فتح أبواب التعاقد في التعليم الرسمي ما له وما عليه:تثبيت المتعاقدين الحاليين يسد الحاجة
كتب محمد هاني شقير:
يناضل الأساتذة المتعاقدون منذ سنوات طويلة من أجل تثبيتهم في ملاك وزارة التربية، وحتى يومنا هذا لم يحصلوا على مطلبهم هذا. وعلى الرغم من القرار الذي اتخذ العام الفائت والقاضي بوقف التوظيف أو التعاقد في مؤسسات الدولة، فإن الكتل النيابية تتزاحم لتقديم اقتراحات قوانين لاستثناء التعاقد في التعليم الرسمي من قانون وقف التوظيف والتقاعد، متذرعًة بالحاجة الماسّة الى هؤلاء ،خاصة مع ازدياد الاقبال على المدرسة الرسمية لاسباب عدة.
ويرى الباحث التربوي الدكتور فيصل زيود،"أن هذا الأسلوب ما يزال هو نفسه المتبع منذ الحرب الأهلية سنة 1975، وتفاقم بصورة حادة بعد اتفاق الطائف "وتحت مسمى استيعاب الميليشيات"، وتجلّى بغزو الميليشيات للادارة العامة بجميع مرافقها. ولا شك أن هذا الأمر أدى الى ضرب التعليم الرسمي وشلل الادارة العامة وانهيارها بشكل كامل، وأودت هذه السياسات الى عدم الاستقرار الوظيفي والى السيطرة الكاملة للمنظومة السياسية على مفاصل الدولة جميعها التي انهارت بكافة اشكالها ولا نعرف المدى الذي ستصل إليه تلك الانهيارات".
منذ الحرب الأهلية اللبنانية وحتى اليوم، بدأ تعيين الموظفين في الوزارات والإدارات العامّة والتعليم الرسمي عن طريق "الخط العسكري"، وهو ما يُعرف بالتعاقد الوظيفي بمختلف أشكاله. وقد حصلت هذه التعيينات بطرق سياسية طغت عليها المصالح والوساطة والمحسوبيات، ضاربة عرض الحائط مستوى الكفاءة والجدارة في التوظيف والمساواة بين المواطنين في تولي وظائف عامة.
وقد أدّى فساد السلطة السياسية الى تزايد الإنهيار والتدهور في مؤسسات الدولة، وتصاعدت رائحة المحاصصات السياسية لوظائف الدولة، من دون مراعاة أدنى المعايير التي تقوم عليها الوظيفة العامة من خلال تفشي ظاهرة التعاقد الوظيفي، السياسي والعشوائي، في الادارة العامة والتعليم الرسمي.
وفي رده على سؤال "الحوار نيوز" قال النائب في كتلة اللقاء الديمقراطي بلال العبدالله "إننا نسعى الى دعم المدرسة الرسمية من خلال كسر قرار منع التوظيف والتعاقد، معللاً رأيه بأن أعداد الطلاب الذين انتقلوا الى المدرسة الرسمية كثيرة جدًا، وبالتالي لا بد من التعاقد مع أساتذة جدد كي تستطيع المدرسة الرسمية القيام بواجباتها".
واضاف أنه حتى زيادة ساعات التعليم للمتعاقدين الحاليين بحاجة الى قانون، الأمر الذي نفاه الدكتور زيود نفيًا قاطعًا، وقال: إن زيادة ساعات للمتعاقدين القدامي ليست بحاجة أي قانون، إنما هو تدبير داخلي تتخذه وزارة التربية، وهناك إمكانية لزيادة التعاقد الداخلي لأساتذة الملاك والمتعاقدين القدامى من دون أي نص قانوني. وأضاف أن موضوع التعاقد الجديد هو لفتح بازار جديد بغية إدخال المحاسيب والأزلام الى التعليم الرسمي ،لأنهم يتعرضون لضغوطات، وبالتالي الهدف هو إدخال متعاقدين جدد ولو ببضع ساعات كي يقال أنهم متعاقدون في التعليم الرسمي.
من جهته منسق حراك المتعاقدين الاستاذ حمزة منصور قال: نحن كمتعاقدين آلمنا كثيرًا ان تلجأ عدة أحزاب الى بذل قصارى جهدها لاستنهاض اقتراح قانون فتح باب التعاقد ومن بينهم نواب في لجنة التربية، والذي آلمنا اكثر أن هؤلاء النواب يعلمون ان في درج لجنتهم التربوية ينام اكثر من اقتراح قانون قدمه المتعاقدون منذ سنوات، وللأسف هم يعلمون ان رئيسة لجنة التربية تمنع اقرار قانون تثبيت المتعاقدين وهم يرضخون لها.
وأضاف: سألت النواب الذين يهرولون بقوة لانعاش اقتراح قانون فتح باب التعاقد ومحاولة ادراجه على جدول أعمال المجلس النيابي في 20 تشرين اول، لماذا هذا الحماس؟ قالوا لأن عددا كبيرا من الطلاب دخلوا الى التعليم الرسمي ما يحتم استحداث ساعات تعاقد جديدة. وقد لفتنا انتباههم الى ان هناك المئات من المتعاقدين ليس بحوزتهم أكثر من ساعتين أو أربع وبالتالي يمكنهم سد الحاجة المترتبة على زيادة طلاب التعليم الرسمي.
وتابع حمزة: نقلت لهم مخاوفنا من فلتان توزيع الساعات عند صدور القانون وبالتالي الخوف من "تشليح" المتعاقد القديم ساعاته واعطائها للمتعاقد الجديد ،خصوصًا وأن ليس هناك من رقيب أو حسيب على مديري المدارس والثانويات الذين سيسمعون توصيات احزابهم لإعطاء المحظيين منهم ساعات على حساب المتعاقدين.
ويرى حمزة أن "الأولى بأعضاء لجنة التربية ان كانوا يهتمون لمعلمي الوطن، أن يطالبوا رئيسة لجنة التربية النيابية بفك أسر اقتراحات تثبيت المتعاقدين، وإن لم تفعل فعليكم إثبات وجودكم وتحريك شخصياتكم المستقلة واتخاذ قرار بتبني الاقتراحات من دون خوف من رئيسة اللجنة".
وأنهى حمزة: سعادة النواب بكل صدق اقول لكم: الكل يتهمكم بالخوف من النائب بهية الحريري أو الانصياع لها خوفًا منها أو مسايرة لها، لأن الأوامر من المجلس النيابي والاحزاب تفرض عليكم مسايرتها (ولو على حساب المتعاقدين) لأن المصالح الانتخابية والسياسية مع بهية أهم من المصالح مع المتعاقدين.
واللافت في اقتراحات القوانين التي يقدمها النواب هي أنها غير موحدة، وكل كتلة تقدم اقتراحها باسمها. فكتلة اللقاء الديمقراطي قدم مشروعها النائب بلال العبد الله، فيما كتلة الوفاء للمقاومة قدم مشروعها النائب علي فياض ،والنائب علي بزي قدم مشروع كتلة التنمية والتحرير، ونظرًا لأن جميع الاقتراحات متشابهة من حيث المضمون يكفي عرض نص مشروع كتلة الوفاء للمقاومة والذي جاء فيه:
مادة وحيدة: يضاف الى الفقرة الثالثة من المادة 80 من قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2019 ما يلي: كما يستثنى معلمو وأساتذة التعليم الرسمي في مراحله الدراسية كافة، للعام 2020 -2021، وذلك بعد دراسة تجريها وزارة التربية، تحدد فيها الحاجات المستجدة على أن تعطي الأولوية لزيادة عدد ساعات المتعاقدين القدامى و/أو التعاقد مع "الفائض" من الناجحين في مجلس الخدمة المدنية في مباريات سابقة، و/أو التعاقد مع معلمين وأساتذة جدد وفق الشروط والمعايير التي تحددها وزارة التربية.
الاسباب الموجبة:
لما كانت الضائقة المالية والاقتصادية اصابت غالبية اللبنانيين،ولما كان الاقبال على التعليم الرسمي في زيادة مستمرة،ولما كان العدد المتوقع للطلاب الذين سينتقلون الى التعليم الرسمي للمدرسة الرسمية للعام الدراسي 2020-2021 لا يتيح لها القدرة على استيعابهم بسبب النقص في الكادر التعليمي،ولما كانت المادة 80 من قانون الموازنة للعام 2019 تمنع اي شكل من اشكال التوظيف،ولما كانت الحاجة ملحة لفتح صفوف اضافية واستيعاب الاف الطلاب في التعليم الرسمي، ولما كان مجلس الخدمة المدنية سبق واجرى مباريات نجح فيها عدد فائض عن الحاجات الفعلية حينها ويمكن اعتبار ذلك معيارا للتعاقد الجديد معهم،ولما كان ذلك كله يتطلب تعديل المادة 80 من قانون الموازنة للعام 2019 بما يسمح لوزارة التربية بالتعاقد مع كادر تعليمي اضافي،فإننا نتقدم بهذا الاقتراح المعجل المكرر القانون المكرر آملين اقراره".
يعلق الدكتور فيصل زيود على هذه الاقتراحات بالقول: كان عدد المتعاقدين في التعليم الأساسي 7614 متعاقدًا عام 2000، وارتفع العام التالي إلى 8873 العام 2001/2002 ، وفي التعليم الثانوي إنخفض عدد المتعاقدين من 5345 إلى 4873 خلال السنتين المذكورتين. إن هذا العدد في جميع مراحل التعليم العام الرسمي لم يقل يومًا عن 12 ألف متعاقد، وأنه وصل العام 2003-2004 إلى ما يقارب 16 ألف متعاقد، شكَّلوا أكثر من ثلث مجموع أفراد الهيئة التعليمية.
يضيف:ان سياسة التعيين على أساس التعاقد تفاقمت وأصبحت حادة جدا، وما نشهده اليوم من تدهور وانهيار في هيكل الدولة ككل، ما هو الا نتاج هذه الممارسة العقيمة وتبديل مفهوم الولاء للوطن بالولاء للزعيم، واستقرت هذه السياسة الجديدة على حساب المواطنة، فإن التغيّر نحو سياسة التعيين على أساس الكفاءة والاستحقاق والمساواة والشباب لا يمكن إحداثه بمجرد الدعوة له، أو بالمطالبة بإلغاء التعاقد. فلا حل جذريا وسريعا إلا عبر الانتقال الى مفهوم الدولة المدنية والخروج من النظام الطائفي الحالي.