في ظل الحملة الإعلامية على التفاوض لاستعادتها:وقائع من عملية التفريط بالحدود البحرية
كتب حسين حاموش
منذ ما قبل وما بعد اعلان الرئيس نبيه بري عن " الاطار للتفاوض مع العدو الاسرائيلي بواسطة الأمم المتحدة وبحضور أميركي وفق قواعد تفاهم نيسان 1996 حول ترسيم الحدود البرية والبحرية "، نظمت حملة اعلامية مشبوهة معروفة المصدر والتمويل ولا داعي للتفاصيل .
وللأسف شارك فيها الى جانب الخصوم المعروفين بهويتهم وبانتمائهم السياسي بعض أصوات النشاز ،المدّعين " المعرفة والخبرة "،من بيئة الثنائي الوطني (أمل وحزب الله )وحلفائه .وقد طالت هذه الحملة الرئيس بري بالشخصي وبما يمثل سياسياً وشعبياً .
وبغض النظر عن التفاصيل مع أهميتها ،ثمة وقائع من المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية مع قبرص منذ العام 2006 ،تظهر من تنازل عن حقوق لبنان في المنطقة الاقتصادية الخالصة بين لبنان وقبرص … ومن لم يبرم الاتفاقية مع قبرص حرصاً على عدم تعكير العلاقات مع تركيا اردوغان .
وفي ما يلي الوقائع :
١ – في آذار 2019 زار مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد ساترفيلد الرئيس نبيه بري حيث كرر بإصرار "على فصل ترسيم الحدود البحرية عن الحدود البرية ،وعلى إجراء مفاوضات بين لبنان والعدو الإسرائيلي". رفض الرئيس بري عرض ساترفيلد الذي قال (بالانكليزية):"Take it or leave it". فعاجله الرئيس بري بجواب قاطع و حاسم :"وأنا أرفض أيضاً."
اثر ذلك ،زار وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الرئيس بري – خلال زيارته الى بيروت آنذاك – بحضور ساترفيلد.
سأل الرئيس بري ضيفه :"هل هذه طريقة للتفاوض ؟لا يمكنكم فرض الشروط علينا ".
وافق بومبيو على قاعدة تلازم ترسيم الحدود البرية والبحرية وعلى المفاوضات برعاية أممية.
٢ – في العام 2007 بدأت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التفاوض مع قبرص حول مسوّدة اتفاقية لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين .
منذ توقيع الاتفاقية 2007 حدد الجانب اللبناني الحدود بنقطتين مؤقتتين:الأولى جنوبا(1) والسادسة شمالاً (6)..
هذا يعني ان لبنان تراجع عن حدوده جنوبا وشمالاً.وسبب التراجع يعود الى استمرار الصراع مع العدو الاسرائيلي. و لذلك سميت النقطتان بالمؤقتتين ، فيما النقطة النهائية التي تشكل الحدود اللبنانية – القبرصية الصحيحة تحمل الرقم (23) .
٣ – في 2009 شكل لبنان لجنة وزارية للتفاوض حول تعديل اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الخالصة بين البلدين (لبنان وقبرص ) مع اضافة في نقاط أخرى .
لكن المفاوض الذي ترأس هذه اللجنة المشتركة في حكومة الرئيس السنيورة كان قد اتاح التراجع في الاتفاقية الموقعة مع قبرص 10 أميال (بحرية) اي ما يعادل 17كلم من حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية بانتظار تحديد نقطة الحدود الثلاثية ( لبنان وقبرص والعدو الاسرائيلي ) .
ظهر هذا الخطأ إبان توقيع الاتفاقية بين قبرص والعدو الاسرائيلي حيث ان المفاوض اللبناني لم يذكر ان هذه الاميال المتراجع عنها هي ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية.
٤ – في تموز 2010 ،ابلغ لبنان الامم المتحدة بناء على قرار من مجلس الوزراء بحدوده الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة مع العدو الاسرائيلي والتي حددها من جانبه وحده ،وفي تشرين الثاني 2010 ابلغ لبنان الامم المتحدة بحدوده الغربية اي بينه وبين قبرص .
بعد شهر وقعت قبرص اتفاقاً مع العدو الاسرائيلي حيث حدد الحدود مع (العدو الاسرائيلي) . واعتبرت (من قبل الطرفين) النقاط التي ابلغها لبنان الى الامم المتحدة بأنها ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للعدو الاسرائيلي ،ما يعني باللغة التقنية أنه تم الاخذ بالنقطة(1) كنقطة مشتركة بين لبنان وقبرص والعدو الاسرائيلي ،ويمكن تعديلها بموافقة الدول المعنية (لبنان وقبرص والعدو الاسرائيلي ).
حسب نص الاتفاق بين قبرص والعدو الاسرائيلي وللأسف ليس في نص الاتفاقية بين لبنان وقبرص ما يشير إلى أن المنطقة الواقعة بين النقطتين (23 و1) هي لبنانية ؟!…
٥ – في حزيران 2011 أرسل وزير الخارجية القبرصي رسالة لنظيره اللبناني اوضح فيها موقف قبرص من اعتراض لبنان للأمم المتحدة على الاتفاقية بين قبرص والعدو الاسرائيلي وعلى الخطأ الذي تضمنته الاتفاقية اللبنانية-القبرصية.
جاء في رسالة وزير الخارجية القبرصية لنظيره اللبناني:"قبرص تطمح الى دخول اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع لبنان حيز التنفيذ . وان الاتفاقية القبرصية- الاسرائيلية لا تخرق بأي شكل حقوق لبنان السيادية او حقوق اي بلد اخر ضمن اطار القانون الدولي .
وجاء في الرسالة القبرصية ايضاً : "ان البنود التي تثير قلق لبنان والذي عبر عنها في شكواه الى الأمم المتحدة يمكن معالجتها من خلال الترتيبات المذكورة في الاتفاقية".
٦) – في الخصوص المذكور اعلاه – أكد أستاذ القانون الدولي الدكتور شفيق المصري -في تصريح له – آنذاك – ل"الجزيرة نت " على :
" ان الاتفاقية بين لبنان وقبرص لم تبرم نتيجة لاعتراض تركيا عليها، على اعتبار أنها تستثني قبرص التركية ، ولأن لبنان لم يشأ تعكير علاقاته مع تركيا اوقف متابعة الاتفاقية (مع قبرص)".
على ضوء الوقائع المذكورة
يتبين ان المفاوض اللبناني – آنذاك – تنازل عن 10 أميال بحرية اي ما يعادل 17 كلم جنوباً وشمالاً بملء ارادته ، ولم يرف له جفن .
والسؤال الطبيعي هنا: لماذا لم يحرك رئيس الحكومة آنذاك ساكناً ولماذا لم يأمر بتصحيح الخطأ الذي ارتكبه المفاوض اللبناني ؟
التنازل عن 10 أميال بحرية ليس خطأ ً فادحاً بقدر ما هو جريمة بحق السيادة الوطنية . ومن غير المقبول لأي كان ان يُمنح المرتكبون اي عذر او اي سبب تخفيفي .
ثم كيف يفسر عدم ابرام اتفاقية مع قبرص – حسب الدكتور شفيق المصري – بسبب اعتراض تركيا عليها ولان لبنان لم يشأ تعكير علاقاته مع تركيا؟
لماذا ؟ وماذا قدمت تركيا للبنان في السراء والضراء ؟
لم يكن في ذلك خدمة للبنان على الاطلاق بل حرص على بعض الطبقة الحاكمة آنذاك وعلى مصالحها الشخصية مع حكام تركيا .
لقد نادى الرئيس نبيه بري بأعلى صوته و كرر في أكثر من مناسبة : لا تفريط لا اليوم ولا غداً ولا بعد غد بأي نقطة من الماء وبذرة من مخزون الغاز وبربع ميل من الحدود البحرية .
فهل يتجرأ أحد من أصحاب الحملة الاعلامية "المشبوهة " ويطلق صرخة مدوية في وجه من فرط بالسيادة الوطنية البحرية ،و في وجه من وضع جانباً حقوق الوطن اكراماً لعيون العثمانيين الجدد (في تركيا ) ؟