الحوار نيوز – خاص
نحو مائة قتيل وعشرات الجرحى هي الحصيلة النهائية للإنفجارين الانتحاريين اللذين وقعا أمس قرب مطار كابول في أفغانستان ،بينهم 13 جنديا أميركيا و28 عنصرا من حركة “طالبان” بحسب المعلومات الواردة من العاصمة الأفغانية والمتوفرة من مصادرها العديدة ،وهو ما دفع الرئيس الأميركي جو بايدن الى القول إن لا علاقة لطالبان بالعملية.
وفي حين أعلن “تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان” مسؤوليته عن العملية ،أكدت الولايات المتحدة عزمها على استمرار عمليات الإجلاء واستكمال الانسحاب من أفغانستان في نهاية الشهر الجاري.
وذكرت وكالة أنباء “أعماق” التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في حسابها على قناة تليغرام أن التنظيم أعلن مسؤوليته عن الهجوم. وقال التنظيم إن “عشرات القتلى والجرحى سقطوا في صفوف القوات الأميركية والمتعاقدين المتعاونين معهم بتفجير استشهادي في العاصمة كابل”.
في أي حال ،المجزرة الجديدة فتحت الأعين على مستقبل أفغانستان من جديد ،والصراع المفتوح بين طالبان وخصومها ،لا سيما تنظيم الدولة – ولاية خراسان ،فمن هو هذا التنظيم الذي نشأ من رحم حركة طالبان وانشق عنها؟
“تنظيم الدولة ولاية خراسان”..
موقع “الجزيرة نت” ألقى الأضواء على هذا التنظيم ونشأته على النحو الآتي:
ـ ظهر تنظيم الدولة لأول مرة في منطقة وزيرستان الباكستانية إثر انشقاقات حصلت في حركة طالبان، بعد مقتل حكيم الله محسود أمير حركة طالبان باكستان في هجوم لطائرة أميركية مسيرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2013.
ـ برز وقتها لخلافة محسود 3 أسماء قوية، هم المولوي فضل الله الزعيم الحالي لحركة طالبان باكستان، وسيد خان سجنا، وحافظ سعيد خان أوركزاي، وحُسِم الخلاف ونصِّب المولوي فضل الله أميرًا على حركة طالبان باكستان.
ـ انشقَّ حافظ سعيد خان عن الحركة، وبدأ يقود مجموعته المسلحة في منطقة “أوركزاي” بعيدًا عن الجسم العام لحركة طالبان باكستان، إلى جانب بعض المجموعات الأخرى التي انشقت عن طالبان، أو لم تكن تجد لنفسها مكانًا داخل الحركة.
ـ منتصف يناير/كانون الثاني 2015: تجمع أمراء عدة مجموعات مسلحة من مناطق قبلية باكستانية ومن داخل أفغانستان في منطقة ما في باكستان على الشريط الحدودي بين البلدين، وبايعوا حافظ سعيد خان أوركزاي أميرًا لهم.
ـ قدم الأمير حافظ سعيد خان أوركزاي البيعة إلى “إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي” وشهرته “أبو بكر البغدادي” الزعيم السابق لتنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق، ثم بايع الأمراء مجتمعين البغدادي ونشروا وقائع هذه البيعة.
ـ بعد فترة وجيزة أعلن تنظيم الدولة إنشاء ولاية خراسان، وضمها إلى دولته في شريط فيديو تحدث فيه الناطق باسم التنظيم أبو محمد العدناني، قائلًا “أُبشِّر المجاهدين بامتداد الدولة الإسلامية إلى خراسان، فقد استكمل المجاهدون من جنود الخلافة الشروط، وحققوا المطالب لإعلان ولاية خراسان، فأعلنوا بيعتهم لأمير المؤمنين حفظه الله الخليفة إبراهيم (البغدادي)، وقد قَبِلها”.
ـ تشمل المناطق التي يطلق عليها تنظيم الدولة اسم “ولاية خراسان” أفغانستان وجزءًا من باكستان، كما أنها تشمل إيران وأوزبكستان وكزاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان.
ـ عيّن تنظيم الدولة حافظ سعيد خان واليًا على ولاية خراسان، كما عيّن “أبا طلحة عبد الرؤوف خادم” نائبًا له.
ـ برر سعيد خان انشقاقه عن طالبان ومبايعته لتنظيم الدولة في رسالة صوتية له بقوله “جاز لهذه المنظمات أن تعمل في غياب كيان الخلافة بهدف إيجاده، ولكن بقيام الخلافة يجب على الجميع مبايعة البغدادي خليفة المسلمين، ومن يمُتْ بغير بيعة يمُتْ ميتة جاهلية، ولا يجوز بعد اليوم أن يستمر وجود هذه المنظمات الجهادية في المنطقة، وعليها أن تقدِّم البيعة والولاء لولاية خراسان”.
ـ يوليو/تموز 2015: تعرض سعيد خان لقصف من طائرة مسيرة ونُشر خبر مقتله، إلا أنه نجا من تلك المحاولة.
ـ انضم إلى “ولاية خراسان” مجموعات من المسلحين في أفغانستان، ليتحقق وجود تنظيم الدولة في المنطقة.
ـ لم يضم تنظيم الدولة في أفغانستان وباكستان في صفوفه أفرادا جددا، بل أغلب من انضم إليه هم من أتباع حركتي طالبان أفغانستان وطالبان باكستان، وخاصة من أتباع مدرستي “الجهادية السلفية” وجماعة “إشاعة التوحيد” التي ما زالت نشطة في إقليم خيبر بختونخوا بباكستان.
ـ شكّل الإعلان عن رحيل الملا عمر في 29 يوليو/تموز 2015، فرصة كبيرة لتنظيم الدولة لاستقطاب المزيد من عناصر طالبان، فمن كانت له بيعة في عنقه للملا عمر أصبحت غير قائمة بعد وفاته، مما أجاز لمن يرغب من عناصر طالبان مبايعة التنظيم والالتحاق بولاية خراسان.
ـ من أبرز الأسماء التي أعلنت انضمامها لتنظيم الدولة في أفغانستان وباكستان الشيخ أمين الله البيشاوري والشيخ عبد الرحيم مسلم دوست -أحد المشايخ السلفيين المشهورين في ولاية ننغرهار- الذي كان من أوائل المبايعين لخليفة تنظيم الدولة، وكان عامة السلفيين من أكثر الناس ترحيبًا به في شرق أفغانستان وخاصة في ولاية ننغرهار.
ـ يبدو أن انضمام أتباع من هاتين المدرستين إلى تنظيم الدولة سببه ميل هؤلاء إلى التشدُّد في كثير من القضايا، فهم يشتركون في النهج السلفي مع تنظيم الدولة، ورغم أنهم كانوا أعضاء في حركة طالبان أفغانستان وباكستان، فإنهم كانوا يشعرون أنه غير مرحّب بهم داخل طالبان التي تحمل طابعًا خاصًّا داخل المذهب الحنفي، وينتمي أفرادها إلى مدرسة فكرية خاصة فيه تُعرف بـ”الديوبندية”.
ـ كما يبدو أن سياسة تنظيم الدولة في تدمير الكثير من القِباب والأضرحة والمساجد الأثرية في العراق والشام باسم محاربة البدع والشرك استهوت أتباعًا من هاتين المدرستين وقرّبتهم إليه.
ـ يقول عبد الرحيم مسلم دوست مفتي التنظيم إنه كان يجاهد “الكفر العالمي” بجانب حركة طالبان، ولم يكن له أي منصب رسمي فيها، “ولما علمنا أنها عميلة للاستخبارات الباكستانية، ووجدنا ميدانًا آخر للجهاد وهو تنظيم الدولة، انضممنا إليه، وتركنا طالبان”.
ـ من قادة التنظيم الملا عبد الرؤوف خادم أبو طلحة ومسقط رأسه قرية “آذان” بمديرية “كجكي” بولاية هلمند، وينتمي إلى قبيلة عليزاي البشتونية.
ـ شارك خادم في “الجهاد” في ثمانينيات القرن الماضي، وانضم إلى حركة طالبان بعد ظهورها في بداية التسعينيات.
ـ كان يقود فيلق “هرات” مع طالبان، وكان يعتبر أحد المقربين من زعيم الحركة الملا محمد عمر، وجمعته علاقات جيدة بالمقاتلين العرب الذين كانوا في هرات من بينهم أبو مصعب الزرقاوي.
ـ اعتقله الأميركيون في 2001 بعد سقوط إمارة طالبان، ومكث 6 سنوات في سجن “باغرام” ومعتقل “غوانتنامو”، ولما أُطلق سراحه عام 2007 انضم مجددًا لصفوف طالبان وتولى مناصب مهمة وقيادية فيها، إلى أن وقع الخلاف بينه وبين قيادة الحركة “لتهميشها له”.
ـ حسب الاستخبارات الأفغانية، استطاع خادم في أواخر عام 2014 السفر إلى العراق، حيث عيِّن من قبل تنظيم الدولة نائبًا لوالي خراسان، ولما رجع إلى أفغانستان، إلى هلمند، حاول أن يجمع حوله السلفيين بمديرية “بكوا” بولاية فراه إلى جانب قادة ميدانيين من طالبان في هلمند والولايات المجاورة لها، إلا أنه تعرض لهجوم من قِبل طائرة مسيرة فقُتل يوم 11 من فبراير/شباط 2015.
أبرز قادة التنظيم
ـ أبو عمر الشيخ مقبول المعروف بـ”شاهد الله شاهد”: أحد أهم الشخصيات في حركة طالبان باكستان من منطقة أوركزاي القبلية من قبيلة مامون زاي، عيِّن ناطقًا رسميًّا باسم حركة طالبان عام 2013 لإتقانه لغات مختلفة منها العربية، كان سلفيًّا ومن أوائل من استقال من حركة طالبان وبايع تنظيم الدولة في باكستان في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، إلا أنه قُتل في 9 من يوليو/تموز 2015 بهجوم لطائرة مسيرة في ولاية ننغرهار.
ـ الشيخ عبد الرحيم مسلم دوست: هو عبد الرحيم بن عبد المنان، مسقط رأسه مديرية “كوت” بولاية ننغرهار أفغانستان، من الكُتَّاب السلفيين المعروفين منذ ثمانينيات القرن الماضي، درس في المدارس الدينية في أفغانستان وفي باكستان، وسافر إلى السعودية حيث التقى هناك بجماعة جهيمان، واعتقلته السلطات السعودية بسبب ذلك، إلا أنه تمكن من الفرار من معتقل “تربة البقوم” حسب روايته.
ـ في 2001 اعتقلت المخابرات الباكستانية دوست وسلّمته للأميركيين، فسُجن في معتقل غوانتنامو مع أخيه “بدر الزمان” لفترة، وبعد إطلاق سراحه تم اعتقاله مرة أخرى من قِبل الاستخبارات الباكستانية، وبقي رهن الاعتقال 3 سنوات إلى أن أُطلق سراحه في عملية تبادل للأسرى بين حركة طالبان والحكومة الباكستانية، ومن ذلك اليوم وهو يتنقّل في المناطق القبلية الباكستانية والمناطق الحدودية الأفغانية، وكان يعتبر من منظِّري تنظيم القاعدة في المنطقة قبل أن يبايع تنظيم الدولة.
ـ هناك شخصيات أخرى لم تشتهر كثيرًا، ولم تُعرف إلا أسماؤهم أو المجموعات التي يقودونها، لكنهم شكَّلوا النواة الأولى لتنظيم الدولة في المنطقة مثل الشيخ جل زمان الفاتح، أمير مجموعته في منطقة خيبر بباكستان (قُتل)، والشيخ عمر منصور أمير مجموعة المسجد الأحمر (لال مسجد) في إسلام آباد، وسعد الإماراتي أمير مجموعة سعد بن أبي وقاص في ولاية لوجر بأفغانستان، وعبيد الله البيشاوري أمير مجموعة التوحيد والجهاد في بيشاور باكستان.
ـ ومن هؤلاء أيضا الشيخ عبد القاهر الخراساني، أمير مجموعة أبطال الإسلام، والشيخ محسن أمير مجموعة في ولاية كونر بأفغانستان، وطلحة أمير مجموعة في منطقة “مروت” القريبة من منطقة وزيرستان بباكستان، وحافظ دولت أمير مجموعة مسلحة في منطقة “كرم” القبلية في باكستان، وخالد منصور أمير مجموعة مسلحة في منطقة “هنكو” في باكستان، والشيخ المفتي حسن أمير مجموعة مسلحة في بيشاور بباكستان.
يعتبر تنظيم الدولة الحكومات القائمة في المنطقة “حكومات مرتدة وعميلة للصليبيين” وفق ما صرّح به “والي خراسان” حافظ سعيد خان، ويعتبر طالبان بشقَّيْها الأفغاني والباكستاني، و”القاعدة” مرتكبين لنواقض الإيمان الذي منه تولِّي الكفار والمرتدين، كما أن أفرادهم -في زعمه- مرتكبون “للشرك الأكبر”، لا سيما أن تنظيماتهم “تتحاكم إلى الطاغوت بدل التحاكم إلى الله”.
ـ تحدث منظِّرو تنظيم الدولة عما سمُّوه “ضلالات حركة طالبان” بالتفصيل في مقال مطوّل كتب تحت اسم “أبو ميسرة الشامي” وبعنوان “فاضحة الشام وكسر الأصنام”.
ـ جاء في المقال “وأكثر أمرائهم لهم علاقات مع طوائف التجسس المرتدة في باكستان (الـ “آي إس آي”)، وكثير من جنودهم على شرك أكبر مُخرِج من الملة بدعاء الأموات والاستشفاع بهم والنذر لهم والذبح لهم والسجود لقبورهم، وكثير من طوائفهم يحكمون الآن بالأعراف القبلية دون الأحكام الشرعية في مناطق يدّعون فيها التمكين، ثم دينهم “الملا” كل ملا (أي ليس الملا عمر خاصّة)، فما أوجبه من الحرام أوجبوه وما حرّمه من الحلال حرّموه، لا يعرفون القرآن والسنن إلا للتبرُّك…”.
ـ ذكر أن الخلاف بينهم وبين طالبان في الأصول، وفي نهاية المقال هدّد حركة طالبان بالقتال، وأنه لا تعارض بين قتال الصليبيين وقتال طالبان، وأن تنظيم الدولة سيقاتل الفريقين كما قاتلهما في العراق والشام.
ـ اندلعت اشتباكات شديدة بين تنظيم الدولة وحركة طالبان في عدة مديريات من ولاية ننغرهار مثل “مامند” و”أتشين” و”سبين غر” و”كوت” و”بتي كوت” و”رودات” و”هسكه مينه” و”خوكياني” و”شيرزاد” و”تشبرهار” و”بتشيروآغام” وغيرها، أدت إلى مقتل العديد من الطرفين.