من لا يتعلم من التاريخ ..محكوم عليه بتكراره!
كتب أكرم بزي
)استمرار الاحتلال هو وسيلة الضغط التى تراها إسرائيل كفيلة "بفرض السلام"، ثم إن الانسحاب معناه أنه لم يتحقق "توسع" جديد. كما أن هذا الانسحاب معناه أن أكبر فصل من فصول رواية "التخويف والرعب"، ذهب بغير أن يحدث أثره الكافى على جمهور المشاهدين!). "إن الذين لا يتعلمون من التاريخ محكوم عليهم بتكراره".(محمد حسنين هيكل -17/10/1969)
عندما التقى الرئيس سليمان فرنجية هنري كيسنجر في القاعدة الجوية في رياق (كانون الأول 1973)، خرج الرئيس من الاجتماع وهو يردد "شوها الشيطان هيدا؟". بعدما سمع ما قاله عن تجنيس المسيحيين في أميركا وكندا، وحول توطين الفلسطينيين لتأمين التوازن بين السنّة والشيعة".
بصرف النظر عمّا اذا كان هذا الكلام دقيقاً أو لا، إلا أن هذا المشروع القديم الجديد حاضر دائماً وأبداً في دوائر الإدارات الفرنسية والأميركية والبريطانية، وبالأخص الصهيونية، فمنذ عام 1948 والكيان الصهيوني يحاول بشتى الوسائل تنفيذ مخطط توطين الفلسطينيين في لبنان وما جرى من "مناورات" في القمة العربية التي انعقدت عام 2002 والتي شارك فيها ملوك ورؤساء العرب واطلاق مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز حينها للسلام، كانت تهدف في ما تهدف اليه ،تمرير هذه المبادرة دون ذكر حق العودة للفلسطينيين الى أراضيهم، وهذا ما سعى اليه وزير الخارجية السعودي آنذاك الأمير فيصل بن عبد العزيز وأمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى. إلا ان تصدي رئيس الجمهورية اللبنانية العماد إميل لحود لها أفشل هذا المسعى وأحبط هذه المحاولات.
ومنذ فترة ليست ببعيدة وبحسب المصادر آنذاك (قرابة العامين)، صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنير قدّم الى الرئيس سعد الحريري عرضاً تصِل قيمته الى 6 مليارات دولار، مقابل مشاركة لبنان في صفقة القرن وترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان والكيان الصهيوني وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ،على ان تصل قيمة المساعدات الى لبنان قرابة الـ 50 مليار دولار، وقيل 100 مليار دولار ،على شكل هبات ومساعدات وقروض واستثمارات طويلة الأمد.
الرئيس إيمانويل ماكرون وفي المؤتمر الصحافي الأخير حول لبنان حمّل الطائفة الشيعيّة ممثلة بـ "الثنائي" مسؤوليّة فشل المبادرة الفرنسيّة، بالإضافة الى رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون والفرقاء الآخرين عرضاً دون ذكرهم، بالاسم. وهدد الطائفة الشيعيّة تحديداً إما القبول بالشروط "الفرنسيّة الأميركيّة" أو الاستعداد للضرب. وهذا ما ذكرني "بكلام الوزير مروان حمادة عندما بشّر الطائفة الشيعيّة بـ "قتلة" على غرار باقي الطوائف في لبنان". ويبدو أن الوزير حمادة كان لديه علم بذلك كونه "ضليع بالخبايا الفرنسية ومطبخها الأمني" وخاصة في ما يخص الوضع اللبناني منذ بداية الحرب الأهلية في لبنان ولغاية الآن. وهو كان سعيداً لهذه الخبريّة… اذ لا مانع من أمثاله ان يستعينوا بالغربي او حتى "الصهاينة" للحفاظ على مكتسباتهم واقطاعهم المتجذر أباً عن ، وأن يشفي غليل حقده من "الشيعة" ولا أعرف لماذا… ما هو ذنبهم سوى "ضرب العدو الصهيوني والتكفيريين واخراجهم من لبنان".
لماذا كان بعض المسؤوليّن اللبنانييّن وفريق 14 آذار ينتفضون كلما أتى أحد السياسيين على ذكر اللاجئيّن السورييّن في لبنان وضرورة عودتهم إلى بلدهم، هل فعلاً خائفون على مصيرهم من قبل "النظام السوري"، أم أن لديهم دوافع أخرى. فموضوع توطين الفلسطينييّن واللاجئيّن السورييّن هما سبب رئيسي من أسباب الضغوط الأميركيّة-الصهيونيّة والأوروبيّة على لبنان، وأعتقد أن ما يمارس من ضغوط، ويعلله البعض على أنه نتيجة "قوى الممانعة"، يعتبر تصورا ساذجا لدى البعض، ظاهرياً… لكنه ساكت لأن مصيره سيكون السقوط لدى مشغليّه أو المسيطرين عليه.
يقول بعض المطلعين على ما يجري في الكواليس أن ثمة غرفة عمليات أنشئت في احدى العواصم العربية ، هدفها اثارة الفوضى في لبنان واعادته الى ما كان عليه في الحرب الأهلية اللبنانية، من خلال عناصر لبنانيّة وأدوات محلية لديها الخبرة، وتقوم الآن باعداد العناصر اللازمة لتنفيذ ذلك وما نراه على الشاشات اللبنانيّة من استعراضات "كشفية – عسكرية" من حين لآخر، ليس من قبيل الاستعراض الرمزي فقط، انما هو رسائل للداخل والخارج بالاستعداد لما هو مخطط. وهناك من يقول بأن هناك بعض الخلايا السوريّة والفلسطينيّة التي يتم تدريبها للمشاركة في الأعمال القتالية المخطط لها سلفاً، وقد يكون ما جرى في الشمال مؤخراً من جرائم ارتكبتها جماعة "داعش" إحدى هذه العمليات التخريبية.
قد يكون البطريرك الماروني استشعر ما يجري على الساحة اللبنانيّة، وما نقل له من معلومات حول خطورة التغيير الديموغرافي فيما لونجح الضغط الأميركي الفرنسي الصهيوني على لبنان من خلال ما مورس لغاية الآن في الوضع الاقتصادي (قانون قيصر والعقوبات على الشخصيات اللبنانيّة ومنع دخول الدولار)، الا أنه هل يستطيع (البطريرك) منع هذه القوى من فرض توطين الفلسطينييّن وبعض "اللاجئيّن السورييّن" من خلال طرحه للحياد؟ وهل الحياد خيار واقعي وموضوعي في ما يجري، من اختلال جوهري وبنيوي في العلاقات الإقليميّة؟ وأين بات الملف السوري والمعارك التي لم تنته لغاية الآن بانتظار بلورة المواقف الدوليّة والإقليميّة من خلال إعادة التموضع والوقوف على الصورة النهائية التي ستؤول اليها الأوضاع داخل سوريا وعلى حدودها؟
وقد يكون هناك من ينتظر حرباً على لبنان من قبل العدو الصهيوني لاعادة انتاج صيغة جديدة على غرار ما جرى في العام 1982. من يعلم قد يكون هناك من ينتظر و"يفرفك يديه" بانتظار هذه اللحظة. ترى ما ستؤول اليه صورة المسيحييّن في لبنان او الأقليات بشكل عام ووفق الحسابات الأميركيّة والأوروبيّة عامة والتي لا يهمها سوى حسابات مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني في المنطقة ،غير آبهة لا بالشكل ولا بالعرق ولا بالجنس. أن ما يحدث في منطقتنا هو أكبر بكثير مما يظنه البطريرك والبعض، وأغلب ظني أن ما يجري هو إعادة رسم خرائط جديدة، والمعارك بين أرمينيا وأذربيجان على الحدود الروسية قد تنعكس نتائجها علينا، إذا ما أدت إلى الإخلال بالتوازن الدولي القائم حالياً، وقد يعيد خلط الأوراق من جديد ويرسم لوحة جديدة للمنطقة.