بقلم الدكتور نسيم الخوري
تتغيرالأحاديث والمعالم الفكرية بين الزيارة العلمية والأخرى في فهمنا لمقاربات عواصم الغرب للإسلام والمسلمين. هناك حيرة خصوصاً لدى الإحتكاك بالشباب الباحثين وأساتذة الجامعات.
يقوى الخوف؟ نعم. وتتكاثر الأسئلة بحثاً عن تلك الفروقات الآراء المتنوعة في النظرة إلى المسلمين كما استنتج. لا تنتهي الأسئلة مثلاً حول إسلامية تركيا المتحدية الفجّة وإسلاميات العرب المعتدلة ومسلمي المجابهو الإيرانية ومسلمي أفغانستان ومسلمي أوروبا على تنوعهم وحضنهم ورفضهم وكأنّ فروقاتٍ مقلقة هائلة بين النسخ المتعددة للإسلام في عقل الغرب.
لنقل بأن وسادة الغرب والعالم مسكونة بأحوال المسلمين المتعددة تبرز في مقولات وأحاديث مختلطة في النظرة إلى المسلمين. ليس المقصود شؤون الدين والدنيا بالمعنى الفكري والتحليلي الممدود في أحرام الجامعات أو الحلقات والأنشطة اليوميّة والنصوص التي تكتسي الثقافة الجديدة المدموغة بالإسلام، بل بالتوسّع الملموس إلى درجة صارت العناصر الإتنية والدينية واللغوية والتاريخية والمؤسسية والعنصرية والنبذ المرتجل فاقعة تحت عنوان عام هو “الإسلاموفوبيا” كلمة العصر.
تكاد تركيا تشغل مقدّمة هذا الخواف الأوروبي وأمكنته في الإيديولوجيات السياسية الأوروبية كما في العقل الأوروبي ،كعنصر أساسي يهدّد مستقبل هويات الدول والشعوب والمهاجرين وكيفية هضمهم أو التعامل والتخالط المستمرّ معهم. إنّها ثقافة البحث المستعصي عن تنقية أوروبا من الطغيان التركي الجاهز والإبتزازي بإسم جحافل المسلمين الملتصقين بالباب التركي تأهّباً نحو حشو أوروبا بالمهاجرين وفتح الأبواب لأسلمتها، لكنها افكار وسياسات تُوقظ هتلر وموسوليني وستالين وما شابه في الأحاديث.
لن تنصاع أوروبا الموحدة القلقة بإختلافاتها الكثيرة ولو بقيت تركيا مصلوبة فوق عتبة ضمها لأوروبا إلى الأبد. الجديد أن هناك بالمقابل طراوة وقبولاً لطيفاً للطيف الإسلامي اللافت من الجزيرة العربيّة والخليج بحلله وفخامته وكنوزه التي تدمغ الشرق بألوان الغرب.
تفرز هذه الأجواء مجتمعةً صعود الفكر والمناقشات الدينية المسيحية الإسلامية الملحوظ لا المقاربات الرزينة في استنباط أصول الحكم المعاصر ومستقبله، بعدما طغى على الفكر البشري انبهار الكثير من مفكّري الشرق الإسلامي وطلابه من حيث مسألة هجران الغرب وابتعاده عن الأديان منذ الثورة الفرنسية العلمانية مروراً بالبولشيفية الإلحادية وصولاً إلى الثورات الملوّنة التي استلهمت مختلف الألوان والأشكال في تحريك الشعوب وتشريدها.
وهنا ملاحظة:
ليس اختيار ألوان الثورات مسائل عشوائية مزاجية، بل استراتيجيات مدروسة تنظر إلى الشعوب والمجموعات البشرية في سلوكها، تماماً كما ننظر نحن إلى طفل صغير لا تغريه سوى الهدايا والأشياء المزركشة والملوّنة بشكلٍ فاقعٍ وبأشكالٍ غريبة عجيبة وكبيرة الحجم.
لا أقول أنّ هناك أكثر من إسلام مقيم في عين أوروبا، بقدر ما يمكن للباحث أن يستشف أكثر من نظرة سياسيّة وإجتماعية متباينة معقدة يمكن فرزها بين تلك البلدان المتخالطة من أقصى الإعتدال إلى أقصى التعصب.
يمكنني المجازفة ً بالقول إن فهم أوروبا للإسلام يختلف كثيراُ عن الفهم الأميركي. وأكثر من ذلك، فقد لحقت أميركا بأوروبا نحو هذا الفهم والعكس بالعكس، لكنه لم يتضح نهائيا خصوصاً وأنّ السياسات مشحونة بالتقارب وحلّ معضلات الصراع التاريخي. لم تعد أميركا تروّج للفكرة المرتجلة بتوكيل الإسلامية لتركيا العثمانية أو المستيقظة إلى جذورها الإسلامية، لكنّها الجهة الخطيرة المتقلبة في أكثر من إتّجاه وريح. من ينتظر الإنتخابات القادمة هناك يتيقن من تحولات مستقبلها.
لماذا؟
لأنّ إسلامية تركيّا تورمت كثيراً كما ردود أفعالها الدولية بعد تلك اليقظة المسيحية الأرثوذكسية في بلدان أوروبا الشرقية المنجذبة بالغرب بعد سقوط المنظومة الإشتراكية. كانت إسلامية تركيا المتجددة وما زالت تستند إلى خبرة قديمة مرذولة لم تعد تعني قطّ وجدان العرب والمسلمين بالنظر إليها مرجعية متشاوفة تتغذى من ضرع 415 سنة تقريباً اسقطتها مريضة في فراشها في أعقاب الحرب العالمية.
لا يعيد التاريخ نفسه أيّها الأباطرة المتجددون، ولم يعد لكم في أوروبا وربّما في أميركا وحتى الروسيا والعرب ما يؤهلكم لأن تقرعوا الأبواب، سواء عبر إدعاء البعث لعلمانية أو تصفية لديكتاتورية بإدّعاء ديمقراطية متحولة أو نهضة المرأة عبر تعميم المسلسلات التلفزيونية.كان الهم الأميركي فجّاً وأخفق كليّاً في إغراء تركيا بتقديم نفسها متلبسة بالإسلام الجديد أو المعاصر، وجاءت النتيجة أن سقطت الفكرة/الدولة الفجّة قبل بزوغها ،لأنّ التربة لا تقبل التحوير أو التزوير في قدسيتها وإنباتها. لا ننسى أن حبل العقد قد ضاعف من تشنج الولايات المتحدة من ايران، وهو ما ضاعف ويضاعف ما يعانيه الباحث المتقاعد مثلي المتنقل بين مدن الشرق والغرب، والمستقبل مفتوح بحثاً عن الجواب المعقّد في الإسلام والأديان.
زر الذهاب إلى الأعلى