د.عماد عكوش- خاص الحوار نيوز
تتوالى التعاميم التي يصدرها مصرف لبنان والتي يحاول من خلالها الجمع ما بين إرضاء الطبقة السياسية ، إرضاء الولايات المتحدة الأميركية ، وإرضاء المصارف ، وفي المحصلة النهائية المتضرر الأول والأخير دائما من كل هذه التعاميم هو المودع ،وخاصة صغار المودعين الذين يتعرضون لسرقات مقوننة عبر تعاميم صادرة عن مصرف لبنان ، كما يتعرضون للخداع المستمر وتحت عنوان إعادة أموال صغار المودعين حيث يقوم باقتطاع جزء أساسي من هذه الودائع عبر تعاميم مخادعة والتي يصر على إصدارها .
البداية كانت مع التعميم رقم 151 والذي نص على السماح للمودعين بسحب جزء من الودائع ضمن سقوف تحددها المصارف وذلك وفقا لسعر 3900 ليرة لبنانية، شرط موافقة العميل على هذه السحوبات ، وعلى البنك بيع هذه الكميات من الدولار الى مصرف لبنان وفقا لنفس السعر، وقد بدأت المصارف بالعمل بهذا التعميم أبتداء من 21 نيسان 2020 ولغاية 31 كانون الثاني من العام 2022 .
أما نتائج هذا التعميم فكانت كارثية على المودعين الذين وصلت خسارتهم بموجب هذا التعميم الى أكثر من 84 بالمئة نتيجة لجوء البعض الى بيع هذه الودائع بموجب شيكات بسعر حسم وصل الى أكثر من 84 بالمئة خلال الفترة السابقة ، كما لجأت بعض المصارف الى شراء بعض ودائعها بسعر الحسم رافعة من أرباحها والتي راكمتها، ولكن هذه المرة خارج البيانات المالية ، وقد نتج عن ذلك انخفاض موجودات المصارف الخارجية وبأرقام كبيرة منذ بداية الأزمة والحجة كانت تسديد إلتزامات خارجية .
وقد ظهرت هذه الموجودات خلال الفترة السابقة على الشكل التالي :
الفترة مليار $
أيلول/2019 21.32
ك 1/2019 17.60
ك 1/2020 14.02
ت 1/2021 12.96
هذا يعني أن حجم السحوبات من الموجودات الخارجية منذ بداية الأزمة ولغاية تشرين أول من العام 2021 قد بلغت حوالي 8.36 مليار دولار ، عدا عن الأرباح التي حققتها بعض المصارف نتيجة لبيعها بعض الفروع وبمئات ملايين الدولارات والتي لم يدخل منها شيئ الى لبنان .
هذه الأرباح المحققة لم يتم إظهارها في البيانات المالية للمصارف، وهذا ما أظهرته تطور هذه البيانات عن الفترة الممتدة من أيلول 2019 لغاية تشرين أول من العام 2021 .
الفترة مليار $
أيلول/2019 20.60
ك 1/2019 20.72
ك 1/2020 19.93
ت 1/2021 16.90
هذا الإنخفاض ناتج عن المؤونات التي طلبها مصرف لبنان مقابل سندات اليوروبوند ، والتسهيلات الممنوحة للغير ، ورغم ضخامة هذه المؤونات المطلوبة لكن المصارف حافظت على أموالها الخاصة بنسبة كبيرة، والسبب الأساسي لذلك هو حجم الفوائد التي ما زالت تتقاضاها على توظيفاتها في سندات الخزينة ،وفي نفس الوقت على ودائعها لدى مصرف لبنان ، وعلى التسليفات الممنوحة للغير ، في مقابل ذلك تمتنع هذه المصارف عن دفع فوائد على الودائع لا بل تقوم باقتطاع عمولات على السحوبات النقدية والتي تتناقض حتى مع تعاميم مصرف لبنان .
بعد ذلك صدر التعميم 158 والذي ألزم المصارف بدفع لكل مودع 400 دولار نقدا” وما يعادل 400 دولار بالليرة اللبنانية على سعر صرف 12000 ليرة لبنانية ، منها 2400000 ليرة نقدا ، و 2400000 ليرة بموجب بطاقة إستهلاكية يتم الشراء بواسطتها عبر نقاط البيع ، وقد اشترط على المستفيدين من هذا التعميم عدم الأستفادة من التعميم 151 .
وقد كان هذا التعميم بمثابة فخ للمودع لأن الهدف منه هذا كان دفع جزء من الودائع وخاصة لصغار المودعين دون اقتطاع أي مبلغ، بينما الذي حصل هو إلزام المودع بعد توقيعه على قبض خمسين بالمئة من ودائعه المحررة على سعر 12000 ليرة لبنانية وهو سعر غير عادل اليوم ولا يمت لسعر المنصة التي أنشأها مصرف لبنان بأي صلة .
إن أستمرار مصرف لبنان باقتطاع جزء من ودائع صغار المودعين الذين خدعهم هو عمل غير اخلاقي ويجب تعديل السعر الذي يتم دفع الجزء المحرر من ودائع الدولار وعلى المودعين التوقف عن قبول قبض هذه الودائع بالليرة اللبنانية وفق هذا السعر حتى يتم تعديله .
طبعا هدف مصرف لبنان من تطبيق هذه التعاميم هو خفض خسائر مصرف لبنان عبر إلزام صغار المودعين على سحب ودائعهم بالليرة وبسعر أقل بكثير من سعر السوق الحقيقية، وهذا يناقض كل شروط صندوق النقد الدولي الذي يمنع المساس بصغار المودعين ، وعلى جمعيات المودعين اللجوء الى صندوق النقد الدولي لتقديم اعتراض لديه على ما يحصل من تصرفات من قبل مصرف لبنان والتي هي بحدها الأدنى عمل غير اخلاقي ناتج عن غش المودع ونصب فخوخ له من خلال تعاميم ملغومة .
أضافة الى ما تقدم يبدو أن الحكومة اللبنانية والمصارف التجارية ومصرف لبنان أتفقوا على تحديد الخسائر عند حدود 69 مليار دولار، وهو الرقم نفسه لحجم الفجوة بالعملات الصعبة لدى مصرف لبنان والتي تحدثنا عنها في مناسبات عدة ، لكن هذه الفجوة تبقى متحركة لعدة أسباب :
السبب الأول : أن مصرف لبنان ما زال يصرف من إحتياطي العملات الصعبة، وبالتالي فهذه الفجوة ما زال حجمها يرتفع ومنذ بداية الأزمة حيث كانت قيمتها لا تتجاوز 50 مليار دولار .
السبب الثاني : أن المصارف التجارية ما زالت تدفع بموجب التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان جزءا من الودائع بالعملات الصعبة المودعة لدى مصرف لبنان بالليرة اللبنانية ،وبالتالي هذه الودائع هي في حالة انخفاض دائم .
السبب الثالث : عدم قدرة الدولة ومصرف لبنان على تحديد قيمة هذه الخسائر بالليرة اللبنانية بسبب عدم استقرار سعر الصرف وعدم استقرار سعر الصرف المعتمد في التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان ،خاصة وأن اقتراح قانون الكابيتال كونترول نص على دفع هذه الودائع بالليرة، فما هو السعر النهائي ؟
يبقى أن نقول أن عملية إصدار التعاميم والأسعار الثابتة لسعر الصرف بموجب هذه التعاميم ،هي سرقة كبيرة للمودعين، وخاصة لصغار المودعين، ويجب ربط هذا السعر بسعر منصة مصرف لبنان ذات السعر المتحرك ،وإلا فعلى المودعين رفض السحب على هذا السعر واللجوء الى القضاء ومجلس شورى الدولة لعدم فرض ذلك على المودعين ، خاصة أن مصرف لبنان يودعها بالليرة في حساب خاص ويراكمها في حال عدم السحب ما يعرضها للتدني في قيمتها مع مرور الوقت .
زر الذهاب إلى الأعلى