بقلم د.عماد عكوش
منذ العصر الروماني تشكلت هوية مرفأ بيروت الاقتصادية ، إذ عرف بكونه مركزًا تجاريًا واقتصاديًا مهمًا، وباتت بيروت مركزًا مهمًا في حركة الاستيراد والتصدير، ما أدى إلى تدفق السلع الأوروبية إلى السوق اللبنانية، والعكس صحيح ، ونظرا” للأهمية التي حققها لاحقا” قيل فيه بأنه مرفأ ركب له دولة . في أثناء الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990 أُغلق الميناء وتوقفت الأنشطة ، بعد العام 1991 أعيد النشاط لمرفأ بيروت وأصبح منافسا أساسيا في المنطقة .
مرفأ بيروت هو الميناء البحري الرئيسي في لبنان ويشكل مركز التقاء للقارات الثلاث: أوروبا، آسيا، وأفريقيا، وهذا ما جعل منه ممرًا لعبور اساطيل السفن التجارية بين الشرق والغرب. ويضم الميناء المملوك للحكومة اللبنانية أربعة أحواض يصل عمقها إلى 24 مترًا، إلى جانب آخر خامس كان تحت الإنشاء ، بالإضافة إلى 16 رصيفًا ومنطقة شحن عامة مكونة من 12 مستودعًا ، وصوامع لتخزين القمح والحبوب ، تعد بمثابة خزان احتياطي إستراتيجي للقمح للبلاد أضافة ألى ذلك يضم المرفأ :
-
منطقة حره
-
يتضمن حركة حوالي ستة ملايين طن / سنة
-
ويستقبل حوالي 1 مليون حاوية نمطية / سنة
-
وحوالي ثلاثة الاف سفينة / سنة
-
الرصيف الجديد : طول : 600 م عمق :15.5 م
-
محطة المستوعبات الجديدة :مساحة : 244000 م م استيعاب : 700000 وحدة نمطية / سنة
مرافئ بديلة لمرفأ بيروت :
أظهر تفجير مرفأ بيروت ، الدور البديل لمرافئ حيوية لبنانية أخرى يمكن أن تكون بديلاً مؤقتاً عن المرفأ الذي كان يستقبل 70% من البضائع المستوردة الى لبنان عبر البحر. كما كشف عن الجانب القانوني المعقد الذي يحيط بتلك المرافئ وطريقة ادارتها، خصوصاً وأنها تخضع لرقابة لاحقة من ديوان المحاسبة، شأنها شأن الكثير من المؤسسات العامة في لبنان ، كما أبرز عدم وجود ضبط كامل وكاف للمرافئ وخاصة مرفأ طرابلس والذي يسبب اليوم هدرا كبيرا في الرسوم الجمركية والضريبية والمفترض أستيفاؤها على البضائع المستوردة عبره .
وإذا كان الحديث يتركز حالياً على المرافىء البديلة على طول الخط الساحلي عن مرفأ بيروت لإنجاز عمليات الإستيراد والتصدير اليومية، كمرفأ طرابلس (شمالي لبنان)، ومرفأي صيدا وصور (جنوب لبنان)، فإن العديد من المراقبين يرون أن السعة الاستيعابية لمرفأ بيروت لا يمكن تعويضها بسهولة.
مقارنة مع مرافئ المنطقة
-
ميناء حيفا: يُعتبر ميناء حيفا منذ القدم، أهم موانئ فلسطين التاريخية. وهو اليوم أكبر موانئ “إسرائيل” الدولية الثلاثة الرئيسية، والتي تشمل ميناء أشدود، وميناء إيلات. وهو ميناء طبيعي ذو مياه عميقة، ويعمل على مدار السنة، ويخدم كلا من الركاب والسفن التجارية.
-
ميناء الإسكندرية البحري له موقع الريادة في جمهورية مصر العربية في ما يتعلق بحجم الحركة التجارية ، حيث يتم تداول حوالي 60٪ من تجارة مصر الخارجية . الإسكندرية هي ثاني أهم مدينة في جمهورية مصر العربية وهو ميناؤها الرئيسي . ولديها أكثر من ثلاثة أرباع التجارة الخارجية للبلاد. يوجد في الإسكندرية ميناءان (الميناء الشرقي) بين شبه الجزيرة ، ولا يستخدم الميناء الشرقي الضحل في الملاحة.
-
مرفأ اللاذقية : تم إنشاء مرفأ اللاذقية عبر مرحلتين : المرحلة الأولى بين (1954-1958) والمرحلة الثانية بين (1974-1985) إلى أن وصل لوضعه الحالي حيث أصبح يمتلك المرافق والبنى التحتية التالية:
– 15 رصيفا آمنا بطول 3200م بغاطس يتراوح بين – 8 إلى – 13.3م لاستقبال سفن الحاويات والبضائع العامة والدوكمة والبضائع السائلة وسفن الركاب.
– يمتلك مرفأ اللاذقية شبكة سكك حديدية متميزة بطول 34 كم وتغطي كافة أرجاء المنطقة المرفئية.
الخسائر التي حصلت:
في 4 أغسطس/آب الماضي وقع انفجار هائل في مرفأ بيروت، صنف أنه ثالث أقوى انفجار في العالم وأدى إلى وفاة أكثر من 200 شخص، وما يزيد عن 6 آلاف مصاب وعشرات المفقودين، إلى دمار مادي هائل. ما تزال عمليات إزالة الركام الذي خلفه الانفجار مستمرة، فحجمها الهائل الذي تجاوز 300 ألف طن من الأحجار والردميات والخردة ومخلفات المرفأ يشكل إحدى العثرات أمام الإسراع في عملية إعادة الإعمار.
قال مدير مرفأ بيروت باسم القيسي إن الخسائر في مرفأ بيروت بلغت 350 مليون دولار، بين مستودعات وأبنية و مواد مخزنة . وأشار القيسي إلى أن “الردميات التي خلفها الانفجار تقدر بنحو مليون و300 ألف متر مربع، أو 300 الف طن، ولكن ستكون لدينا أرقام أكثر دقة بعد حوالي أسبوعين”.ولفت إلى أن “سعر طن الخردة من الردميات هو حسب نوعها، لكن معدل سعر الطن الواحد حوالي 250 دولار.. تكلفة إعادة بناء المرفأ بدون صوامع الغلال، فهي ليست من مسؤوليتنا، وتبلغ حوالي 200 مليون دولار . وصوامع القمح التي دمرها انفجار المرفأ، بنيت في أواخر الستينيات في عهد رئيس الجمهورية الراحل شارل حلو، بهبة من دولة الكويت وقد دشنت سنة 1970، وقدرتها التخزينية تصل إلى 120 ألف طن، وارتفاعها 63 متراً، وكلف بناؤها 2.5 مليون دولار.
على صعيد الخسائر البشرية، بلغ عدد الضحايا أكثر من 200 قتيل وأكثر من 6000 جريح وما يزيد عن 300 ألف مشرد فقدوا منازلهم عقب الانفجار مباشرة، إضافة إلى آلاف المنازل والشقق التي دمرت أو تضررت، وما يزال عدد كبير من العائلات تقيم في الفنادق لعدم جهوزية منازلهم للسكن فيها.
كل هذه الخسائر خفضت قدرة مرفأ بيروت على العمل بشكل كبير جدا وصل ألى حدود الثلث تقريبا ، وأذا ما أضيفت عليها العوامل الأخرى نجد أن نشاطه الفعلي أنخفض ألى أقل من الربع .
العقوبات على سوريا وتأثيرها على عمل المرفأ :
قد لا تشكل الدولة اللبنانية هدفا مباشراً لقانون “قيصر” الأميركي، إلا أن اقتصادها سيكون من دون شك في مرمى العقوبات، لما له من ارتباطات على مختلف المستويات الرسمية منها والخاصة .
يستهدف قانون “قيصر” بشكل واضح “كل شركة أو كيان أو حتى أفراد من الداخل السوري أو من أي دولة خارجية للعقوبات ، إذا ما دخلوا في علاقات تجارية مع الدولة السورية ، أو قدّموا الدعم العسكري والمالي والتقني“.
وفق أرقام إدارة الجمارك اللبنانية، يبلغ حجم التجارة الخاصة بين لبنان وسوريا في العام 2019 نحو 92 مليون دولار للاستيراد، ونحو 190 مليون دولار للتصدير. أما في السنوات ما قبل أقرار قانون قيصر فكانت الحركة التجارية ما بين البلدين المسجلة تتجاوز هذه الأرقام بأضعاف حيث بلغت قبل الأزمة السورية عام 2011 على الشكل التالي :
-استيراد 310 مليون دولار
-تصدير 215 مليون دولار
هذه الحركة التجارية كانت تستخدم بمعظمها مرفأ بيروت حيث أن معظمة عمليات التصدير لسوريا هي عبارة فعليا عن عمليات ترانزيت تمر عبر مرفأ بيرت .
التطبيع مع أسرائيل وأثره على عمل المرفأ :
في 16 سبتمبر/أيلول الجاري، وقعت شركة موانئ دبي العالمية سلسلة اتفاقات مع شركة “دوفرتاور” الإسرائيلية، تشمل التقدم بعرض مشترك لخصخصة ميناء حيفا، المطل على البحر المتوسط، وهو واحد من ميناءين رئيسيين في “إسرائيل” . وقالت موانئ دبي ، في بيان ، إنها ستدخل في شراكة مع مجموعة إسرائيلية لتقديم عرض من أجل أحد الميناءين الرئيسيين ، وستدرس فتح خط شحن مباشر بين الإمارات و”إسرائيل”.
إعلان الشركة ، المملوكة لحكومة دبي، جاء بعد يوم من توقيع الإمارات وإسرائيل اتفاقاً تاريخياً لتطبيع العلاقات، ما يُمهّد لتعاون تجاري واقتصادي كبير بينهما . وتغطي مذكرات التفاهم مجالات تعاون تشمل قيام “موانئ دبي العالمية” بتقييم تطوير الموانئ الإسرائيلية، وكذلك تطوير مناطق حرة، وإمكان إنشاء خط ملاحي مباشر بين ميناءي إيلات وجبل علي . كما تشمل مساهمة “جمارك دبي” في تسهيل التجارة بين المؤسسات الخاصة من الجانبين، واستكشاف فرص العمل مع أحواض بناء وإصلاح السفن الإسرائيلية على مبدأ المشاريع المشتركة.
المصالحة بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية قادرة على أن تفتح الباب على ميناء حيفا، خاصة أنه أقرب جغرافياً إلى الدول الخليجية . وفي حال قررت الدول العربية أن تأخذ مرفأ حيفا لها باباً ، فإنه بالتأكيد سيتأثرحجم عمل المرفأ بذلك كثيرا وسيتم تصفير عمليات الترانزيت نحو دول مجلس التعاون الخليجي.
الأزمة يُضاعفها عمل إسرائيل على إنشاء سكة حديد بين تل أبيب وإيلات ، هذه السكة تعيد النمو إلى ميناء حيفا بشكل كبير . كما تستهدف إسرائيل من إحياء ميناء حيفا بالشراكة مع الإمارات ، مد خطوط النفط البرية من الإمارات عبر السعودية ، والأردن إلى إسرائيل ، حيث سيكون ميناء حيفا هو الذي ينقل هذا النفط .
يبقى أن نقول أن التحسينات والتطوير في الأداء والأنتاجية وحدهما سيكونان عاملين أساسيين في جعل مرفأ بيروت مرفأ منافسا، وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه بواسطة الأدارة الحالية التي تعمل بروح المؤسسة العامة ،ولا بد من أدخال القطاع الخاص في عملية أعادة الأعمار وفي عقلية الأدارة التي تتحكم بها روح البيروقراطية غير المنتجة .
كلفة أعادة البناء والفرص المتاحة:
نقلت وكالة “رويترز” عن مصدرين مطلعين أن ألمانيا قدمت مقترح تبلغ تكلفته مليارات الدولارات إلى السلطات اللبنانية ،وذلك لإعادة إعمار مرفأ بيروت ، في محاولة لاستقطاب السياسيين نحو تشكيل حكومة قادرة على وضع حد للانهيار المالي في البلاد . ونقلت رويترز عن مصدرين دبلوماسيين اطلعا على الخطط أن ألمانيا وفرنسا تخوضان منافسة لقيادة جهود إعادة الإعمار في لبنان.
وقدرت المصادر أن التمويل الذي سيقدمه بنك الاستثمار الأوروبي تتراوح قيمته ما بين 2 و3 مليارات يورو. ومن الجانب اللبناني، أكد مسؤول بارز أن ألمانيا ستتقدم بالمقترح الشامل لإعادة إعمار مرفأ بيروت. وبالإضافة إلى إعادة إعمار الميناء نفسه، سيتضمن المقترح الألماني إعادة إعمار مساحة تصل إلى كيلومتر مربع من محيط منطقة الانفجار، على غرار إعادة إعمار وسط بيروت بعد الحرب . وقدرت المصادر أن مجمل تكلفة مشروع إعادة الإعمار قد تصل إلى ما يتراوح بين 5 مليارات و15 مليار دولار، وقالت إنه قد يخلق ما يصل إلى 50 ألف وظيفة.
الصين أيضا أعربت عن رغبتها في المشاركة في عملية أعادة بناء مرفأ بيروت ووصله بطريق الحرير عبر سكة حديد تربطه بسكة الحديد التي تمر بعدة دول في شرق المتوسط وتصل الى بكين .
يبقى السؤال هل الحكومة اللبنانية ستأخذ المبادرة لأطلاق مناقصة عالمية لأعادة أعمار المرفأ بطريقة BOT دون أن تتكبد دولارا واحدا، أم أن الضغط عليها من الشرق والغرب سيمنعها من تطوير هذا المرفأ حتى لا يكون مرفأ منافسا، خاصة وأننا نعلم جيدا أن الطرف السياسي الذي يسيطر على أدارة هذا المرفأ لا يمكن أن يجرؤ على الخروج عن الطاعة ،وبالتالي هل يلجأ هذا الفريق ألى تدمير هذا المرفأ تدريجيا وجعله فقط مرفأ محليا بامتياز ؟.
زر الذهاب إلى الأعلى