محمد صادق الحسيني
بعيداً عن الشعارات السياسية وعن الحملات الاعلاميه ، لصالح هذا الطرف او ذاك ، من اطراف الصراع الاستراتيجي الدولي والاقليمي ، الدائر حالياً بين المعسكر الاميركي وبين القوى الصاعدة المعاديه للهيمنة الاميركية على العالم ، اي الصين الشعبيه وروسيا الاتحاديه وجمهورية ايران الاسلاميه ، لا بد لكل محلل سياسي ان ينطلق من قراءة موضوعية للمشهد الاستراتيجي العسكري ، على صعيد العالم كله ، وان يعطي عامل ترابط الجبهات حقه في البحث والتحليل .
وما نعنيه بالتحديد هو ان التحركات العسكريه ، التي تقوم بها الولايات المتحده الاميركيه ودول حلف شمال الاطلسي الاخرى ، على الحدود الغربيه والشماليه الغربيه الروسيه ، في منطقة بحر البلطيق ، وتلك التحركات في بحر بارينتس ، في شمال روسيا ، والاستفزازات المتواصله ، التي تقوم بها القطع البحرية الاطلسيه ، ومحاولاتها المستمره ، لاختراق الحدود البحريه الروسيه في البحر الاسود ، التي كان آخرها محاولة المدمره البريطانيه ديفيندر دخول المياه الاقليميه لشبه جزيرة القرم الروسيه ، نقول ان جميع هذه التحركات ، مضافاً اليها الطلعات الجويه الاميركيه الاطلسيه ومحاولات الاقتراب من الاجواء الروسيه ، سواء في البحار المذكوره اعلاه او في المحيط الهادئ ، قبالة السواحل الروسيه الشرقيه والجنوبيه الشرقيه ، انما هي عمليات عدوان عسكري ممنهج ومدروس ، في اطار استراتيجية دولية ، لدول الاستعمار الاميركي الاوروبي ، في مواجهة المحور الروسي الصيني الايراني .
وهذا ما تؤكده الوقائع على الارض ، اي في مسرح العمليات الاستراتيجي الدولي ، منذ بداية هذا العام بشكل خاص . اذ ان الولايات المتحده وادواتها ، من دول حلف شمال الاطلسي والدول العميله الاخرى ، المدمجة في النظام العسكري الغربي ، وان بشكل غير رسمي كالكيان الصهيوني وبعض الكيانات العربيه العميله ، في الخليج وغيره ، نقول ان الوقائع تؤكد ان هذه القوى قد نفذت :
١) تدريبات عسكريه هجوميه ( مناورات ) ، شاركت فيها ٢٧ دوله في شهر ايار ٢٠٢١ ، على الحدود الغربيه والشماليه الغربيه لروسيا ، واسمتها : ” الدفاع عن اوروبا ٢١ Europe Defender 21 “ .
٢)كما نفذت مناورة اخرى ، موجهة ضد الصين الشعبيه ، بتاريخ ٧/٥/٢٠٢١ واستمرت ٩ ايام ، شارك فيها الجيش الاميركي وجيش كوريا الجنوبيه العميله لواشنطن .وقد اجريت التدريبات قبالة سواحل الصين الجنوبيه الشرقيه ، في البحر الاصفر وبحر الصين الشرقي .
٣)ستقوم القياده العسكريه الاميركيه بتنفيذ مناورات بحرية وجوية ضخمه ، في البحر الاسود ، اطلقت عليها اسم : ” نسيم البحر / Sea Breeze 2021 ” ، تبدأ يوم ٢٨/٦/٢٠٢١ وتنتهي بتاريخ ١٠/٧/٢٠٢١ بالتعاون مع ٣٢ دوله ، هي دول حلف شمال الاطلسي ، اضافة الى أوكرانيا و”اسرائيل” واربعة دول عربيه هي :
مصر وتونس والامارات ” العربيه ” المتحده والمغرب ، الى جانب باكستان .
علماً ان المدمرة البريطانيه ديفيندر Defender ، التي نفذت خرقا خطيراً للمياه الاقليميه الروسيه ، في محيط شبه جزيرة القرم ، قبل ايام ، واضطرت الى الهرب بعد تدخل سلاح البحريه الروسيه وقيام قاذفة قنابل روسيه ، من طراز سوخوي ٢٤ ، باتخاذ الاجراءات اللازم لمنع ابحار تلك المدمره ، وهي ترسو حالياً في احد موانئ جورجيا . وقد انضمت المدمره الاميركيه : يو إس إس روس USS – Ross ، الى قوات حلف الاطلسي البحريه واذنابه ، في البحر الاسود ، حيث وصلت الى هناك يوم السبت ٢٦/٦/٢٠٢١ .
٤)وفي اطار هذه الاستراتيجيه الاميركيه العدوانيه الخطيره ، فقد نفذت القوات الجويه والبحريه الاميركيه ، بمشاركة دول حلف شمال الاطلسي الاخرى ، اضافة الى المغرب وتونس والبرازيل ، نفذت مناورات استفزازية وخطيرة ، في منطقة الصحراء الغربيه بالقرب من الحدود الجزائريه مع المغرب ، تحت اشراف القياده الاميركيه لافريقيا ، افريكوم Africom ، اطلقت عليها اسم : مناورات الاسد الافريقي ٢٠٢١ ( African Lion 2021 ) ، استمرت من تاريخ ٧/٦ وحتى ١٨/٦/٢٠٢١ ، شارك فيها عشرة آلاف جندي ومئات الطائرات الحربيه والعربات القتاليه .
ومن الجدير بالذكر ان هذه التدريبات ، التي جرت على مقربة من الحدود الجزائريه مع المغرب ، قد ركزت على قصف وتدمير قواعد صواريخ الدفاع الجوي الجزائريه ، من طراز إس ٤٠٠ / S 400 / ، حيث قامت المقاتلات الاميركيه والاطلسية ، ومقاتلات الدول الاخرى المشاركه في المناورات ، بقصف منطقتين افتراضيين ، موجودتين في الاراضي الجزائريه ، اطلقت عليهما اسم : رُوَانْد Rowand ونيحون Nehone .
لذا ، ومن اجل الموضوعية والدقه ، فمن الضروري الاخذ بعين الاعتبار ، قرار القياده العسكريه الروسيه بالقيام بالاستعدادات اللوجستية الاستراتيجيه الضروريه ، للقيام بتدريبات بحرية وجوفضائيه روسية ، قد تنضم اليها مدمرات ايرانيه ، في شرق البحر الابيض المتوسط ، قبالة السواحل السوريه وقرب قطعات الاسطول السادس الاميركي والذي تشارك قطعاً منه في المناورات المزمع تنفيذها في البحر الاسود .
وفي اطار هذه الاستعدادات فقد قامت وزارة الدفاع الروسيه بنقل عدد من
قاذفات القنابل الاستراتيجيه الروسيه ، من طراز / TU 22 M 3 / توبوليڤ ٢٢/ م ٣ / وطائرات ميغ ٣١ ك
/ MIG 31 K ،القادره على حمل صواريخ كينجال(اسمه العسكري في مصطلحات الناتو هو
: A Kh 47 – M 2 Kinzhal ) ، وهي الصواريخ التي
تحلق بسرعة
١٥ الف كيلومتر في الساعه
ويمكن ان تكون
مُذَخَرَةً برؤوس حربية
نوويه ايضاً وليس فقط
رؤوس تقليديه.
اذن ، وبالنظر الى كل ما تقدم ، فلا بد لنا ان نضيء على الاسباب الحقيقيه وراء شراسة العدوان الاميركي تجاه الصين الشعبيه وروسيا وايران والجزائر وسورية وكوريا الشماليه وفنزويلا ، والتي لا علاقة لها اطلاقا
لا بحقوق الانسان ولا بالحريات العامه ولا بغيرها مما تدعيه الادارة الاميركيه من اسباب.
فالسبب الحقيقي ، وراء كل هذه العدوانيه والاستفزازات والضغوط المختلفة الاشكال ، يتمثل في ان هذه الدول ، وبالتعاون البناء بينها ، قد تمكنت من قطع الطريق
امام اي عدوان عسكري اطلسي على اراضيها حتى قبل الشروع بتنفيذه . وهذا ما يعرفه المخططون الاستراتيجيون ، الاميركيون والاوروبيون ، تمام المعرفه .
اي ان الدول المناهضه للهيمنة الاميركيه ، المشار اليها اعلاه ، قد شلَّت قدرات قوات العدوان الاميركي الاطلسي ومنعتها ، وستمنعها مستقبلاً، من الاعتداء على اراضي هذه الدول ، وذلك من خلال اتباع استراتيجيةٍ دفاعية ترتكز على عنصرين اساسين هما :
أ)الصواريخ الحربيه / الباليستيه / ، المختلفة المديات ، والتي يمكن اطلاقها من قواعد ثابتةً او متحركًا على اليابسه او من البحر او الجو ، لتدمير اهداف العدو ، سواءً في ميدان معركة محتمل او حتى داخل اراضي العدو ( دول الاطلسي جميعها ) .
ب)منظومات الدفاع الجوي المدمجةَ والحديثه ، التي اشرنا اليها اعلاه ، اي الانظمة التي يسميها الاستراتيجيون الامريكيون والاطلسيون : Integrated Air Defence Systems / IADS ، والمستخدمه في كل من الصين الشعبيه وروسيا وايران والجزائر
وكوريا الشماليه وسورية ( منذ عام ٢٠١٨ ) وفنزويلا ، منذ فترة وجيزه .
علماً ان هذا النظام ، ودائماً حسب خبراء امريكيين واطلسيين ، يزاوج بين كافة انواع صواريخ الدفاع الجوي ، ابتداء من منظومات إس ٤٠٠ ( S 400 ) البعيدة المدى والمنظومات الروسيه والصينيه الاخرى ، ذات المدى المتوسط والقصير ، كمنظومات إس ٣٠٠ پي إم يو ٢ / 2 S 300 – PMU ، ومنظومات بانتسير Pantsir – SM ومنظومات بوك – إم كي BUK – M2 ، التي تتلقى المعلومات من مختلف انظمة الرصد والاستطلاع الارضيه / الرادارات / والجويه والبحريه ، التي يتم تلقيمها لانظمة اطلاق هذه الصواريخ ، في نفس لحظة وصولها الى بطاريات الدفاع الجوي ، وبعد تحليلها الفائق السرعه ، من خلال اجهزة الحاسوب الخاصه بذلك والمدمجة في وحدات الدفاع الجوي الميدانيه السريعة الحركة والتجاوب .
ج)علماً ان ما نشرته صحيفة ميليتاري ووتش Military Watch الاميركيه ، على موقعها الالكتروني بتاريخ ٢١ /٦ /٢٠٢١ ، حول التدريبات الاميركيه الاطلسيه على قصف اهداف داخل الجزائر ، وقوة سلاح الجو الجزائري وسلاح الدفاع الجوي ، الذي يعمل في
اطار نظام
IADS
او النظام المدمج ،كما
هو مذكور اعلاه
، والذي يعتبر تحديًا لقوات الاطلسي في غرب البحر المتوسط ، نقول ان ما نشر حول هذا الموضوع يعتبر غيضاً من فيض مما تمتلكه الدول التي ذكرناها اعلاه مجتمعة
، خاصةً في حال حصول مواجهة عسكرية دوليةً / حرب عالميه / قد تقوم خلالها الجزائر بفرض حصار على الاساطيل الغربيه في المتوسط ، عبر اغلاق مضيق جبل طارق ، بينما يقوم اليمن المقاوم باغلاق مضيق باب المندب .
د)ولا بد ان هناك من سيطرح السؤال ، حول كيفية عمل هذا النظام ، ومدى فاعليته ، وما هي العواقب التي تترتب على استخدامه ، من قبل الدول التي تمتلكه ؟ وهذا سؤال محق تماماً بالطبع ، ولكننا نترك الاجابة عليه لمعهد : روسي اسمه Rusi وهو اختصار لاسم معهد:
رويال يونايتِد سيرفيسيز انستيتيوت للدراسات
الامنيه والعسكريه ( Royal United Services Institute for Defense and Security Studies ) البريطاني ، والذي نشر
دراسة من اربعين صفحة ،
اعدها الخبير الاستراتيجي : جوستين برونك Justin Bronk ونشرها المركز المذكور ، في شهر كانون ثاني ٢٠٢٠ ( شهر ١ / ٢٠٢٠) ، واهم ما جاء فيها :
أولاً : ان نظام الدفاع الجوي ، الروسي الصيني ، بشكل خاص ، يجبر القوات الجويه الاميركيه والاطلسية على البقاء منهمكة ، طوال الوقت ، في بحث سبل ضبط او اسكات او ايقاف عمل او تعطيل نظام الدفاع الجوي هذا .
ويطلق حلف شمال الاطلسي ، على هذه المحاولات الاميركيه الاطلسيه ، اسم : اسكات دفاعات العدو الجويه ( Suppression of Enemy Air Defence ويختصر هذا الاسم بأحرف : SEAD .
وهذا يعني ، من الناحيه العملياتيه بان القوات الجويه الاميركيه والاطلسية لن تكون قادرة اطلاقا على قصف اهداف داخل اراضي الدول التي تمتلك انظمة الدفاع الجوي المدمجة ( روسيا الصين ايران سورية كوريا الشماليه وفنزويلا حديثاً ) . وفي الوقت نفسه تبقى روسيا والصين قادرتان على توجيه ضربات عسكرية استراتيجية قاتله لقوات العدو ، الاميركي الاطلسي ، البرية والجوية والبحرية ، وكذلك لقواته المدرعه ، في حال محاولتها التحرك الهجومي باتجاه الحدود الروسيه ، في الشمال الغربي او في الجنوب الغربي ، عبر اوكرانيا ، في الوقت الذي تبقى فيه القوات الاميركيه الاطلسيه عاجزةً عن قصف اي هدف داخل اراضي الصين وروسيا وكوريا الشمالية وايران وسورية ( منذ عام ٢٠١٨ ) ، حتى لو استخدمت الصواريخ الباليستيه الاستراتيجيه لانه سيتم اسقاطها ، عبر صواريخ الدفاع الجوي المناسبه لكل هدف جوي يتم رصده ( مدى عمل رادارات هذه المنظومات يفوق ٥٠٠ كم ، كما ان هناك انظمة رادارات اخرى تساند هذا النظام ترصد اهدافا بعد الافق ، اي على بعد آلاف الكيلومترات ، بالاضافة الى وسائل الرصد الاخرى المسانده ، مثل طائرة
ميغ
٣١ بي إم
MIG 31 BM
التي تحلق على ارتفاع
٣٠ كيلومتراً وبسرعة
٣٤٥٠ كم وغيرها) .
ثانياً : ان التحدي الاكبر ، امام القوات الجويه الاميركيه – الاطلسيه ، يتمثل في ان نظام الدفاع الجوي الروسي الصيني اعلاه هو بمثابة مناطق منع دخول A2 ،اي:
أنتي أكسيس Anti Access وكذلك مناطق محظوره ( على الطيران الاميركي الاطلسي ) والتي تسمى AD او إيريا دينايَل Aerea Denial ، وذلك لان قواعد الدفاع الجوي الصاروخي المذكوره اعلاه تحرم قوات حلف شمال الاطلسي الجويه من عنصر او ميزة التفوق الجوي ( الكاتب يسميها : Air Power ) .
ثالثاً : وما حصول سورية على منظومات صواريخ الدفاع الجوي ، من طراز S 300 وطراز S 400 ، ودمجها في نظام الدفاع الجوي السوري ، الذي كان قائماً ، والتحول الى نظام الدفاع الجوي المدمج ( IADS ) ، وتحول المشهد في المواجهه الجويه السوريه مع الطائرات الاسرائيليه ، وردع هذه الطائرات عن دخول المجال الجوي السوري ، الا احدث واهم مثال على فعالية نظام الدفاع الجوي هذا .
رابعاً : من هنا ، يقول الكاتب ، ونظراً لتعقيد هذا النظام الروسي الصيني ، للدفاع الجوي ، فان اي دولة منفردةً لن تكون قادراً على تجاوزه او محاربته ، الامر الذي يفرض على دول حلف شمال الاطلسي والدول الاخرى ( يقصد الدول العميله للولايات المتحده كاسرائيل والسعوديه … ) ان تتعاون في ما بينها وان تجري تمرينات مشتركة باستمرار وان تشتري مزيداً من الاسلحة ( الاميركيه طبعاً ) اللازمة لمواجهة نظام الدفاع الجوي IADS ، وصولاً الى امكانية تدميرها . وهذا ما يطلق عليه جنرالات البنتاغون والاطلسي ، حسب الكاتب ، تسمية : تدمير دفاعات العدو الجو ( Destruction of enemy air defenses وتختصر هذه التسميه بأحرف DEAD .
وفي الخلاصة فان كل ما تقدم يؤكد على :
-
عجز الولايات المتحده وحلف الاطلسي عن القيام باي عمل هجومي ، ضد الصين الشعبيه او روسيا الاتحاديه او ايران او سورية او الجزائر او فنزويلا ، لان جميع هذه الدول تعمل بنظام الدفاع الجوي المدمج IADS ، الامر الذي يجعل من المستحيل نجاح القوات الجوية او الصاروخيه ، الاميركيه الاطلسيه ، سواءً جاءت من البحر ام من الجو ام من وراء المحيطات ، تجاوز هذا النظام وقصف اهداف داخل اراضي هذه الدول بشكل مؤثر .
-
اما الدليل على ذلك فهو الحرب ، التي شنتها الولايات المتحده وحلف شمال الاطلسي على صربيا ، سنة ١٩٩٩ والحرب التي تشنها نفس هذه القوى العسكريه ضد سورية منذ عشر سنوات . فعلى الرغم من التفوق الجوي الهائل ، للقوات التي شنت الحرب على صربيا ، وعلى الرغم من مئات آلاف المرتزقه ، الذين تم نقلهم الى سورية عبر تركيا والاردن ، ومئات مليارات الدولارات ، التي انفقت على تسليحهم ، فان عدم قدرة الولايات المتحده وحلف الاطلسي على السيطرة على الارض قد افشل اهدافهما السياسية والميدانيه .
-
وعليه فان الولايات المتحده والدول الاوروبيه الاطلسيه قد بدأت رحلة الافول بينما تتسارع خطى القوى الصاعدة على طريق انهاء الهيمنة الاستعمارية الاميركية والاوروبية على العالم .
مركز ثقل العالم ينتقل من الغرب الى الشرق .
زر الذهاب إلى الأعلى