيل ستكون في الخندق الامريكي ، والخارجية الاسرائيلية اصدرت بياناً تؤكد فيه على دعمها لوحدة وسيادة اراضي اوكرانيا ، وانها قلقة لرفاهية ٨٠٠٠ يهودي في اوكرانيا .
الرئيس اوردغان انتقد في تصريح له ، عقب صلاة الجمعة ، ليوم ٢٠٢٢/٢/٢٥،الموقف الضعيف الذي يتبناه الناتو حيال الاجتياح الروسي لاوكرانيا .
ليس لاسرائيل ، ككيان مُحتلْ وغاصب ، شرعية الحديث عن مبدأ احترام سيادة الدول ،وهي تنتهك كل يوم سيادة لبنان وسوريا وتقترف جرائم بشعة بحق الشعب الفلسطيني .
تركيا ، هي الاخرى ، ليس في موقف ، يسمح لها بإدانة روسيا لاجتياحها اوكرانيا ، دفاعاً عن امنها القومي وخطر الناتو وخطر النازيين الجدد وكتيبة آزوف المتطرفة في اوكرانيا ، والتي لا تختلف عن القاعدة وداعش . تركيا تستخدم ذات الذريعة ( الأمن القومي ) لاحتلال اراض من سوريا ومن العراق ، بالرغم من غياب ايّ تهديدات للأمن القومي التركي من العراق او من سوريا .
حاجة اسرائيل وحاجة تركيا للدور الروسي في المنطقة جعلهما ينأيان بنفسيهما عن ايّ ادانة رسمية صريحة وواضحة للتدخل العسكري الروسي في اوكرانيا .
التزام دول المنطقة بمبدأ الحياد ازاء الازمة الروسية الاوكرانية دليل على دور روسيا ، وقد يكون لبنان احّوجُ دول المنطقة ، سياسياً و اقتصاديا، لدور روسي ايجابي تجاهها.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل