د.محمد خليل رضا*- خاص الحوار نيوز
أمامنا “صاروخ فيروسي” معقد جداً، منتهي الصلاحية حديثاً لكن الخوف الشديد جداً والسؤال البديهي والمنطقي والعلمي الذي يطرح هو دفن الجثث مع تزايد أرقام جائحة كورونا “Covid 19” وموجاتها وسلالاتها وطفراتها المتحورة والمتحولة والمستجدة من: ألفا، بيتا، غاما، دلتا، كابا وربما غيرها تنتظر على لائحة الانتظار
في المختبرات وتحت عدسات المجهر الإلكتروني، وأخواتها وكل سلالة، المتحولة، المتحورة، والموجات والطفرات خاصة في هذا البلد أو ذاك مع نسب مئوية متفاوتة، بحيث يساهم المسافرون من كافة الجنسيات بما فيها اللبنانيون الذين يصلون جواً، أو براً أو بحراً… (أو ربما بالتهريب عبر المعابر غير الشرعية..) إلى لبنان من دول العالم، بنقل بعض هذه الموجات الفيروسية الكورونية المستجدة إلى اللبنانيين بطريقة أو بأخرى. وبالتالي التركيز على فحص “P.C.R” حتى للذين تلقحوا بجرعتين من هذا اللقاح أو ذاك،إضافة إلى فحوص مخبرية أخرى حديثة ومتطورة.
ويسجّل في لبنان الانتشار “السريع” لسلالة وموجة المتحور الهندي دلتا Plus للفيروس الخبيث الملعون (كما يقال) ،وفي هذا الإطار الإصابات تجاوزت 182 مليون عالمياً. وعدد الوفيات على عتبة 4,5 مليون .
أعود إلى السؤال الذي يطرح عن كيفية دفن جثث كورونا وأخواتها بطريقة سليمة وعلمية وطبية شرعية “وبيئية” مع الاحتياطات والإرشادات ذات الصلة التي يجب أن تُتبع وتراعى في هذا الإطار. وهل من تسرب لبقايا الفيروس بعد تحلّل تدريجي للجثث في التربة واختلاطها بالمياه الجوفية ، عندما يموت الضحية ،فهل الفيروس يموت مباشرة أم بعد ساعات ،أم يبقى جزء منه لفترة من الزمن أم.. أم.. أسئلة أطرحها أولاً وبكل تواضع على نفسي.. ومنها انطلق من هذه المقدمة المتواضعة جداً جداً لأستعرض كيفية دفن جثث كورونا بطريقة علمية، طبية شرعية، وبصفتي المتواضعة كطبيب شرعي، واختصاصي بتشريح الجثث “Autopsie” وعلم الأموات وعلم الضحية وعلم الجرائم، والأذى الجسدي والقانون الطبي وكجرّاح وأستاذ مساعد سابق في مستشفيات باريس (فرنسا) وأستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية ومصنّف علمياً A+++ في الجامعة اللبنانية ( يعني أي + أي + أي +) ومشارك بالعديد من المؤتمرات الدولية، وعندي اختصاصات أخرى وبكل تواضع أيضاً وأيضاً، وكاتب لأكثر من خمسة آلاف مقالة علمية، طبية شرعية، و”نقدية” وغيرها…
لا بد لي أن أعرض، لا بل كان لزاماً عليّ أن أتطرق إلى هذا الموضوع الحساس جداً جداً والدقيق للغاية، وبمهنية وبموضوعية وأسرد وباختصار شديد جداً إلى المعايير والإرشادات وأخواتها التي يجب أن تتبع وتراعى في دفن جثث ضحايا كورونا “Covid 19” وطفراتها وموجاتها وسلالاتها المتحورة والمتحولة ،وذلك بعد التأكد من خلال تشريح الجثث طبق الأصول الطبية والعلمية والمخبرية والطبية الشرعية وأخذ رزمة العينات “Prelevement” والخزعات “Biopsies” المختلفة، بأنهم فعلاً ماتوا نتيجة كورونا “Covid 19” وأخواتها، وليس من مضاعفات لأمراض أخرى حيث تختلف كلياً مراسم وطرق ومحاذير وضوابط الدفن مئة وثمانين درجة ، ونجيب على سؤال آخر معقد في هكذا ظروف: هل من “علاقة سببية بين موت الضحية والكورونا!” Lien De Causalite”.
-
يجب حقن صدر الميت بمحلول من مادة الفورمول بتركيز معين أو بالكلور وترقيقه بالمياه. ومنهم من يقول حقنة بالأدوية المعطاة له قبل الوفاة! (وبدون تعليق)
-
حقن الرئة اليمنى بنصف ليتر من هذا المحلول وكذلك الرئة اليسرى لأن الفيروس يؤثر على أعضاء حيوية جداً بالجسم مثل الرئة، القلب، الدماغ الكبد وغيرهم، لا بل فهو يفتك بالجسم كل الجسم، وكان لزاماً علينا أن نشبّع هذه الأعضاء الحيوية في هكذا ظروف بكمية من هذا المحلول الكيميائي الفعال للتخفيف من خطرها بعد التحلّل التدريجي للجثث في المستقبل القريب وربما البعيد!
-
حقن القلب بـ 250 سي سي “250 C” من هذا المحلول وكذلك الكبد.
-
تفريغ محتوى المرارة “Vesicule Biliaire” بالسيرنغ “Syringe”. والاحتفاظ بالعينات للمختبر (لأكثر من سبب) وحقنها بهذا المحلول. واستطراداً المرارة تبقى سليمة الشكل الخارجي (كالإجاصة تقريباً) والمحتوى “La Bile” لسنوات عديدة بعد الوفاة، وأنا شخصياً شاهدت ومارست ذلك عند تشريح الجثث بعد نبش القبور في فرنسا ودول أخرى. ويطلق على ذلك في لغة الطب الشرعي “Exhumation” (نبش القبور واستخراج الجثث ومعاينتها وتشريحها من جديد وأخذ رزمة من العينات ،وذلك بحسب ما تسمح به ظروف كل جثة، يتم ذلك بأمر من القضاء المختص وموافقة أهل وعائلة الضحية..).
-
فتح ثقب في الرأس _الجمجمة La Crane) )وحقنه بنصف ليتر من هذه المواد وسدّ الفتحة الثقب ” Trou” بالقطن والفازلين وأخواته.
-
الأوعية الدموية يجب حقنها بهذا المحلول وكذلك حقن البطن بلتر “1000 c” من هذه المواد على الأقل..
-
وضع الجثة قبل تسليمها إلى أهلها وعائلتها في براد الموتى بالمستشفى حيث توفي وذلك لمدة يومين أو ثلاثة.
-
رش الجثة بمحلول من هذه المواد، وتبليل الجثة بقماش (كفن) مناسب بهذه المواد. وكذلك سدّ الفتحات الطبيعية للجثة مثل: العيون الأنف الأذنين، الفم، المخرج “Anus” والأعضاء التناسلية الأخرى بالقطن، والفازلين والمواد الأخرى.
-
وضع الجثة، وهذا مهم جداً ، حتى ينقطع النفس في داخل تابوت محكم ومُحكم “Cerceuil Hermatique” وحبذا لو يكون من المعدن القوي أو السميك مع تلحيم الغطاء وربطه بحبل عريض وسميك ومحكم جداً.
-
وعطفاً على الفقرة 9 حبذا وإذا أمكن وضع تابوت خشبي محكم جيداً داخل التابوت المعدني المحكم أيضاً (تابوت دوبل!) ورشه من الخارج وتعقيمهم مراراً وتكراراً..
-
أكرر وباستمرار، فنحن أمام “صاروخ فيروسي” منتهي الصلاحية حديثاً ،لكن “القلق” والخوف الشديد جداً من تسرّب لبقايا وخيرات الفيروس لـ”Covid 19″ وأخواته وطفراته وسلالاته المتحولة والمتحورة، بعد التحلل التدريجي للجثث في التربة وخلطها بالمياه الجوفية وتلويثها.. أما دفن الجثث داخل أكياس نايلون وغيره فهذا ممنوع بتاتاً!..
-
دفن الجثث وهي داخل التوابيت، في التربة بعمق عشرة أمتار “Metres 10” والاستعانة بالونش أو بالرافعة المناسبة وبحبال متينة وسميكة جداً تناسب رفع التابوت من الأرض ودفنه في التربة.
-
واستطراداً ومن باب الاستدلال وليس المقارنة أن بعض الحيوانات الميتة المصابة بداء الكلب “La Rage” “ندفنهم” في الأرض بعمق عشرة أمتار ونغطي مكان الدفن بالكلس. (نرش عليه الكلس) .وأتذكر جيداً هذا كان سؤال امتحان في الطب عندما كنت طالباً قبل أكثر من 35 سنة في باريس (بفرنسا) ومن ضمن اسئلة في مادة الأمراض المعدية والجرثومية “Les Maladies Infecteuses”.
-
مباشرة وبعد الدفن يجب وضع اللوحات الإسمنتية (البلاطات السميكة والقوية) وصبّ الباطون فوقها، على أن تدعم جوانب القبر بالحديد المجدول عيار 16 مليمتر وما فوق، وبالباطون الإسمنتي القوي ونقلل من الرمل والبحص لتكون الجبلة (الخلطة الإسمنتية) متينة وقوية وتتحمّل كافة العوامل المناخية والتربة والزواحف والقوارض، وغيرها، وتدوم لفترة طويلة جداً.. وحبذا لو يكون القبر جاهزا يناسب موتى كورونا وبالمواصفات التي ذكرتها…
-
صبّ الدعامات من الباطون المسلح بعمق مترين أو أكثر على جوانب محيط القبر، لأنه عندما تتحلّل الجثة في المستقبل تخرج من القبر والجثة حشرات ويرقات “Larves” وذباب بأحجام وأنواع وألوان وأشكال متنوعة، يجتازون التربة إلى سطح الأرض بحيث يلوثون المحيط والبيئة ويحتكون و”يبيضون” على أسطح مختلفة: كالشجر والحجر والجدران وما على الأرض والعشب والنباتات وجذوع الشجر، واحتكاك مباشر بزوار المقابر والعمال، والمارة، والطيور، والسكان (الأبنية والمنازل القريبة من المقبرة..) والحيوانات الأخرى، فيتم انتقال العدوى إليهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة.. وهذه المجموعات من الحشرات، الذباب، اليرقات وأخواتها يجب تجميعها أينما وجدوت، وبطريقة علمية وبيئية مدروسة، داخل أكياس أو حاويات بلاستيكية وغيرها.. “ودفنها” في أعماق التربة، لكن في مكان آخر، أو معالجتها بطريقة مناسبة يتفق عليها للتخلص منها دون أضرار بيئية وصحية.
-
ينبغي أن تكون القبور معزولة وبعيدة عن الناس وضمن مقبرة خاصة بموتى الكورونا “Covid 19” وأخواتها..
-
يجب تنسيج المقبرة ووضع بوابة حديد عالية جداً وحبذا لو يوضع على شاهد القبر (بلاطة يكتب عليها نبذة عن المرحوم، أو المرحومة..) وبعد الموافقة خطياً أنه مات بالكورونا وأخواتها.. باللغة العربية والأجنبية، لأكثر من سبب وسبب.
-
مراقبة التشققات والفتحات في محيط وجوانب القبر الناتجة عن الأمطار الغزيرة، وطبيعة التربة وعوامل مناخية وجيولوجية وبيئية أخرى يضاف إليها تواجد وحركة القوارض على أنواعها والحشرات على أشكالها وأحجامها والزواحف على اختلافها، والطيور على تصنيفاتها، والطيور الجارحة والكاسرة على خطورتها والذين يعبثون بالتربة وبداخلها وبالطبيعة ومحيطها…
-
في بعض الدول من العالم ومنها بوليفيا شاهدنا على الفضائيات العالمية الجثث مرمية في الشوارع في “عز جائحة كورونا..” Covid 19 (في بدايتها) بحيث تكون مصدراً خطيراً وبؤرا جرثومية قاتلة وملوثة ومركّزة و”لئيمة” جداً جداً لانتقال وانتشار العدوى سريعاً ومباشرة، أو عن قرب باستنشاق الفيروس وبقايا خيراته القاتلة. يضاف إلى ذلك العبث بها من قبل الطيور على أنواعها، والقوارض أيضاً ونقل لأجزاء منها (من الجثث) إلى مناطق أخرى. وهكذا تنتقل العدوى إلى المواطنين والشجر والبيئة وغيرها. أكرر وأذكّر بأنه يجب دفن الجثث مباشرة بعمق عشرة أمتار وحتى اللجوء إلى المقابر الجماعية في هكذا أعداد هائلة وظروف قاهرة وجائحة عالمية “لا تبقي ولا تذرّ”. فللضرورة أحكامها واستثناءاتها وقواعدها وإرشاداتها، نلجأ إليها في أحلك وأدق وأخطر الأمور والمواضيع!.
-
للتذكير يوجد ثمانية نماذج من الحشرات والذباب واليرقات Larves يطلق عليها في لغة الطب الشرعي “Escouade” وهي مهمة جداً وتعطينا فكرة بحسب شكلها ولونها وحجمها وفئتها ومعايير حسابية ومناخية أخرى، عن تاريخ الوفاة. ويمكن الاستفادة منها في علم “السموم” “Toxi cologie” واسم هذا الاختصاص “Entomologie Medico-LeGale” (علم الحشرات والذباب الطبي الشرعي). واستطراداً يوجد في فرنسا مركزان لذلك، الأول في باريس عند الشرطة الفرنسية العلمية “Police Scientifique” والثاني في معهد الطب الشرعي في مدينة ليل “Lille” على الحدود مع بلجيكا. وقد زرت المركزين المذكورين وخضعت لدورة فيهما خلال تخصصي في معهد الطب الشرعي في مدينة ليون “Lyon” الفرنسية.
-
عند الصلاة على الجنازة يجب على رجال الدين التعامل بحكمة مع الموضوع لجهة الطقوس المتبعة والمتعارف عليها لكل ديانة، وطائفة، ومذهب ،وكذلك بصبر، وبشجاعة من باب التقيد ومن باب (لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها)، فالله غفور رحيم، والله أعلم بما في الأنفس والضمائر، والنوايا، والقلوب!..
-
أما إذا كانت الأعداد كبيرة وفي طريقها إلى التحلل “Putrification” فيجب أخذ آراء المفتين العامين والمراجع الكبار الرسميين المعترف بهم في الوسط الديني لرؤساء الطوائف الدينية والمذهبية، وفي الوسط الحوزوي والكنسي وغيره ،فربما يسمحون بالمقابر الجماعية أم لهم آراء واقتراحات وحلول أخرى نحترمها جداً في هكذا ظروف.
-
في موضوع حرق الجثث كما يقال في السرّ والعلن ،أنا شخصياً لا جواب عندي، لكن أسأل هل يتم ذلك في الهواء الطلق أم داخل المعامل والأفران الحرارية العالية الحرارة ،واستطراداً وخارج موضوع الكورونا وأخواتها فإن بعض الأديان والطوائف في العالم تحرق الموتى كما هو الحال مثلاً في الهند، فيتنام، اليابان والهندوس في بنغلادش والنيبال و… لكن “إكرام الميت دفنه”.
-
الاحتفاظ بكمية من الدم قبل أن يتوفى المريض ربما يفيد في التجارب والأبحاث والدراسات لكشف أسرار وخفايا الكورونا “Covid 19” وطفراته وسلالاته، وموجاته المتحورة والمتحولة.
-
يجب أخذ الحيطة والحذر والعلم والانتباه من عدم تواجد للمياه الجوفية في الأماكن حيث دفنت فيها جثث موتى الكورونا، وكي لا تتسرب بقايا وسوائل وعصائر تخرج من الجثث إلى أعماق التربة بعد تحللها، وتلوث الآخرين بطريقة غير مباشرة.
-
على موظفي سيارات الإسعاف ودفن الموتى أن يخضعوا باستمرار لفحوص “C.R” وغيرها ،ويبتعدوا عن أهاليهم وعائلاتهم وأن ينعزلوا مؤقتاً ويحجزوا أنفسهم في أماكن يتم استئجارها لهذا الغرض مع مراعاة شروط وسلامة تقبل التعازي والاحتكاك بالمعزين.
*أخصائي في جراحة الشرايين والأوردة والجراحة العام والطب الشرعي
زر الذهاب إلى الأعلى