سياسةمحليات لبنانية
قالت الصحف:أسبوع مفصلي يسوده الترقب لزيارة لودريان واستئناف مفاوضات الترسيم والاتفاق النووي
الحوار نيوز – خاص
على الرغم من عطلة الفصح وغياب النسخة الورقية للصحف ،فقد رصدت بعض الصحف الكترونيا آفاق المرحلة المقبلة ،ورأت أسبوعا مفصليا يسوده الترقب للتطورات المنتظرة ومنها زيارة وزير الخارجية الفرنسية واستئناف مفاوضات الترسيم البحري وكذلك مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني التي بدأت تميل نحو التفاهم.
-
صحيفة النهار كتبت تقول: يبدو لبنان بعد العطلة الطويلة امام أسبوع مفصلي بدءا من غد وهو موعد استنئناف المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة حول ترسيم الحدود البحرية الجنوبية ومن ثم ترقب زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان لبيروت التي تبدأ مساء الأربعاء ليومين . لا يقف الامر عند ترقب نتائج ومؤشرات كل من هاتين المحطتين البارزتين على رغم الطابع المختلف والمنفصل لكل منهما عن الآخر ولكن الامر يتصل عموما بنقطة تتعلق بدلالات عودة وضع لبنان على شاشة الاهتمامات الخارجية والدولية وما اذا كان يمكن ان يؤثر ذلك إيجابا على إخراجه من الإنفاق المتصلة لأزماته المتراكمة التي تنذر بوقع كارثي في وقت لم يعد بعيدا ابدا . والاهم من ترقب المحطات والاستحقاقات التي ستحصل تباعا هو السؤال الكبير الذي يثار في كل الكواليس حول ترقب مجريات المسار الجديد الإقليمي حول محادثات فيينا للملف النووي الإيراني وما يساق حول تسوية أميركية وغربية مع ايران من جهة ومعالم تبدل النبرة بين ايران والمملكة العربية السعودية كما برزت عقب الحديث الأخير لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وترحيب ايران به من جهة أخرى . ومع ان كلا من واشنطن ولندن نفتا امس التقارير الإيرانية حول تبادل اطلاق سجناء فهذه التطورات تؤشر الى معالم حدث إقليمي دولي كبير بدأت ملامحه ترخي ذيولها على المنطقة وسيكون لبنان معنيا برصد مجريات الأمور والتحسب لتداعيات المناخ الجديد الذي يرجح ان تبدأ بلورته في وقت قريب . ولذا ستكتسب معالم المحاولة الفرنسية الجديدة لكسر الجمود السياسي وإزالة الانسداد من طريق تشكيل الحكومة الجديدة عبر زيارة لودريان أهمية مضاعفة اذ لا يمكن عزل توقيت هذه الزيارة عن المعطيات التي تملكها فرنسا حول مواقف الدول المعنية والمؤثرة في الوضع اللبناني ولا سيما منها ايران والولايات المتحدة كما ان لفرنسا دورها في المفاوضات حول الملف النووي والنفوذ الإيراني في دول المنطقة . ولذلك لم تثبت صحة كل التسريبات المسبقة لزيارة لودريان حتى الان حول موضوع فرض العقوبات على شخصيات لبنانية بداعي تورطها في تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة او التورط في الفساد اذ ليس ثابتا او واضحا بعد اذا كانت زيارة الوزير لودريان ستتناول الأبلاغ عن أسماء محددة او انه سيكتفي بالتإكيد ان الية العقوبات ستنطلق بعد الزيارة ما لم تتحرك الأمور نحو الحل مع ترجيح الاتجاه الثاني .
ويشار الى انه على صعيد رصد المواقف الداخلية من الازمة سيكون للامين العام ل”حزب الله ” السيد حسن نصرالله خطاب يتطرق فيه الى الأوضاع الداخلية يوم الجمعة المقبل لمناسبة احياء “يوم القدس العالمي” .
في غضون ذلك وفيما لم تسفر الاتصالات البعيدة عن الأضواء التي تولاها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بين بعبدا وبيت الوسط عن نتائج إيجابية ملموسة اقله كما تبين حتى الان لوحظ ان الراعي عاود امس التركيز على ملف تشكيل الحكومة كما على موضوع المؤتمر الدولي . وتوجه الراعي الى المسؤولين قائلا : “الحكومة ليست لكم بل للشعب. الوزارات ليست لكم بل للشعب. الحكم ليس لكم بل للشعب. المؤسسات ليست لكم بل للشعب. كفى شروطا لا تخدم الوطن والمواطنين، بل مصالح السياسيين. هذه هي الأسباب التي حملتنا على المطالبة بعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، وبإعلان حياد لبنان. تؤكد الممارسة السياسية أن لبنان، مهما طال الوقت، لا يقوم من حالته من دون مؤتمر دولي يعلن حياده. خارج هذا المسار سيبقى لبنان يخرج من أزمة إلى أخرى، ومن حرب إلى أخرى، ومن فشل إلى آخر، ويعطي انطباعا بأننا شعب لا يعرف أن يحكم نفسه بنفسه. وأصلا هذا هو هدف الذين يمن عون تأليف الحكومة وإعادة بناء الدولة”. ورأى أن “مسؤولية الأمم المتحدة والدول الصديقة الذهاب إلى عمق القضية اللبنانية، وإلى جوهر الحل. صحيح أننا بحاجة إلى حكومة، لكننا بحاجة إلى حل القضايا والصراعات التي تمنع من أن يكون لبنان دولة في حالة طبيعية”.
وتابع: “إن معظم هذه القضايا تستلزم مساعدة دولية لأن مصدرها ليس لبنانيا بل جاءتنا نتيجة صراعات عربية وإقليمية ودولية استغلت انقساماتنا العبثية. إن ميثاق الأمم المتحدة ونظامها الداخلي مليئان بالمواد التي تجيز عقد مؤتمر أممي لحل هذه القضايا. فلا بد من الإسراع في عقد هذا المؤتمر لأن التأخر بات يشكل خطرا على لبنان الذي بنيناه معا نموذج الدولة الحضارية في هذا الشرق، ويستحق الحياة”.
وبدوره اطلق ميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة مواقف بارزة جديدة في عظته خلال ترؤسه القداس الاحتفالي بعيد الفصح في كاتدرائية القديس جاورجيوس في ساحة النجمة ومما قال :”في هذا اليوم الذي نصرخ فيه المسيح قام نصلي من أجل أن يقوم لبنان من تعثره ويسترجع دوره ورسالته. ولكي يقوم نحن بحاجة أولا وقبل كل شيء إلى حكومة فاعلة تقوم بالإصلاحات الضرورية، وتعيد الحياة إلى مؤسسات الدولة وإداراتها، وتفعل أجهزة الرقابة، وتفرض هيبة الدولة والقانون وتكسب ثقة المجتمع الدولي. نحن بحاجة إلى حكومة لا تسيطر عليها الأحزاب المتناحرة، بل يكون أعضاؤها من أصحاب الإختصاص الناجحين في أعمالهم، المجلين كل في حقل اختصاصه، غير طامعين بمكاسب ونفوذ، بل مريدين خدمة وطنهم ووقف انهياره وإصلاح إدارته. نحن بحاجة إلى حكومة تنتزع ثقة الشعب بإنجازاتها وأولها مصارحة الشعب بالحقيقة، حقيقة انفجار المرفأ، والحقيقة حول وضع البلد المالي، وما مصير ودائع المواطنين وجنى أعمارهم، ومن تسبب في اندثارها، والحقيقة حول تهريب المحروقات والمواد الغذائية المدعومة بمال الشعب، ووضع المعابر والجمارك والإنفلات على الحدود. نحن بحاجة إلى حكومة تفرض القانون وتحاسب، تقتص من كل من يتطاول على هيبة الدولة وعلى المال العام، ومن يقوم بالاغتيالات، وكل من يشوه وجه لبنان بجعله مصدرا أو معبرا للممنوعات، وكل من يستغل مركزه أو نفوذه لتهريب ثروات اللبنانيين ومنتوجاتهم بطرق غير شرعية. نحن بحاجة إلى حكومة تكافح الفساد بالفعل لا بالشعارات، وتحفظ حقوق الناس، كل الناس، وكراماتهم، وتمنع أي تعد على المواطنين، كل المواطنين بلا تمييز، وبخاصة الإعلاميون، كل الإعلاميون، لأننا لا نميز بين خلائق الله المتساوية في الكرامة. نحن بحاجة إلى حكومة تنقلنا من الحضيض إلى حياة كريمة ينال فيها المواطن حقوقه بلا منة من أحد، ويقوم بواجباته بفرح وثقة بدولته العادلة المستقوية فقط بجيشها الساهر على أمنها، وبقضائها المستقل الذي يحكم بإسم الشعب، لا باسم فئة أو حزب أو طائفة. وللغيارى على مصالح الناس وأموالهم نقول إننا أكثر حرصا منكم عليها، ونحن لم نتوقف يوما عن المطالبة بإعادة الحق إلى أصحابه، وبكشف كل مجرم بحق المواطنين، وكل سالب لأموالهم أو متعد على حقوقهم. وللوصول إلى هذا الحق نحن بحاجة إلى قضاء متحرر من السياسة ومن كل ارتباط، ليحكم بالحق والعدل والنزاهة وعدم التمييز”.
-
وكتبت صحيفة الأنباء الإلكترونية تقول: أيام قليلة تفصل عن زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الى بيروت، فيما المسؤولون يتحسسون نتائجها مسبقاً خشية مما أعلنته باريس عن قيود على المعرقلين لتأليف الحكومة. وبانتظار معرفة ما بجعبة لودريان، يواصل رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط توجيه نداءاته الإنقاذ في كل اتجاه وتأكيد استعداده للتسوية مع أي طرف لإنقاذ لبنان، دون أن يتلقف أصحاب الشأن الفرصة السانحة في دعواته. وفيما يثبت جنبلاط في كلامه في العلن كما في المجالس الخاصة أنه الأحرص، يخسر لبنان بفعل التعطيل المستمر من المعنيين آخر فرص الحياة.
وعلى خط سياق مساعي الإنقاذ، يستمر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في رفع صوته أيضا بوجه معرقلي تشكيل الحكومة، داعيا الى الكف عن شروط لا تخدم الوطن والمواطنين، بل مصالح السياسيين.
مصادر بكركي أكدت أن مسعى الراعي كان ينطلق باتجاه جمع رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري للإتفاق على النقاط المختلف عليها، وروت لـ “الأنباء” الإلكترونية التفاصيل التي سبقت مبادرته فقالت “إن الرئيس المكلف كان يصرّ على أنه سلم عون تشكيلة الحكومة ووعده بدراستها وإبداء ملاحظاته عليها. وأبلغ الراعي أنه في حال التقى رئيس الجمهورية مجددا سيطلب منه فتح “الجارور” الذي وضع فيه التشكيلة الحكومية والتي سلمه إياها قبل عيد الميلاد ليعرف منه أين مكامن الخطأ فيها”، وأشارت المصادر الى أن “الحريري يصر على أن أسماء الوزراء المسيحيين التي تضمنتها تشكيلة الـ 18 وزيرا كان قد تسلمها من ضمن القائمة التي قدمها له الرئيس عون، ولكن بمجرد أن وضع الأسماء في المسودة التي قدمها جرى الإنقضاض عليها من قبل النائب جبران باسيل وإتهامه أنه يتدخل بوضع أسماء الوزراء المسيحيين. ومن يومها كلما تقدم بخطوة الى الأمام هناك من يريد إعادته الى المربع الأول بهدف تعطيل تشكيل الحكومة”.
وأضافت المصادر: “إنطلاقا من هذا الموقف المتشدد للحريري الذي تتفهمه بكركي، كان مسعى الراعي يرتكز على طيّ هذه الصفحة والبحث مجددا بصيغة جديدة إنطلاقا من التسوية التي سبق لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط أن تحدث عنها وهي حكومة “ثلاث ثمانات” ومن دون ثلث معطل” مشيرة الى أن “الحريري أبلغ الراعي أن لا مشكلة لديه بتشكيل حكومة من 24 وزيرا وبدون ثلث معطل، شرط أن يعلن عون موافقته المسبقة عليها ويبلغ ذلك الى الراعي، وهذا لم يحصل بعد”، ولذلك تستبعد مصادر بكركي أي تطور إيجابي يؤشر الى تشكيل الحكومة في وقت قريب، وهي أكدت “حرص الراعي على أن يكون على مسافة واحدة من الجميع كي لا يتهم أنه منحاز الى الحريري أو الى خصومه”.
في المقابل نقلت مصادر بيت الوسط عن الحريري إستياءه من “الحملة المبرمجة ضده من قبل فريق العهد الذي لم يتوانَ عن إتهامه بالقيام بجولات سياحية لكسب الوقت، فيما الحقيقة هي عكس ذلك تماما”. وقالت المصادر “الأنباء” الإلكترونية إن “الحريري يسعى لتأمين الدعم المالي والإقتصادي للبنان، وأن كل الدول التي زارها بما فيها روسيا أبلغته إستعدادها لتوفير الدعم اللازم متى تشكلت الحكومة”.
وتوقفت المصادر عند مساعي جمع الحريري بالنائب باسيل، ونقلت عن الرئيس المكلف “رفضه لهذا الطلب لأن باسيل لم يسم الحريري في الإستشارات النيابية، وأنه من اليوم الأول أعلن رفضه التعاون معه، وأنه لم يكتفِ بذلك بل أعلن مرارا وتكرارا أنه لن يمنح الحكومة الثقة، وأن الحريري سأل عن مبرر لقاء شخص لا يريده، وأنه يؤكد أنه خارج اللقاء مع رئيس الجمهورية الشريك الأساسي في تأليف الحكومة لن يلتقي أيا من القوى السياسية قبل أن تشكل الحكومة”.
كما نقلت المصادر عن الحريري قوله إن “الأمور بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسية الى بيروت لن تكون كما قبلها، وإن الحريري يدرس كل الإحتمالات”، متوقعة أن الموقف الذي قد يتخذه عقب زيارة لودريان “قد يقلب الطاولة على الجميع”.
والى كلام مصادر بيت الوسط تحدث عضو كتلة المستقبل النائب هنري شديد لـ “الأنباء” الإلكترونية عن “مؤشرات إيجابية سيحملها معه لودريان الى بيروت لكنها لن تصل الى حل عقدة تشكيل الحكومة”، الذي سيبقى برأيه معلقا الى “ما بعد إنجاز مفاوضات الملف النووي الإيراني”.
من جهته رأى عضو تكتل الجمهورية القوية النائب وهبه قاطيشا أن “لا حل قبل نهاية العهد القابض على حياة اللبنانيين وأخذهم رهينة لمصلحة فريق الممانعة المتمثل بالمحور الإيراني – السوري – العراقي”، معتبرا لـ “الأنباء” الإلكترونية أن “زيارة لودريان تنطلق من أمرين: الدخول الروسي على الخط، والعقوبات التي سيبحثها مع القوى التي سيلتقيها واستبدالها بتوجيه إنذارات لأن العقوبات تعني فشل المبادرة الفرنسية”، وقال أن ما يسعى اليه الوزير الفرنسي “يتركز على بعث الروح في هذه المبادرة”.
الى ذلك وقبل أيام من عودة مفاوضات الترسيم بين لبنان وإسرائيل قالت مصادر مواكبة لـ “الأنباء” الإلكترونية إن “الوفد اللبناني لديه كل المعطيات التي تضمّن حق لبنان في البلوكين 9 و 10 وأن المساحة المتنازع عليها هي بحدود 860 كلم مربع الى 1200 كلم مربع”، وأشارت الى أن “ديفيد هيل حصل في زيارته الأخيرة على شيء ما في الغرف المغلقة، وأن وعودا أطلقت لم يُكشف عنها بعد”.
-
وكتبت صحيفة الديار تقول: يعيش المواطن اللبناني منذ تشرين الأول 2019 في ظل إستنسابية كاملة في التعاطي معه من قبل المصارف اللبنانية حيث يطبق النافذون عمليات تحويل إلى الخارج وسحوبات نقدية بالعملة الصعبة في حين أن المودع العادي لا يستطيع القيام بها بحرية وهو ما يُشكّل عملية كابيتال كونترول “شاذة” مُرفقة بعملية إقتطاع على الودائع من باب سعر صرف الدولار على السحوبات النقدية. هذا الواقع المرّ يفرض وضع “كابيتال كونترول” علمي محترف يؤمن العدالة في المعاملة كما نصّت عليه مُقدّمة الدستور أي التساوي أمام القانون ولكن أيضًا قدسية الملكية الفردية.
عاد “الكابيتال كونترول” إلى الواجهة في الأسابيع الماضية بعد ما يُقارب العام بعد فشل الاتفاق على مشروع مع صندوق النقد الدولي. وقد تمّ تسريب صيغة مشروع قانون “الكابيتال كونترول” في صيغته النهائية، وفي أغلب الظن أنه لدسّ نبض ردود الفعل والإعتراضات عليه وبهدف تسويقه أمام رأي عام لا يعلم بالضرورة ماهية وهدف الكابيتال كونترول عامة وإذا ما كانت الصيغة الحالية ستسمح بحماية أموال المودعين أم لا. وبالتالي سنعرض فيما يلي ما يقوله العلم عن ضوابط رأس المال قبل الحديث عن صيغة المشروع المطروح.
الكابيتال كونترول في علم الاقتصاد
ضوابط رأس المال أو ما يُعرف بالـ “كابيتال كونترولز” هي عبارة عن مجموعة من الإجراءات داخل حدود بلد مُعيّن تفرضها الحكومة بهدف تنظيم تدفّق رؤوس الأموال من الداخل إلى الخارج. وقد تشمل الإجراءات:
– البيئة الإقتصادية عادة بهدف تفادي الـ “delocalization”، أو منع خروج بعض الصناعات الاستراتيجية (النووي أو التكنولوجيا)، أو فرض عقوبات…
– البيئة المالية خصوصًا القطاع المصرفي وذلك بهدف تجنب خروج كبير لرؤوس الأموال نتيجة أزمة في البلد أو نتيجة خطّة مُعيّنة قد تضعها الحكومة بهدف دعم الاقتصاد…
وتسري هذه الإجراءات على كل التدفقات المالية أو بحسب طبيعتها مثل تحويل الأموال، الإستثمارات (قصيرة أو طويلة الأمد)، الديون (قصيرة أو طويلة الأمد)، سحب الأموال النقدية، الحدّ من المضاربة على العملة الوطنية مع تثبيت سقف مسموح به للبيع…
هناك تضارب بالأراء حول إذا ما كان الكابيتال كونترول مفيداً أم لا، وفي أي إطار يُمكن إستخدامه؟ فعلى الرغم من أن الكابيتال كونترول كان جزءاً لا يتجزأ من نظام “Bretton Woods”، إلا أن سبعينات القرن الماضي شهدت ثورة الإقتصاديين الليبراليين حول الضرر الكبير الذي يُشكّله وضع مثل هذه الإجراءات على عمل السوق الحر. وعلى هذا الأساس كان لبعض الدول الغربية (الولايات المُتحدة، بريطانيا…) مواقف منتقدة لضوابط رأس المال. والمُلفت في الأمر أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أخذا مواقف مُناهضة للكابيتال كونترول وهو ما يذهب بإتجاه نظريات إقتصادية ليبيرالية عديدة تدعم العولمة خصوصًا على الصعيد المالي وعلى صعيد الإستثمارات.
بالطبع في الإقتصادات المُوجّهة حرية تنقل رؤوس الأموال هو أمر غير متوفّر بالضرورة وبالتالي غابت الإستثمارات العالمية عن البلدان ذات الطابع الشيوعي نظرًا إلى التقييد على رؤوس الأموال ولكن أيضًا خوفًا من عمليات التأميم.
بعض الإقتصادات الحرّة في العالم إعتمدت “الكابيتال كونترول” على إثر أزمات مالية أو إقتصادية مثل الأزمة الأسيوية في تسعينات القرن الماضي أو الأزمة العالمية في العام 2008، أو الأزمة القبرصية في العام 2013، أو الأزمة اليونانية في العام 2015، لفترات قصيرة كان هناك إجراءات حكومية للسيطرة على الأزمة.
حرّية تنقل رؤوس الأموال، في ظل شراهتها وجبنها، جعلها مصدراً للأزمات بحدّ ذاتها وبالتالي تمّ إتخاذ إجراءات إحترازية من قبل الحكومات بالتوازي مع سياسات الاقتصاد الكلي كوسيلة لتخفيف آثار التدفقات المتقلبة على اقتصادات الدول. الجدير ذكره أن واحدة من التعقيدات التي تفرضها حرّية تنقل رؤوس الأموال هي ما ينصّ عليه مثلّث عدم التوافق (impossible trinity): لا يُمكن الحصول على حرية تنقّل رؤوس الأموال، وسعر صرف ثابت، وسياسة نقدية مُستقلّة في آن واحد. هذا الأمر لا يعني أن حرية تنقّل رؤوس الأموال هي غير جيّدة، لا بل على العكس، عدم وجودها يحرم البلد من رؤوس الأموال التي تُعتبر المُحرّك الأساسي للنمو الاقتصادي (مثال تركيا).
عمليًا، إقرار قانون كابيتال كونترول يطال القطاع المالي، يجب أن يأتي في ظلّ خطّة حكومية تكون فيها مُدّة العمل بالقانون قصيرة وذلك بحكم أن الهدف هو لجم حركة رؤوس الأموال الناتجة عن الذعر من أزمة مُعيّنة على أن تُعالج الخطّة الحكومية أسباب الأزمة وتُخفف من مخاوف أصحاب رؤوس الأموال.
“الكابيتال كونترول” في لبنان
“الكابيتال كونترول” في لبنان، كان ليكون ذا فائدة قصوى في أوائل الأزمة ـ أي في تشرين الأول 2019 ـ بالتوازي مع خطّة حكومية تُعالج الخلل القائم آنذاك والمُتمثّل بغياب السياسات الإقتصادية وإنتشار مُفرط للفساد. هذا الأمر لم يحصل على الرغم من ضغط صندوق النقد الدولي (منذ ما يُقارب العام) وبالتالي ومع ارتفاع الأصوات بإقرار القانون، أصبح قانون الكابيتال كونترول مطلبًا شعبيًا قد يكون المُحرّك الأساسي لما يحصل حاليًا. وبالنظر إلى مُحتوى المشروع المُسرّب لقانون الكابيتال كونترول، يُمكن الإستنتاج أنه آت لتلبية مطلب شعبي (وشعبوي!) أكثر منه لمعالجة الأزمة نظرًا إلى الثغرات التي تعتريه والتي لن توصل إلى الهدف النبيل منه أي حماية أموال المودعين ووقف الإستنسابية. الملاحظات على هذا المشروع عديدة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولا ـ لا يوجد حكومة أصيلة خلف مشروع القانون هذا وبالتالي فإن إقراره يعني بكل بساطة ألا آفاق عملية أو زمنية له على الرغم من تحديد فترة سنة قابلة للتجديد. وبالتالي لا يُمكن لهذا القانون أن يكون حلا للأزمة بل يجب أن يكون إجراء إلزاميا في مصفوفة إجراءات يتوجّب على الحكومة أخذها؛
ثانيًا ـ تنص الفقرة “أ” من المادّة الثانية على أن سقف السحوبات للمودعين هو 20 مليون ليرة لبنانية شهريًا. وهنا يُطرح سؤال جوهري: من أين ستأتي المصارف بهذا الكمّ من الليرة اللبنانية؟! ألن يتمّ طبع العملة من أجلّ تلبية هذا الطلب الذي سيكون هائلا من دون أدنى شكّ؟! في الواقع التقديرات الأوّلية أن حجم الكتلة النقدية سيتضاعف في فترة لا تتجاوز العام!
في الواقع هذا السقف هو سقف شعبوي بإمتياز نظرًا إلى أن الحاجة لليرة اللبنانية هي في التعاملات الداخلية وبالتالي كان يجب بالأحرى فرض قبول وسائل الدفع الأخرى على التجّار نظرًا إلى أنهم يُساهمون بشكل كبير في طبع العملة المُفرط!
ثالثًا ـ تنصّ الفقرة “ج” من المادّة الثانية على أنه يمكن لأصحاب الودائع بالعملة الصعبة أن يسحبوا أموالهم بالليرة اللبنانية على أن يتمّ الأخذ في الاعتبار “أسعار السوق الرائجة”. هذا الأمر يعني إعترافًا ضمنيًا من قبل المُشرّع اللبناني بتحرير كامل لسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي مع ما يحمله هذا الأمر من مخاطر من ناحية سدّ القروض وأسعار السلع الأخرى (خصوصًا المدعومة)، وبالتالي تُرك المواطن اللبناني في وسط العاصفة يُحارب وحده كما كان الحال في الثمانينات والتسعينات.
هذا الأمر ليس بإنجاز! الإنجاز هو وضع خطّة لردّ أموال المودعين وبعملة الوديعة.
رابعًا ـ إستثنت الفقرة الرابعة من المادّة نفسها من مشروع القانون السحوبات النقدية من الودائع بالعملة الأجنبية التي تكوّنت من تحويلات من الليرة اللبنانية بعد العام 2016. وبالتالي قام المجلس النيابي بخلق دولار جديد هو الدولار المصرفي غير القابل للسحب على سعر السوق الرائجة والناتج عن تحويلات من الليرة اللبنانية!
السؤال المطروح بالنسبة لهذه المادة، ما حال عمليات الصرف على الـ 1515 للمبالغ قبل هذه الفترة وبعدها، هل سيتم اعتمادها أم سيطالب أصحابها برد الفارق. وهل يمكن تصنيف العمليات السابقة بقوانين لاحقة – أي مفعول رجعي؟ وما قيمة الالتزامات والعقود؟ وهل يمكن أن يفتح ذلك بابًا لضرب مصداقية جميع الالتزامات والعقود بين المتعاقدين في المجالات الأخرى؟ أي إنها سابقة في مفهوم الالتزام وباب للتفلت منها. هنا نرى الاستنسابية والتخبط في صياغة هذه المادة المخالفة لروح الواجبات والحقوق في التشريع المدني.
في الواقع يتساءل المرء عن هدف هذه المادة وكيف لهم أن يقوموا بتطبيقها؟ فعلى سبيل المثال، إذا قام مودع بتحويل أمواله من الليرة إلى الدولار بعد عام 2016 وقام بعدها بشراء عقار من شخص أخر، فهل سيتم إعتبار الحساب الجديد لبائع العقار على أنه أموال مُحوّلة من الليرة إلى الدولار؟ وكيف يمكن التفريق بين ما وضعه المودع نتيجة عملية صرف في بنك آخر من عملية بيع بالدولار خصوصًا إذا كانت الإيداعات تحت سقف تصريح مصدر الأموال… في الواقع هناك إستحالة لتطبيق هذه المادة تقنيًا!!
خامسًا ـ نصّت الفقرة الخامسة من المادة نفسها على منع التحويل من الليرة اللبنانية إلى العملة الصعبة إلا في حال توفّر التغطية النقدية الكافية لدى المصرف. هذا الأمر لا يُفيد المودع بحكم أن المصرف لن يقوم بأي عملية تحويل إما لأن لا مصلحة له فيها متذرعاً بعدم وجود التغطية للبعض دون الآخرين وبالتالي فإنه إما أن يقوم بذلك من أمواله الخاصة (لا مصلحه له) أو من أموال المودعين الأخرين، أو نظرًا إلى غياب أي خطّة إنقاذية تجعله قادراً على تصور حد للإستنزاف الحاد والإلتزامات غير المجدية. وكلاهما أمر مستبعد في أحسن حالاته إن لم يكن مُستحيل التطبيق!
سادسًا ـ الفقرة 1 من المادّة الثانية عرفت “الأموال الجديدة” من دون أن تُحدّد التاريخ مما يعني أن كل الأموال التي تمّ تحويلها من الحسابات المصرفية من خارج لبنان إلى لبنان قبل تاريخ إقرار القانون غير مشمولة وهذا غير عادل للمودعين أيضاً نظرًا إلى وجود تعاميم سابقة من قبل مصرف لبنان. هذه الأخيرة أقّل قدرة مُقارنة بالقوانين وبالتالي فإن أي خلاف بين المودعين والمصارف (وستكون عديدة) سيتمّ إعتماد القانون!
أيضًا هل هذه داخلة تحت إبتداع مصطلح قانوني جديد. أي: هل بدعة الأموال “الجديدة” ستصبح مصطلحاً قانونيًا جديدًا في عالم القانون اللبناني ومنه إلى قانون النقد والتسليف؟
سابعًاـ إستثنت الفقرة الثانية من المادة الثانية أموال المؤسسات الماليّة الدوليّة والسفارات الأجنبية والمنظمات الدوليّة والإقليميّة والعربية. فهل هذا يعني أن هذه المؤسسات يحق لها أن تقوم بعمليات صرف معتمدة دون غيرها من المودعين بغض النظر عن تواريخ هذه العمليات، ومن يتحمل تكلفة هذا الصرف إذا علمنا أن الكلفة الحقيقية تقع على العملة اللبنانية من خلال الاحتياطي؟
وهنا يُطرح أيضاً سؤال آخر في هذا المجال: هل الأموال السورية هي ضمن هذه الإستثناءات؟ وماذا عن قانون قيصر؟
ثامنًا ـ نصّت النقطة “د” من الفقرة الثانية من المادّة الثالثة على إستثناء من يريد تسديد نفقات في الخارج عائدة للاشتراكات والتطبيقات على الإنترنت. وهذا الأمر قد يفتح بابًا لتهريب الأموال إلى الخارج من خلال إتفاقيات مع شركات خارجية قد تُنشأ لهذا الأمر. وكان المفروض وضع سقف سنوي لا يُمكن تخطّيه!
تاسعًا ـ نصّت الفقرة “ثانيًا” من المادّة الثالثة على ألا يتعدّى السقف لكل الفئات المُستثناة من منع التحويل، الـ 50 ألف دولار أميركي سنويًا. وهنا يُطرح السؤال عن قدرة المصارف على تلبية هذا الكمّ الهائل من التحاويل على الرغمّ من أحقّية هذه العمليات قانونيًا وأخلاقيًا وإقتصاديًا؟
عاشرًا ـ طرحت الفقرة “ثالثًا” أن السقوف السنوية هي إجمالية من جميع حساباته بما فيها المُشتركة لدى جميع المصارف اللبنانية! وهنا يُطرح السؤال: من سيقوم بهذا التدقيق؟ ألا يوجد هناك سريّة مصرفية؟ ألا تتعارض هذه الفقرة مع قانون سرّية المصارف؟
على كل الأحوال، لائحة المُلاحظات على قانون الكابيتال كونترول تطول ووجب علينا علميًا إظهار بعضها علّها تصل إلى آذان المعنيين ليعلموا ضرورة تشكيل حكومة تتحمّل مسؤولياتها (الدين العام مثلا!) ويكون فيها قانون كابيتال كونترول عادل ومُحكَمْ جزءًا من خطتها، لا قانونًا أعرج تعتريه النواقص والثغرات سعياً وراء رضا صوري لرأي عام على بعد عام من الانتخابات النيابية.
تفاعل سلبي من قبل المؤسسات الدولية
من نتائج المغامرة غير المحسوبة لحكومة دياب في عدم دفعها لسندات “اليوروبوندز”، تتكشف الآن في الأسواق خطوات منطقية تعكس سوء الحالة اللبنانية ليس على المستوى الداخلي فحسب بل على المستوى العالمي، وآخرها قرار إحدى أهم المؤسسات الدولية، والرافعة المعتبرة للأسواق المالية ستاندارد آند بورز. إضافة إلى ذلك، فإن التقاعس في تشكيل الحكومة وإطلاق خطّة نهوض بالتوافق مع صندوق النقد الدولي، دفع العديد من المُستثمرين إلى الهروب نظرًا إلى المخاطر العالية الناتجة عن إعلان الحكومة وقف دفع سندات “اليوروبوندز” و”الكابيتال كونترول” المفروض على الأرض.
على هذا الصعيد أطلقت وكالة التصنيف الإئتماني “ستاندارد آند بورز” (بالتحديد القسم الذي يُعنى بمؤشرات سوق الأوراق المالية) عملية إستشارية بهدف سحب الأسهم اللبنانية من كل مؤشراتها نتيجة “لأسوأ أزمة اقتصادية في لبنان منذ عقود”. وقالت الوكالة إنها اتخذت بالفعل بعض الإجراءات بهدف “معالجة مشاكل الوصول إلى الأسواق في لبنان والناجمة عن فرض ضوابط على رأس المال” مُشيرة إلى أنه “لم يتم إحراز تقدم يذكر لمعالجة المشاكل التي تسببها هذه الضوابط”.
وفي بيانها قالت الوكالة “بالنظر إلى الوضع في البلاد فيما يتعلق بنقص العملات الأجنبية ومخاوف إستعادة الأموال، تقترح “S&P DJI” إزالة مكونات المؤشر الموجودة في لبنان من مؤشر “S&P Pan Arab Indice” وقامت الوكالة بإعادة تصنيف لبنان من سوق حدودي (frontier market) إلى سوق معزول (stand-alone market) في شباط الماضي، وبالتالي إزالة جميع المكونات من مؤشر “S&P Frontier BMI” والمؤشرات الفرعية ذات الصلة”.
هذا الأمر سيكون له تداعيات مباشرة على كلٍ من بنك عودة، وبلوم بنك، وبنك بيبلوس، وشركة سوليدير، ولكن أيضًا على الإستثمارات الدولية في لبنان نظرًا إلى أن المُستثمر يلجأ إلى وكالات التصنيف الإئتماني من أجل معرفة تصنيف البلد والحصول على “Benchmark” لتقييم أداء الإستثمارات.
-
وكتبت صحيفة الشرق الأوسط تقول: يحط وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، في مطار بيروت، مساء الأربعاء المقبل، لزيارة تدوم 24 ساعة يلتقي خلالها كبار المسؤولين وعدداً محدوداً من السياسيين، متسلحاً، هذه المرة، بورقة “القيود” التي فرضتها باريس، كخطوة أولى، على عدد من السياسيين اللبنانيين غير معروفي الهوية بمنعهم من الدخول إلى الأراضي الفرنسية بسبب ضلوعهم في “عرقلة” الخروج من الأزمة، أو بسبب انغماسهم في الفساد. لكن باريس تريد الذهاب أبعد من ذلك. فقد علمت “الشرق الأوسط” من مصادر واسعة الاطلاع في العاصمة الفرنسية أن باريس تعمل مع الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا لفرض عقوبات مشتركة على الجهات الفاسدة أو المعطلة بعدما تبين للمسؤولين الفرنسيين أن العقوبات الأوروبية التي تدفع بها إلى الأمام تواجه عدة عراقيل، وربما لن تأتي أبداً. من هنا، فكرة العمل مع جهات مستعدة لممارسة الضغوط الجدية على السياسيين اللبنانيين، إما على صعيد فردي أو جماعي، ولكن خارج إطار الاتحاد الأوروبي. وتأتي على رأس لائحة العقوبات الإضافية تجميد أرصدة الأشخاص المعنيين، بحيث يكون الجمع بين منع الدخول وتجميد الأموال وإمكانية أن يفضي إلى محاكمات في إطار القانون الفرنسي المسمى “الأصول المكتسبة بشكل غير شرعي” بمثابة “سلاح رادع” ترددت باريس طويلاً في اللجوء إليه.
لكن، حتى اللحظة، ما زالت الأمور في بداياتها. ويريد لو دريان الاستماع مباشرة من محاوريه إلى آخر المستجدات وفي جعبته ثلاثة ملفات رئيسية؛ أولها إعادة التأكيد على أن “المبادرة” الفرنسية ما زالت حية رغم الإخفاق الذي حل بها بعد مرور ثمانية أشهر على إطلاقها. والقراءة الفرنسية تقوم على اعتبار أن عملية الإقناع وعرض المحفزات، إن على الصعيد الفرنسي المحض، أو على الصعيد الأوروبي، لم تفض إلى نتيجة في الوقت الذي تتعمق فيه الأزمة اللبنانية. من هنا، فإن الرهان على ورقة العقوبات التي انتقلت من حيز الافتراض إلى واقع، وإن ما زالت في جيب الوزير، من شأنها أن تدفع المعرقلين والفاسدين إلى إعادة النظر بمواقفهم. والملف الثاني الذي يحمله لو دريان عنوانه التعرف من المسؤولين على ما يخططون له عند رفع الدعم عن المواد الأساسية وما يمكن لباريس أن تساهم به، خصوصاً أن هناك تخوفات من أن تفضي خطوة كهذه إلى هزات اجتماعية واهتزازات أمنية. وأخيراً، سيسعى لو دريان للنظر عن قرب عما يمكن “تحريكه” في لعبة الشطرنج اللبنانية المعقدة بأبعادها الداخلية والخارجية وإطلاع المسؤولين اللبنانيين على آخر تصورات الطرف الفرنسي.
ليس سراً أن “الرؤية” الفرنسية للحكومة اللبنانية العتيدة التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون في الأول من سبتمبر (أيلول) الماضي، إبان زيارته الثانية إلى لبنان، قد ألمت بها تحويرات متعددة. واعترف ماكرون لاحقاً في لقاء صحافي أن هذه الحكومة قد لا تكون المثالية ووفق المواصفات الأصلية. وتقول أوساط مطلعة على ما أفضت إليه المداولات الداخلية الفرنسية أن ما يهم باريس في الوقت الحاضر أمران: الأول، أن تتشكل حكومة لبنانية في أقرب وقت ممكن تلافياً للانهيار القادم، ولأن الفراغ المؤسساتي لن يتيح للبنان أن يقدم على أي خطوة إصلاحية أو إنقاذية. ولذا، تدعو باريس الأطراف اللبنانية إلى “الابتعاد عن التشبث بشروط ستجعل ولادة الحكومة صعبة وربما مستحيلة”. وبالمقابل، فإن ما تركز عليه الدبلوماسية الفرنسية ــ الأمر الثاني ــ هو نظافة كف الوزراء الجدد وإمكانية العمل معهم مع مراعاة الاختصاص. أما لجهة عدم ارتباطهم بأحزاب أو تماهيهم معها، فإن باريس تعي أن الصيغة اللبنانية بالغة التعقيد، ومن الصعب فرض وزراء على أحزاب ممثلة في المجلس النيابي سيكون لها أن تمنح الحكومة الثقة، وأن تتعاون معها في إقرار القوانين الإصلاحية والخطة الإنقاذية، وبالتالي لم تعد تتوقف كثيراً عند هذه النقطة بالذات. وفي أي حال، ما زالت باريس تدعو إلى مواجهة الأمور الملحة اليوم قبل الغد باعتبار أن الانهيار المتسارع لكافة الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية لم يعد من النوع الذي يمكن تأجيله. لذا، سيشدد لو دريان على ضرورة “مواجهة الحاضر” وتوفير فرصة لولادة “حكومة مهمة”، فيما المسائل الخلافية الأخرى المتجذرة يمكن معالجتها لاحقاً.
واضح أن القراءة الفرنسية تركز على التعقيدات الداخلية اللبنانية، وقد سبق للرئيس ماكرون أن اقترح حكومة مهمة لمدة ستة أشهر وأرفق اقتراحه بخطة إنقاذية طموحة. بيد أن شيئاً من هذا لم يحصل وبقيت الطبقة السياسية على تصلبها وحساباتها وارتباطاتها بحسابات إقليمية ودولية. والتخوف أن يكون الوزير لو دريان ذاهباً إلى بيروت من غير تمهيد الطريق إقليمياً، وبالتنسيق مع واشنطن وموسكو. وثمة قناعة مترسخة أن الملف اللبناني مرتبط مباشرة بما يجري في فيينا من محاولات لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني. ويبقى السؤال عن تبعات الاتفاق من عدمه على الساحة اللبنانية، وما إذا كان سيدفع باتجاه تليين المواقف، أم أن هناك فريقاً يرى أنه المستفيد الأول، وبالتالي سيعمد إلى مواقف أكثر تشدداً في القادم من الأيام؟