كتب عباس صباغ:
يتناقل اللبنانيون طرفة مفادها ان جاراً سأل جاره في اي صف ابنك، فاجابه، الكبير بصف البنزين والوسطاني بصف الغاز والصغير ناطر امام الفرن.
هي حقيقة مرة يزيد المسؤولون المتحكمون بالبلاد والعباد من مرارتها. فكل شيء اضحى طابورا ولم يعد استذكار ايام الطوابير في الاتحاد السوفياتي مدعاة للسخرية علما ان هناك في بلاد السوفيات ادبيات الطوابير ولا حاجة لعناصر امنية لتنظيمها.
امام محطة البنزين طوابير لكيلومترات في انتظار تعبئة صفيحة من الذهب الاسود. ورحلة الحصول على البنزين تبدأ من الحفاظ على الصف وضمان عدم تسلل سيارة لشاب طائش او سيدة تبكي بسبب فقدانها تلك المادة وحاجتها للبنزين للوصول الى بلدتها.
بعد استعانة صاحب المحطة بالقوى الامنية، يبدأ مسلسل الاذلال الثاني.
جنود من الجيش ينتشرون بين السيارات التي يفوز أصحابها في نهائي الوصول الى ماكينات التعبئة. الى هذا الحد يبقى الامر مقبولا، لكن لحظات ويعلو الصراخ وتبدأ الغالونات تتطاير في الهواء ويستل جندي خنجره ويمزق تلك الغالونات علما ان سعر الغالون سعة 20 ليترا فارغاً بلغ 60 الف ليرة. الصراخ يعلو والضابط آمر الفصيلة ينتقل من مكان الى اخر وهنا تبدأ الاستنسابية.
تقترب سيدة وطفلها من الضابط تطلب تعبئة غالون سعته 9 ليترات. يصرخ عاليا ويركل الغالون برجله فيصرخ طفلها. يسأله احد المواطنين لماذا تمنعها وانت سمحت لغيرها، يجيبه النقيب: ” انت شو دخلك، اسكت…”.
تواصل السيدة التوسل مرة واثنتين وثلاثا… يغادر النقيب لفتح الطريق لسيارة اتية بعكس السير وهي يبدو انها تتبع لمسؤول. تدخل السيارة وتملأ خزانها وتغادر خلال دقيتين اما سائر المواطنين فينتظرون.
على ضفاف الطابور شبان احضروا الاراكيل والشاي والكراسي وبعضهم بات ليلته امام المحطة.
اما العاملون على المحطات فباتوا يعرفون من اين تؤكل الكتف وكيف يعرضون البنزين بأسعار خيالية وكيف يعملون على تمرير هذا ومنع ذاك وكيف يتم ادخال السيارات من دون الوقوف في الطابور وكل ذلك يجري تحت اعين اصحاب المحطات وان كان هؤلاء غير قادرين على ضبط الامور فإنهم ايضا يقعون في شرك الواسطة على الطريقة اللبنانية.
هي حلقة من حلقات اذلال الناس على طول الوطن من شماله الى جنوبه بينما المهربون يجمعون الثروات من اموال المودعين ويدفع المودعون اولا من أموالهم لدعم المحروقات ومن ثم يدفعون من أعصابهم ويذلون كل دقيقة.
*بالتزامن مع الزميلة النهار