انتخابات نقابة المهندسين:هل تكون مؤشرا للتغيير العام(فيصل زيود)
د. فيصل زيود – الحوارنيوز خاص
لبنان يحتضر، الليرة أصبحت في القعر، والدولار يتمختر، الاقتصاد منهار، الخدمات في أسوأ وضع، الغلاء يكوي الفقراء: لا ادوية، لا محروقات، لا كهرباء وانتنرنت …، الفقر المدقع يطال الغالبية، الألم يرتسم على وجوه الناس في الطرقات الذين يقفون في طوابير الذل طلبا لدواء او محروقات او رغيف.
يشهد لبنان منذ عقود أزمات متلاحقة وانقسامات طائفية وسياسية عميقة حالت دون قيام دولة فعلية، وولّدت صراعا بين أحزاب المنظومة السياسية الفاسدة على المحاصصات السياسية، وتشرذما بين صفوفها، أدّيا الى الانهيار الاقتصادي ، الأمر الذي نشأ عنه ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع معدلات البطالة لتبلغ أكثر من 65% ؛ حيث نتج عنه ارتفاع في معدلات الفقر وازدياد التفاوت الاجتماعي وكذلك ارتفاع معدلات الهجرة، واستمر الوضع الاقتصادي بالتدهور بشكل متسارع حتى دخلنا في نفق مظلم بفعل التضخم المفرط غير المسبوق.
في هذا الليل الحالك والألم الذي يعيشه المواطن اللبناني، من جرّاء الأزمات المتتالية، وفي ظل هذه الأزمة الاقتصادية، التي هي الأسوأ في تاريخه، استطاعت إنتفاضة المهندسين ان ترسل بارقة أمل ببدء الخروج من الهاوية ، علّ هذا الألم يتحوّل الى أمل بالتغيير، وأن ينسحب على الصعيد العام،
بعد أشهر من انطلاق ثورة 17 تشرين على هذه المنظومة، بدأت رياح التغيير تعصف على المجتمع المدني وتغير المزاج العام، وظهر جليا في انتخابات نقابة المحامين في بيروت فاستطاعت انتزاع مركز النقيب من يد هذه السلطة، وبدأت تظهر بوادر ربح المجالس الطلابية في عدة جامعات. في ظل هذا الوضع ، استطاع المهندسون أخذ مصيرهم بيدهم وانتزاع قرارهم النقابي من هذه المنظومة السياسية الفاسدة، وأعادوا العمل النقابي إلى وضعه الطبيعي، وهذا بحد ذاته دلالة كبيرةعلى أن الحياة ما زالت تدبُّ في العروق.
أدرك المهندسون أن وحدة قوى التغيير لديهم هي السبيل الوحيد لاستعادة نقابتهم من يد أزلام السلطة، فانضوى مرشحو المعارضة في لائحة “النقابة تنتفض” فحققوا فوزهم الأول في انتخابات المرحلة الأولى من انتخابات نقابة المهندسين، واستعدوا للمنازلة الكبرى في انتخابات النقيب والأعضاء العشرة لمجلس النقابة يوم الأحد في 18 تموز 2021.
هذا التحالف للائحة “النقابة تنتفض” حقق فوزا كاسحًا ، وحصل على 67% من مجمل الأصوات، أي بفارق 4 أضعاف عن لوائح السلطة، وهذا بحد ذاته يمثل انتكاسة سياسية لتلك الأحزاب، بعد الانتكاسة الأولى في انتخابات نقابة المحامين منذ نحو سبعة أشهر ، ويؤشر لبدء خروج العمل النقابي من القبضة الحزبية، التي حولت النقابات والروابط إلى شبكة سلطوية لها منذ ما بعد نهاية الحرب الأهلية.
بما أن العمل النقابي يجب أن يكون معارضا في التحرك والقرار والبنية، لأن مصالح الناس هي نقيض مصالح السلطة، لذلك هذا الإنجاز الهام للمهندسين من الممكن أن يشكل دينامية تغيير عند النقابات والروابط للعمال والموظفين (الأساتذة والإداريين…)، ومن الممكن أيضا فوز المهندس عارف ياسين اللاطائفي بمركز النقيب ان يشكل صفعة للنظام السياسي الطائفي في لبنان الذي خلق أعرافا سابقة تكرس تقسيم هذه النقابات على الطوائف والمذاهب، (كانت نقابات المهن الحرة موزعة طائفيا ومناطقيا، نقيب المحامين من طائفة ونقيب الأطباء من طائفة ونقيب المهندسين من طائفة. الخ……) وهذه الأعراف كان الهدف منها الإمساك بهذه النقابات من قبل زعماء الأحزاب الطائفية.
ولأن تأثير نقابات المهن الحرة وحدها يبقى ضعيفا في ظل تبعية الاتحاد العمالي العام لقوى السلطة، يبقى الأمل بانسحاب ذلك على روابط القطاع العام (أساتذة الجامعة والثانوي والمهني والأساسي وموظفي الإدارة العامة)، لتستطيع الضغط بفاعلية مؤثرة على القوى الحكومية النيابية لانتزاع حقوقها من هذه المنظومة الفاسدة.
بعد اصرار هذه المنظومة على افتعال خلافات مصطنعة في ما بينها، ما حال دون تشكيل حكومة حتى اليوم، الأمر الذي سّرع السير نحو الهاوية ودفع بالبلاد إلى شفير الانهيار التام، وبعد أن منيت أحزاب السلطة في لبنان بالهزيمة في انتخابات نقابة المهندسين في بيروت، التي نظمت الأحد الفائت، أمام لائحة “النقابة تنتفض” المؤلفة من قوى وحركات قادت الثورة الاحتجاجية ضد النظام، منذ أكتوبر 2019، وبعد الفوز في انتخابات نقابة المحامين وبعد الانجازات الكبيرة في المجالس الطالبية في الجامعات، وهذا دليل على تغير المزاج العام لدي اوساط الشباب والشعب بشكل عام، بعد كل هذا:
هل من الممكن أن يكون مؤشرا للتغيير قبل فتح صناديق الاقتراع للانتخابات البرلمانية بوجه الاحزاب التقليدية المهيمنة؟.
* نقابي وباحث في الشؤون التربوية والنقابية