شغّل بنيامين نتنياهو محركاته السياسية والإعلامية والحزبية للحؤول دون تشكيل حكومة إسرائيلية تستبعده عن السلطة، بالتناوب بين نفتالي بينيت ويائير لبيد،فشن هجوما على حكومة التغيير ودفع أنصاره الى الشارع احتجاجا .
فعلى الرغم من التصريحات الإيجابية حول تقدم في المفاوضات الائتلافية لتشكيل “حكومة التغيير” الإسرائيلية برئاسة بينيت (“يمينا”) ولبيد (“يش عتيد”)، فإن التقارير تشير إلى عقبات قد تحول دون نجاح هذه الجهود، وقد تؤدي في نهاية المطاف إلى إجراء انتخابات إسرائيلية خامسة خلال عامين.
وبعد محادثات طويلة واجتماعات مكثفة عقدت خلف الكواليس وفي الغرف المغلقة، أعلن بينيت، رسميًا، الليلة الماضية، أنه سيبذل قصارى جهده لتشكيل حكومة مع رئيس حزب “يش عتيد”. غير أن حقيقة “حكومة التغيير” هذه، هي حكومة أقلية لا تملك 61 عضو كنيست من الأحزاب الصهيونية ،وتعتمد على الدعم الخارجي للقائمة الموحدة برئاسة منصور عبّاس، تبقي التفاهمات الائتلافية هشة، إذ باستطاعة أي منعطف في هذا المسار أن يقوض هذه المساعي.
وقد اجتمعت الكتل البرلمانية لأحزاب “يش عتيد” و”ميرتس” و”يسرائيل بيتينو” لبحث آخر التطورات، فيما أشار لبيد بنفسه إلى “العقبات التي تواجه تشكيل الحكومة”، متمسكا بالأمل بأن يكون بإمكانه “الإعلان عن الحكومة الجديدة في غضون 50 ساعة”، قبل انتهاء المهلة القانونية دا الأربعاء.
وقال لبيد في اجتماع لكتلته البرلمانية: “لا تزال هناك الكثير من العقبات في طريق تشكيل الحكومة الجديدة. ربما يكون هذا أمرًا جيدًا لأنه سيتعين علينا التغلب عليها معًا. هذا هو أول اختبار لنا، لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا إيجاد حلول وسط ذكية في الأيام المقبلة لتحقيق الهدف الأكبر”.
من جانبه، أشار رئيس حزب “يسرائيل بيتينو” أفيغدور ليبرمان، إلى صعوبات في المفاوضات الائتلافية الجارية لتشكيل “حكومة التغيير”، والخلاف مع “كاحول لافان” حول وزارة الزراعة التي تطالب بها. وقال ليبرمان إن حزب غانتس لم يعارض منح حقيبة الزراعة لـ”يسرائيل بيتينو”، وبالنسبة له فإن الإصرار على هذه الحقيبة محير بعض الشيء، متسائلا: “ربما يبحثون عن عذر للانسحاب (من المفاوضات)؟”.
وجاء رد “كاحول لافان” سريعا على ليبرمان، وقالوا في بيان مقتضب: “نحن ملتزمون بتشكيل “حكومة التغيير”. نعمل من أجل تشكيلها ونؤمن بأنها ستقام خلال الساعات القادمة. كاحول لافان كان أول من فهم ضرورة تغيير الحكومة. وننصح الجميع بإجراء المفاوضات في الغرف المغلقة وليس في تصريحات لا داعي لها”.
من جهته، قال رئيس حزب “ميرتس” نيتسان هوروفيتس، إن حزبه “يقوم بدور فعّال ومركزي في الجهود القائمة لتشكيل “حكومة التغيير”. الأكاذيب الصادرة عن بلفور (حيث المقر الرسمي لإقامة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو) تتواصل على مدار الساعة. نحن الأحزاب اليسارية نواجه هذا الوحل منذ سنوات”.
بدوره، قال رئيس حزب “تيكفا حداشا”، غدعون ساعر، في جلسة لكتلته البرلمانية، إن موافقته على اقتراح نتنياهو بالتناوب الثلاثي على رئاسة الحكومة، كانت ستضمن هيمنة نتنياهو على الحكومة، وأوضح أن “كل شخص كان سيعين كرئيس للحكومة في هذه الظروف، سيكون تحت قبضة نتنياهو بالكامل وخاضعًا تمامًا لإرادته”.
وحول المحادثات لتشكيل حكومة بينيت – لبيد، أكد ساعر أنه حتى هذه اللحظة لا يوجد يقين أن محاولات تشكيل الحكومة ستكلل بالنجاح. وأضاف: “نحن نبذل قصارى جهدنا لتشكيل هذه الحكومة”. وختم بالقول إن “المعسكر القومي بحاجة للتجديد – وهذا التجديد سيحدث خلال السنوات القادمة”.
وفي هذا السياق، أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إلى عقبات قد تمنع تشكيل حكومة لبيد – بينيت، على رأسها خلافات محتملة في المفاوضات الائتلافية من شأنها أن تفشل مساعي تشكيل الحكومة، وقالت الصحيفة إن الحديث يدور حول “مفاوضات ائتلافية معقدة ومركبة تشمل 8 أحزاب مختلفة من أطراف متنوعة داخل الطيف السياسي الإسرائيلي”.
وشددت الصحيفة على أن أي خلاف ينشأ حول قضية عينية ثانوية أو مركزية يمكن أن يكون له تأثير كبير على الاتفاقيات الائتلافية. وأشارت الصحيفة إلى عضوية لجنة تعيين القضاء كمثال على خلافات متوقعة، إذ في المفاوضات مع “يش عتيد”، مُنحت رئيسة حزب “العمل” ميراف ميخائيلي، مقعدا في اللجنة المذكورة، إلا أن “يمينا” تعتزم طلب شمل الوزيرة السابقة أييليت شاكيد، في عضوية اللجنة بدلا من ميخائيلي، من أجل منع تشكيلها من أغلبية “يسارية”.
إضافة إلى ذلك، فإن تقسيم الحقائب الوزارية لم ينته بعد، ورغم التصريحات المتفائلة الصادرة عن بينيت إلا أن “يش عتيد” لم يوقع بعد اتفاقيات ائتلافية مع “كاحول لافان” و”تيكفا حداشا”. ورغم ذلك، أشارت تقديرات الصحيفة إلى أن الاحتمالات بأن تفشل مساعي تشكيل حكومة بسبب الخلافات في المفاوضات الائتلافية “تبقى ضئيلة في هذه المرحلة”.
وأشارت القناة 12 الإسرائيلية إلى أن فرق التفاوض ستحاول التوصل إلى حل وسط في ما يتعلق بطلب شاكيد باستبدال ميخائيلي كممثلة للحكومة في لجنة تعيين القضاة، من خلال ممثلي الكنيست في اللجنة.
كما أكدت أن المسؤولين في “كاحول لافان” يصرون على الحصول على حقيبة الزراعة، كما أشارت القناة إلى أن شاكيد تطالب كذلك بالحصول على ملفي الجليل والنقب الذي حصل عليه ليبرمان. وأضافت أن لبيد يبحث في إمكانية الاستجابة لطلب “كاحول لافان” وتعويض ليبرمان.
وبحسب القناة، يطالب المسؤولون في “يمينا” منع سيطرة “يسرائيل بيتينو” على اللجنة المالية في الكنيست، وذلك بعد تولي ليبرمان وزارة المالية، “تخوفا من استئثار يسرائيل بيتينو بالقضايا الاقتصادية”. كما لفتت القناة إلى تباين حول القضايا التي تتعلق بالمثليين، وأشارت إلى أن القائمة الموحدة تطالب بحرية التصويت على هذه القضايا.
ويؤكد المقربون من بينيت أنه يخوض المفاوضات الائتلافية فيما يحظى بدعم كامل من أعضاء كتلته البرلمانية، باستثناء عضو الكنيست عاميحاي شيكلي، ما يعني أنه يحظى بدعم 6 من أصل 7 أعضاء كنيست عن “يمينا”. وتشير التقديرات إلى أنه لن يكون هناك المزيد من المتمردين في صفوف كتلة بينيت بمجرد انضمام شاكيد إلى تحركاته لتشكيل حكومة بالشراكة مع لبيد.
ومن جهة أخرى، تتصاعد الضغوطات الشعبية والسياسية التي يتعرض لها أعضاء الكنيست اليمينيون لرفض الانضمام إلى “حكومة التغيير”، بما في ذلك تنظيم تظاهرات أمام منازلهم، وتعرضهم لهجوم على مجموعات في تطبيق WhatsApp، وتوقيع عرائض تطالبهم بالانضمام إلى حكومة يمينية برئاسة نتنياهو، وتلقيهم العشرات من المكالمات الهاتفية من حاخامات وسياسيين تطالبهم بعدم المشاركة في حكومة بينيت.
وشددت صحيفة “يديعوت أحرونوت” على أن تجربة الماضي تؤكد أن الضغوطات الشعبية المتواصلة لها أثر كبير وقد تدفع بعض أعضاء الكنيست عن “يمينا” أو ربما عن “تيكفا حداشا” إلى الانشقاق عن حزبيهما والانضمام إلى الليكود، علما بأن الأحزاب الصهيونية في “كتلة التغيير” تضم 57 عضو كنيست، وستحظى بالأغلبية فقط في حالة حصولها على دعم القائمة الموحدة، برئاسة منصور عباس التي لها 4 مقاعد.
عقبة أخرى من شأنها نسف تشكيل “حكومة تغيير” هي استقالة رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، الأمر الذي قد يخلط الأوراق من جديد ويقوّض جميع الخطوات التي أقدم عليها لبيد في هذا الاتجاه.
في هذه الحالة، من المتوقع أن يحل رئيس الحكومة البديل بيني غانتس، محل نتنياهو كرئيس للحكومة. وإذا ما أقدم نتنياهو على هذا السيناريو، سيبقى غانتس رئيسًا للحكومة حتى يتم انتخاب رئيس حكومة جديد.
استقالة نتنياهو من شأنها زلزلة النظام السياسي الإسرائيلي بأكمله وتقويض محاولات تشكيل حكومة بينيت – لبيد. ومع ذلك، فإن إمكانية تحقق مثل هذا السيناريو لا تبدو واقعية.