مكاتب الاستخدام تهزم وزارة العمل بقرار قضائي
محمد هاني شقير
في موقف مستغرب لا بل مستهجن اصدر مجلس شورى الدولة قرارًا قضى بوقف تنفيذ قرار وزارة العمل باعتماد عقد عمل نموذجي للعاملات والعاملين في الخدمة المنزلية، بعد المراجعة التي تقدمت بها نقابة اصحاب مكاتب استقدام عاملات المنازل.
فمنذ شهر تقريبًا اصدرت وزيرة العمل في حكومة تصريف الأعمال، لميا يمين دويهي، قرارًا يتعلّق بعقد العمل الموحّد الخاص بالعاملات أو العمّال في الخدمة المنزلية، وذلك تنظيماً لعلاقة العمل في ما بينهم وبين أصحاب العمل. وقد وصفته الوزيرة في حينه بأنه"خطوة متقدّمة جدّاً باتجاه إلغاء نظام الكفالة، مؤكدة أن الأهمية تبقى في التطبيق. وبرغم ذلك فقد صدرت في ذلك الوقت أصوات اعتبرت ان هذا القرار لا زال يميز العاملين في لبنان كفئات ولا يلبي حقوقهم كاملةً، ولكنهم اعتبروه أهون الشرين.
وفي هذا السياق وصفت ديالا حيدر، وهي مسؤولة حملات لبنان في منظمة "العفو" الدولية العقد بأنه، "أفضل بكثير من العقد الذي أقرَّ عام 2009، وكان لا يزال يُعمَل به، حيث إنّ هناك حقوقاً عدّة كرّست للعاملة في العقد الجديد، منها حقها في إنهاء عقد العمل والاستقالة وتغيير صاحب العمل من دون أن تخسرَ إقامتها، وربط أجرها بالحد الأدنى للأجور، ما من شأنه أن يكرّس المساواة، بينما كان هناك تمييز للعاملات بحسب الجنسية وتبعاً لكلّ مكاتب الاستقدام".
الى ذلك توجه موقع "الحوارنيوز" الى المعنيين واخذ رايهم بقرار مجلس شورى الدولة، حيث قال رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله:مع الاسف لقد جرى استبعادنا عن النقاش الذي حصل في وزارة العمل بهذا الموضوع وسجلنا اعتراضًا عليه في حينه. وبرغم الاجحاف الذي لحق بالعاملات بالخدمة المنزلية، يصرّ، اصحاب مكاتب الاستخدام المنزلي، وهم بمثابة تجار بشر، على رفض نظام العمل الجديد لهذه الفئة كونه يمس بربحهم المادي، ويريدون ان يبقى نهر المال يجري الى جيوبهم. ونحن رفضنا تلك الاتفاقيات المجحفة والمجزأة بين فئات العمال والمستخدمين، وبرغم ذلك للاسف لجأت تلك المكاتب الى القضاء وتمكن اصحابها من تعطيل القرار، وبالتالي نستهجن ونستغرب ضرب حقوق هؤلاء السيدات الذين يعانون من عدم قبض مرتباتهم وبعضهم يقفون بالمئات امام ابواب السفارات يوميًا، وتزيد مأساتهن لأن كثيرا من اصحاب العمل كسروا اقاماتهم وطلبوا إليهن مغادرة المنازل وذلك بسبب الازمة الاقتصادية التي انعكست على سعر صرف الدولار وانهيار الليرة اللبنانية. كل هذه المأساة لم تشفع لهذه الفئة من العاملين، لتستمر سياسة الاجحاف بحقهن من قبل اصحاب مكاتب الاستخدام الذين جل همهم هو مراكمة اموالهم ولو على حساب المستخدمين، وهم ليسوا على استعداد لتحمل اي مسؤولية نحوهم.
يتابع عبدالله;:نرفض هذا القرار ونعتبره مجحفًا وكان على مجلس شورى الدولة ان ياخذ بالاعتبار اتفاقية رقم 189 الخاصة بالعمل اللائق للعاملين بالخدمة المنزلية، ولا سيما وان لبنان صوت في المؤتمر 100 بجنيف لصالح هذه الاتفاقية بنعم، وبالتالي كان عليه ان يعدل قانون العمل والتشريعات المتعلقة به ليتماهى مع مضمون هذه الاتفاقية بدلاً من التحجج بحجج واهية لا تسمن ولا تغني من جوع. لذلك سنوجه دعوة للنقابة والعاملات مطلع الاسبوع المقبل وسنسجل موقفنا ونلجأ لجميع الهيئات ذات الصلة لمتابعة هذا الموضوع كي لا يبقى نظام الكفالة السيء لاحقا بهؤلاء العاملات، علمًا انه يعاني من مشكلة في فهم بعض مندرجاته بحيث لم يعرف حتى تاريخه هل سيطبق على الموجودين في لبنان فقط؟ وهل سيشمل الذين سيجري استقدامهم لاحقًا؟ نحن كاتحاد ندين هذا التوجه الذي اقدمت عليه تلك المكاتب وينطبق علينا المثل القائل قبلنا بالظلم والظلم لم يقبل بنا!
من جهتها المسؤولة الإعلامية في جمعية فيمايل فاطمة زين الدين قالت ل "الحوارنيوز":في الوقت الذي كنا ننتظر أن تُقرّ آلية واضحة تضمن تنفيذ بنود عقد العمل الموحد، وإلغاء نظام الكفالة، عاجلنا قرار مجلس شورى الدولة والذي اذا ما أردنا أن نتحدث عنه بالشكل نتحدث عن انتصار الجهة المدعية في أوّل فرصة، وهي نقابة عاملات المنازل التي تعيش محطة مصيرية فرضتها الأزمة الاقتصادية بالتزامن مع أرقام تتحدث عن فقدان القطاع ٨٠ % من طاقته، وما زاد من أزمته توجه وزيرة العمل إلى إعلان عقد العمل الموحد بعد أكثر من عام من النقاشات والتي كانت تهدف إلى إنهاء نظام الكفالة الذي كرّس عبودية حديثة ضد آلاف عاملات المنازل الأجنبيات في لبنان، ونذكر هنا أن الجهة التي تعتبر منتصرة عليها علامات استفهام كبيرة وضعت على أدائها تبدأ بتعنيف العاملات والاتجار بهنّ ولا تنتهي باستقطاع جزء من رواتبهنّ بلا أدنى وجه حق.
ونحن في جمعية فيمايل رغم الملاحظات التي أبديناها على عقد العمل الموحد ولعل أبرزها عدم وجود آلية واضحة تسهم في تطبيقه وحماية العاملات المنزليات، نؤكد على خطورة هذا القرار الذي يعيد نضالا عمره سنوات إلى الوراء كما أنّه يعكس كيفية تعاطي السلطات اللبنانية مع القضايا ،خاصة أن إبطال عقد العمل الموحد من قبل مجلس شورى الدولة استند إلى 11 سبباً أبرزها مخالفته أحكام قانون الموجبات والعقود ومخالفته مبدأ الفصل بين السلطات وتجاوز ما سمته وزيرة العمل صلاحياتها في مرحلة تصريف الأعمال وغيرها من الأسباب، ما يثبت أننا أمام تعاطي وزارة العمل وإقرارها
عقدا غير مدروس ولا يستند لأحكام التشريعات اللبنانية في قضية تمس اليوم العشرات من عاملات المنازل اللواتي منهن من فقدن حياتهن والمئات منهن يتخذن من الشوارع مأوى لهنّ، وغيرهنّ ممن يخضعن اليوم لكفلاء يتحكمون بمصائرهنّ ومستقبلهنّ.
الى متى ستبقى عقود العمل في لبنان مجزأة، وليست موحدة، بحيث انها تساوي بين جميع العاملين والعاملات، وتكون لهم الحقوق ذاتها والواجبات، بلا أي تمييز فيما بيهم؟ ثم أن السؤال المستغرب هو كيف يستصدر مجلس شورى الدولة قرارًا يناصر فيه أصحاب الأموال على من تركوا اوطانهم وذويهم وأولادهم وجاؤوا يبحثون عن عملٍ يقيهم شر العوز؟