نقابة المحامين في بيروت تستعيد دورها الحيوي والطبيعي
حكمت عبيد – الحوارنيوز خاص
نجح نقيب المحامين في بيروت ملحم خلف في إعادة "الهيبة" لنقابة المحامين في بيروت وتحويلها إلى شريك حقيقي في مسيرة الإصلاح وإحترام العدالة في لبنان.
والحضور النقابي الجديد اتخذ شكله الفاعل من خلال مبادرات ومواقف تستند الى الدستور مع التطلع الدائم الى تطوير تجربتنا الديمقراطية والنضال نحو إنتقال سلمي للسلطة، وإعادة بناء الدولة بأدوات قادرة على تحقيق الأهداف وتحويل الرؤية إلى حقيقة.
منذ أيام بدأ النقيب خلف حركته بإتجاه رؤساء المذاهب الدينية لعرض مبادرة النقابة الهادفة إلى إنشاء مجلس للشيوخ يكون مظلة الطوائف ومؤسسة ضامنة لهواجسهم الوجودية والكيانية ولقضايا الوطن المصيرية، على أن يشكل ذلك مدخلا لإقرار قانون انتخاب وطني غير طائفي يسهم في تعزيز قيم المواطنة والمواطنية وبناء ودولة القاون والمؤسسات، مع التأكيد أن الخيارات متاحة لأفضل السبل التي تفضي الى هذه النتيجة وسط أجواء من الإجماع الوطني والإعتراف بأن نظامنا السياسي الحالي قد إنهار ولن تستقيم الحياة العامة إلا من خلال إعادة تكوين النظام على أسس جديدة.
وخلال جولته سلم النقيب المراجع الروحية "خارطة طريق" تنفيذية لهذه الأهداف تبدأ بتشكيل حكومة مستقلة ومحايدة ذات برنامج محدد ومحصور بإقرار القانونين المذكورين أعلاه ،على أن تليها حكومة تالية تقر قانون اللامركزية الإدارية مشروطة بصندوق سيادي تعاضدي ضمنا لعدم التمييز بين المناطق وتعزيزا لمبدأ المساواة الذي "نضمن من خلاله الإستقرار العام".
مبادرة أعادت النقابة إلى قلب الحياة العامة كشريك في التشريع ،وهي بذلك تقدم مخرجا لمأزقي السلة الحاكمة ولشوارع الحراك الشعبي الي انتهى إلى فشل في تحديد أهداف موحدة ووضع إجماع.
واليوم أصدرت نقابة المحامين في بيروت بيانا شددت فيه على "أهمية إجراء التدقيق المالي الجنائي الذي يرمي إلى اكتشاف عمليات الغش والتزوير واختلاس الأموال العامة وتهريبها واسترداد الأموال المنهوبة، بالإضافة إلى سائر الجرائم المالية والمصرفية والتي تمس المال العام ".
وتنسجم النقابة في موقفها هذا مع تطلعات الشعب اللبناني في كشف مكامن الفساد المالي السياسي وتؤسس بالتالي لمناخ جديد من إستعادة الثقة الداخلية والخارجية في آن.
وسيكون لموقف النقابة تأثيره المادي والمعنوي على القرار الرسمي وعلى موقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يحاذر التعاون الكلي مع الشركة المكلفة إنجاز هذه المهمة، سيما وأن البيان يشرح بالقانون بوضوح " مفهوم السرية المصرفية الذي "لا يتناول المال العام".
وجاء في بيان النقابة: "عطفا على بيانها الأول تاريخ 25/6/2020 بصدد التدقيق المالي الجنائي وعلى سائر البيانات والمواقف التي اتخذتها نقابة المحامين في بيروت، إصرارا منها على إجراء التدقيق المالي الجنائي على جميع الحسابات العامة والحسابات الناتجة عن تقديم خدمة عامة، بما فيها حسابات مصرف لبنان، وتشبثا به، وبعد أن وقع وزير المالية عقد التدقيق المالي الجنائي مع شركة Alvarez & Marsal بناء على التكليف المعطى له بهذا المعنى من قبل مقام مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 21 تموز2020، وإزاء ما يجري التداول به حول امتناع مصرف لبنان راهنا عن تزويد الشركة المذكورة بالأجوبة المطلوبة منه، خلافا لما ورد في رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل رقم 881/2020 جوابا على استطلاع وزير المالية بهذا الخصوص، وهو أمر بالغ الخطورة،تبدي نقابة المحامين في بيروت ما يلي:
1- تشدد نقابة المحامين في بيروت مرة جديدة على أهمية إجراء التدقيق المالي الجنائي الذي يرمي إلى اكتشاف عمليات الغش والتزوير واختلاس الأموال العامة وتهريبها واسترداد الأموال المنهوبة، بالإضافة إلى سائر الجرائم المالية والمصرفية والتي تمس المال العام، وهذا أقل ما يجب أن يحصل، وبسرعة قصوى، في دولة نهشها الفساد، مما يستدعي على الأقل إجراء تحقيقات معمقة وجدية لا تقتصر على ظاهر الحال فقط ولا تعوقها ذرائع وحجج تفسر القانون على نحوٍ مغلوط.
2- إن مفهوم السرية المصرفية المحدد بالقانون تاريخ 3/9/1956 يقتصر وفق المادة /2/ منه على أسماء زبائن المصارف والمؤسسات المعنية بالقانون المذكور والأمور المتعلقة بهم وهو ما تنطلق منه، ولا يمكن أن تخرج عنه أحكام المادة /151/ من قانون النقد والتسليف الذي أنشأ مصرف لبنان في العام 1963. تاليا، فإن مفهوم السرية المصرفية لا يتناول المال العام الذي – وفي مطلق الأحوال – تؤتمن عليه وترفع عنه السرية المصرفية الدولة اللبنانية ممثلة بالحكومة، وهي التي قررت التدقيق المالي الجنائي. لذلك لا بد لمصرف لبنان كمصرف القطاع العام أن يزود الشركة المكلفة من الحكومة إجراء تدقيق جنائي مالي، أسوة بشركات التدقيق المحاسبي التي تراقب عمله، بجميع المعلومات المطلوبة منها للقيام بعملها على أكمل وجه مع التذكير والتشديد على أن لا سرية مصرفية على المال العام.
3- المطلوب أيضا، وعلى السواء، من المسؤولين الحكوميين المعنيين، لاسيما منهم رئيس مجلس الوزراء ووزراء المالية والنقل والأشغال والطاقة والاتصالات وسواهم، تذليل أي عقبات أمام التدقيق المالي الجنائي، وإن كانت مسندة إلى ذرائع وتبريرات واهية وغير محقة، ومن بينها رفع السرية المصرفية عن حسابات القطاع العام كافة لدى مصرف لبنان. علما ان أعمال التدقيق والرقابة والتحقيق تشمل، الى جانب مصرف لبنان، جميع الإدارات والمؤسسات والمجالس والصناديق. أما الذهاب الى خلاف ذلك، فهو يطرح التساؤل حول جدية القرار برفع الغطاء عن الفاسدين والمفسدين والمرتكبين.
4- ما تقدم من مناشدة وتحذير لا يحول دون إمكانية سن المجلس النيابي تشريعا خاصا يذلل أية موانع أمام أعمال الرقابة والتدقيق التي تقوم بها الحكومة، أو تكلف شركات متخصصة القيام بها على حسابات الدولة والقطاع العام، ويرفع ورقة التوت التي يختبئ وراءها من يتذرع بالسرية المصرفية لمنع حصول التدقيق المالي الجنائي المطلوب.
لكل ما تقدم، إن نقابة المحامين في بيروت، خط الدفاع الأول على حقوق الوطن والمواطن وعلى صيرورة وإنجاح التدقيق المالي الجنائي، تحذر من الإمعان في إفشال الإستقصاء والمساءلة حول المال العام وعدم اعتماد الشفافية فيه وتغطية المرتكبين، والاخطر من ذلك، هو خسارة لبنان هذه الفرصة وخسارة شعبه الأمل بغد أفضل.
هذا وستقف نقابة المحامين بالمرصاد لأي تلكؤ مهما كان وكائنا من كان أصحابه، ولن تألو جهدا لحماية لبنان، بحيث ستلجأ إلى جميع الوسائل القانونية بما فيها التحرك لدى القضاء، وممارسة الضغط المُمنهج والهادف إلى منع أي شخص معنوي أو طبيعي تسول له نفسه إعاقة عملية إجراء التدقيق الجنائي المالي. كما ستقوم نقابة المحامين في بيروت باللجوء إلى جميع المبادرات الدولية المعنية بإستعادة الأموال المنهوبة كاملة، ولن نتوقف حتى تحقيق الهدف.
هل سيتطور موقف النقابة من المبادرات واطلاق المواقف على أهميتها إلى حركة ميدانية تقود بوعي الحراك الوطني الى تحقيق أهدافه، أم أنها محكومة بتوازنات داخلية قد تعيق المضي قدما في مثل هذه الخطوة؟