بقلم الدكتور نسيم الخوري
تسعفني نقاط خمس لتفسير الخوف المتعاظم من المستقبل في المساحة العربية ومستقبل الإقليم وتحديداً في لبنان الجائع والمنهك كي لا أقول المرذول عربيّاً ودوليا.
1- أضع خطّا أحمر تحت الضرورة القومية والوطنية في تحليل الأفكار والغايات والتفسيرات البارعة والمعقّدة لهذا الإزدحام الدولي المتعاظم في مياهنا وأراضينا وأنظمتنا وتعثّرها جميعها ولبنان في رأس القائمة. وأضع خطّين تحت نموذج الفساد المتضافر في لبنان العربي الممسوك والمتروك من كلّ خارج مراكماً المنافع والمصالح عبر أنظمة وقادة ما كان يعرف بالوطن العربي الذائب في مياه العالم العربي الذائب بدوره في العالم الثالث الممحي مع منظومة عدم الإنحيار وضمور جامعة الدول العربية المتنفّسة مع مؤسسات والمنظمات الإقليمية والدولية الكثيرة. نتوه في هذا القرن الفضائي المعروف بقرن الأصوليّات والإرهاب المتصاعدين لنجد أنفسنا ومقاعدنا في رسومات السلام الشرق الأوسطي الجديد الذي لم يمت ولم يتم رسمه بعد، لكونه المحكوم بإزالة النتوآت ثم تزييت المسافات للتقريب بين الرؤوس والمصالح المتعددة في المحيط سلماً أو حروباً وبصيغٍ مفردة قبل أن تكون مجتمعة.
2- الأمر الثاني، أخصّه بلبنان بقعة التخبّط التي لا يمكن لعاقلٍ تصوّرها متابعاً مستقبل دولة وشعب متشظيين يتحولان برعاية حكّام فاسدين فاشلين إلى شبه دول عاجزة لا أحزاب فيها بل طوائف متجذرة مستوردة من كل خارج ومثقلة بهموم وحاجات يومية قاتلة مضافة إلى هموم إقليمية وعالمية يستعصي إيجاد حلولٍ لها. ما لها وعليها سوى الإنتظار والتخبط حتّى ولو تألّف فيها مئة حكومة اجتمعت أو شلت أو تفرقت أو مللنا الكتابة فيها، فإنّها ستبقى خارج مفاهيم الحكومات ومسمياتها وسلطاتها، بل على صورة هيئات مقعدة متناحرة عاجزة كسابقاتها بانتظار ليالي الأنس في فيينا أو بانتظار الإرادة الدولية في فضّ عذريّة النفط والغاز المحفوظة لشلّةٍ تقاسمتها مع المحيط المعادي وبعلمه واشرافه. لا غرابة إذن في الفيالق المتلاحفة عبر هزّات يومية يصعب فهمها أو ايجاد حلول لبنانية لها.
3- تصطفّ معظم الدول الكبرى والإقليمية وعيونها مفتوحة على ملف النفط والغاز والثروات وشكل الحضارات في شرقي البحر الأبيض المتوسط دون الإفصاح الكامل لشعوبها عن ظاهرة هذا الإنشغال العالميّ عبر الموفدين الكثر بشهياتهم الفاقعة والسرية بثروات النفط والغاز في لبنان الفقير.
يمكننا، بدءاً من تهشيم باب العرب الشرقي في العراق في ال2003 مروراً بتونس ومصر والجزائر وليبيا وسورية واليمن ولبنان و”صفقة القرن” ، لملمة ثمار مستقبل جديد لم تنضج بعد في حقول “الربيع العربي”. إننا مجموعة دول عربية منهكة متشظية على اكثر من مستوى ندور في ملفٍّ سرّي واحدٍ مفتوح بعبداً منا بانتظارات ستطول لضرورات التقاسم وعلى غلافه عنوان واحد: النفط والغاز ومستقبل العرب في الشرق الأوسط الجديد أو المتجدد. الشركات الخاصة هي التي ستبيع الدولة اللبنانبة ثرواتها البحرية لا العكس.
4- في 30 نيسان عام 2019، كان “التجمّع الأكاديمي للأساتذة الجامعيين في لبنان” وبصفتي أحد مؤسّسيه مع المؤرخ الدكتور عصام خليفة والخبير الإقتصادي الدكتور بشارة حنّا قد وضع ملفّاً علميّاً مزوّداً بالوثائق النادرة بين يدي وزير خارجية أميركا السابق جورج بومبيو. يومها تمّ إغلاق المطار اللبناني وحطّت طائرة الوزير آتيةً مباشرة من تل أبيب، وكان برنامج الزيارة سياسيّاً، لكنّ الحقيقة إنّ لبّ الزيارة وكلّ من زار ويزور ودار ويدور في لبنان والمنطقة من بعده محوره واحد: ثروة النفط والغاز الهائلة في لبنان. وعليه يقوى الفساد ثقافةً لبنانية متأصلة ويتعاظم التبديد المرتجل في هذه الثروة الكارثة التي ستحرم الأجيال المقبلة من صندوق المستقبل. لهذا خبت ما سمّي ب”الثورة” ويستمر المتناكفون من الزعماء كلّ في زاويته الطائفية منذ تشكيل اللجنة العسكرية وبداية المفاوضات في الناقورة ثمّ توقّفها لأسباب وأسباب وتفاصيل تصب كلّها في ملف الثروة المتعثّر يديره خفية بعض المسؤولين في لبنان الذين بتنا نسمع وصمهم مؤخّراً بالخيانات العظمى.
5- لبنان واقع في حقولٍ من العلّيق السياسي الشائك وفي شتات داخلي وخارجي يحلم أهلوه بثرواتهم البحرية الهائلة المهدورة فوق ألسنة أو أرصفة الموفدين والدول. الأنكى إنهم يعرفون بأن النفط والغاز لعبا دورا محوريّاً في تفكيك سياسات العالم وإقتصاده منذ القرن الماضي وسيمتدّ تأثيرهما إلى 50 سنة بالنسبة للنفط و 150 سنة للغاز و400 سنة للفحم بعد تحوّلات الكوكب نحو الطاقات البديلة النظيفة، بعدما صار العالم مسكوناً باستخراج المواد الأولية التي قد تفقد قيمتها كلها بحدود ال 2050.
زر الذهاب إلى الأعلى