هل يمكن لهذه الطبقة السياسية أن تحاسب نفسها ؟
د.عماد عكوش:
مع بدء الحراك في تشرين أول السابق ،أمل اللبنانيون في هذا الحراك أن يكون فاتحة أمل ونور في غرفة الفساد المظلمة، لكن تم مصادرة هذا الحراك من قبل الأحزاب الحاكمة وتحويله من مطالب لمحاربة الفساد واصلاح النظام ،الى مطالب حزبية بالسلطة ،ممزوجة بمطالب خارجية لتحقيق بعض المطالب الأقليمية ، وفي النهاية انتهى هذا الحراك بمطلب وحيد وهو المطلب الخارجي الخاص بسلاح المقاومة ، وانتهت معه كل المطالب الأصلاحية مع عودة نفس الذين حكموا هذا البلد سابقا ليتحفونا بمواقفهم الأصلاحية وأنهم هم دعاة للأصلاح ودعاة لمحاربة الفساد .
ان اصدار وتعديل بعض القوانين ولا سيما قانون الأثراء غير المشروع ، قانون السرية المصرفية ، قانون النقد والتسليف ، قانون استعادة الأموال المنهوبة ، وتشكيل هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان ، كلها مشاريع وجدت لخدمة هذه الطبقة ، وهذه الطبقة لم تنجز هذه القوانين لمحاسبة نفسها ، ولكشف فسادها .
فتشكيل هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان وطريقة تشكيلها وعملها يؤكد هذه النظرية . وظيفة هذه الهيئة هي الكشف والتحقيق بعمليات تبييض الأموال ومكافحة التهرب من الضرائب وتمويل الأرهاب . إنتهى عمل هذه الهيئة عند عمليات تمويل الأرهاب فقط وفقا للمفهوم الأميريكي ، ولم تمارس أي عمل له علاقة بالتهرب الضريبي وتبييض أموال الفساد ، وكيف يمكن ان يتم ذلك من قبل هيئة يرأسها شخص متهم أساسا بتمويل عمليات الفساد ، وأعضاؤها تحيط بهم شكوك كثيرة حول مشاركتهم بعمليات فساد ، لذلك لا بد من تعديل القانون الخاص بتشكيل هذه الهيئة لتكون مستقلة تماما عن أي مؤسسة عامة أو شخصية عامة ، لتكون بعيدة عن تأثيرات هذه الشخصيات المعنوية والطبيعية .
أما قانون النقد والتسليف وعملية الألتزام ببنوده ومواده فمن المسؤول عن التحقيق في ذلك ؟
بالعودة الى هذا القانون نجد ان المواد 41 لغاية المادة 46 تتحدث عن وظيفة مفوضية الحكومة لدى مصرف لبنان ، لكن المؤسف ان تشكيل هذه المفوضية وطريقة عملها يخضعان بشكل كبير لتأثير وزارة المالية ، وبالتالي فإن عدم إستقلاليتها يمنعانها من ممارسة هذا العمل بشكل جدي وملائم وفعال ، وهذا ما حصل طيلة الثلاثين سنة الماضية ، حيث تم تغييب عمل هذه المفوضية بالرغم من الصلاحيات الكبيرة التي تتمتع بها ، ومن قدرتها على كشف كل المخالفات في مصرف لبنان ، ومن حقها بالأطلاع على كل الأوراق والمستندات الموجودة لدى مصرف لبنان ، دون أي مانع قانوني او إداري .
أما بخصوص قانون الأثراء غير المشروع فرغم ان هذا القانون ليس جديدا وهو يحمل الرقم 1999/154 ،وهذا يعني أنه صدر في سنة 1999 وجرى تعديله في 30 نيسان من العام الحالي ، ورغم شمول هذا القانون لكل من تعاطى الشأن العام ، فإن نظام الطائف والخطوط الحمر عطلته . ورغم أنه بهذا القانون يمكن إعادة الكثير من الأموال المنهوبة عبر مقارنة تصريح ما يملك موظف أو من يتعاطى الشأن العام مع مقدار دخله الطبيعي من وظيفته ، فإنه لم يطبق ولن يطبق .
أما قانون السرية المصرفية فإنه نكتة مضحكة في لبنان . فعندما تم إقرار هذا القانون في 3 ايلول من العام 1956 ، كان الهدف منه هو جذب أموال الأمراء ، الرؤساء والملوك العرب ، لكن اليوم هل هناك أحد من هؤلاء يجرؤ ويثق أن يضع أمواله ومدخراته في لبنان ، لا بل من يجرؤ بعد توقيع لبنان لاتفاقية مكافحة وتبييض الأموال على إيداع أمواله في لبنان ، وقد رأينا مثالا واضحا وفاضحا عن ذلك خلال الأحداث السورية والتي لم يجرؤ أي مصرف في لبنان على فتح حسابات مصرفية لأي سوري سواء كان مسؤولا في النظام أو هاربا من النظام . لذلك نقول بأن هذا القانون يتم استخدامه كحجة لعدم فتح حسابات المتهربين والفاسدين في لبنان .وقد رأينا آخر هذه الأمثلة الفاضحة في التحقيق الجنائي والذي رفض مصرف لبنان تسليم الكثير من المستندات بحجة هذا القانون ، ثم كيف يتم التحجج بهذا القانون في ظل افلاس فعلي للمصارف بمجرد تمنعها عن دفع التزاماتها للمودعين؟.
خلاصة القول:
هؤلاء لن يحاسبوا أنفسهم،ولن يصدروا أي قانون ينالهم ، وإذا أصدروه سيضعونه في الجارور .