أزمة المثقف !
د.أحمد عياش
ازمة المثقف أنه يحتقر الأعراف ،لا يعترف بالتقاليد،يؤلب الشبيبة على الجيل الذي سبقه ،يحرّض الابن على جده ،يهزأ من الموروث ،يدّعي تجديده وعصرنته وفي الحقيقة يلغيه، ينتقد الدين كجسم واحد موحد وكحالة متماسكة فلا يميز بين إيجابيات المتنورين على النفس الانسانية الحائرة والتائهة في صراعاتها الذاتية الوجودية وفي نزاعاتها الخارجية المادية ، نافياً دور الروح في جعل الانسان صابراً على الالم والمصيبة وفي جعله مثابراً ومكافحا ومجاهدا من اجل الفرح،ليس لديه مشروع بديل غير جُملٍ متقاطعة مع ادب ومع فلسفة ومع علم نفس وعلم اجتماع، لا يملك رؤية أفضل مما عليه المجتمع حاليا ،يؤكد على نهاية الرأسمالية وينفر من الاشتراكية وما عاد مقتنعا بالاسلام ،منبهرٌ بنماذج ايجابية في أنظمة الغرب ولا يتحرك من مقعده قليلاً ليرى سلبيات التطور التكنولوجي على العلاقات الاجتماعية وعلى تركيبة النفس البشرية قاطبة..
لا يملك إجابات عملية واقعية لأزمات بلاده انما نصائح نظرية مستوحاة من روايات التاريخ ومن حكايا الاجداد.
"يعلك"الوقت في فمه ويحرك المكان بين اصابعه كمايلعب"بمسبحته" ويظن انه مضطهد و منبوذ لأنه يعلم ما لا يعلمه الآخرون، وان الدنيا والوطن والناس و اهله ما اعطوه حق قدره و ينسى انه نقطة في فضاء الاقدار وانه غبرة في صحراء تضارب المصالح والاستزلام والتحوّل وانه ضحية كتابه وكاتبه وشاعره المفضلون.
ازمة المثقف في بلادي ثورته على رجال دين ابتلوا بالمآسي ويعانون بقوة من قلق الموت الوجودي، فبدل ان يطرح حلا وعلاجا للموت نجده يحاول نزع العمامة عن رؤوسهم أو ما شابهها ، ليضعها على رأسه في قريته او في الحيّ الذي يسكنه او في المقهى الذي يجلس فيه على الرصيف في شارع الحمراء او في شارع متفرع بين كركول الدروز ورمل الظريف.
ما اجتمع مثقف بآخر الا ولعنا مثقفا ثالثا.
ازمة المثقف انه يريد ان ينتقم لفقره من الاغنياء بدل ان يثور من اجل الآلية الاقتصادية-المالية التي تنتج فقراء .تجده مناضلا شرساً ضد الرأسمالية وعندما تمتلىء جيوبه بالمال يهجر الاحياء الفقيرة ويتنكر للبؤساء وينعم عليهم كحسنة جارية بقصيدة شعر ليغنيها احد الفنانين الهواة. عندما تمتلىء جيوبه بالمال تصبح ايام الكفاح ذكريات صبي مشاكس مضلل بالشعارات.
ما اكثر المناضلين المرتدين الذين بهرتهم الحريرية الحياتية والبرّية السياسية والجنبلاطية الجبلية وحنّوا للمارونية السياسية عندما امتلأت بطونهم.
المثقف اول من يخون طبقة الفقراء وقضية المظلومين لو تمكن ان يسرق الكرسي من تحت مؤخرة حاكم لعين ليجلس عليها بإسم الدفتر والقلم ليتحول لواعظ لا يُناقَش، يقيم القداس وخطبة الجمعة الثقافية في المقهى بين مساكين، كتب عليهم ان يصفقوا لجنونه.
مسكين لا يدري انه ضحية برمجة فكرية تجعله يعتقد بأفكاره أعتقادا راسخا كأنه أدرك الحقيقة كاملة …
ينتقد المال والراسمالية والراسماليين وتجده ومن حيث لا يدري يدخل في لعبة المصرف كالابله ليفتح حسابا يسرقه صاحب المصرف فيما بعد ليكمل حلقات الراسمالية بتفاصيلها.
المثقف المحترم الحقيقي الذي لا يتغير في كل الظروف أكانت امعاؤه خاوية ام كانت دياره عامرة، الذي ينصر المظلوم اينما كان ويقدم الية اقتصادية-اجتماعية- ثورية تنهي انتاج الفقراء وتنهي انتشار الامراض وترفع بالانسان .
ازمة المثقف انه في كثير من الأحيان يعجب بعبثيته وبمنطقه فيبتعد اكثر واكثر عن يقين وعن منطق الناس..
غدا سنمدح صديقنا المثقف العملي معاً.. فله ايجابيات رائعة..