كتب حسين حاموش
بتاريخ 22 حزيران 2020 حيث كان سعر الدولار الاميركي مقابل الليرة اللبنانية 5500- 5600 ل.ل كتبت المقال التالي عن البونزية بعنوان :”النظام البونزي”:”خذ من زيد وأعط جنيد”…. لماذا حماية البونزيين في لبنان ؟
قرأنا في الصحف عن أن لبنان هو ضحية انهيار النظام البونزي … وأن “البونزيين “ في لبنان يتحملون المسؤولية .
فما هو النظام “البونزي”؟
صاحب النظام هو كارل بونزي – ايطالي الجنسية – هاجر الى أميركا عام 1903 ومنها الى مونتريال في كندا .عمل كموظف في فرع لبنك ايطالي هناك .
من خلال وظيفته في البنك المذكور تعرف على الكثير من زبائن وعملاء المصرف حيث عرض على أغلبهم أن بإستطاعته أن يدفع لهم كفائدة على ودائعهم 50% بينما البنك – الذي يعمل فيه- يدفع لهم 6% ..
صدق أكثرية زبائن وعملاء المصرف ومعظمهم من أبناء الجالية الإيطالية في كندا…
تضاعف عدد الزبائن بعد أن ذاعت شهرته ، حيث كان بعد 45 يوما يسدالمال للزبائن السابقين مع نسبة الفائدة – الربح – الموعودة من مال ما يأتيه من الزبائن الجدد على قاعدة : “خذ من زيد وادفع لجنيد “ مع احتفاظه بمبالغ فاقت الملايين من الدولارات حيث راح ينفق على نفسه وعائلته واصدقائه الذين كانوا يعرفونه على المزيد من الزبائن .
لكن سرعان ما وقعت الواقعة حيث تفاقمت نسبة الأموال التي كان يتوجب عليه تسديدها من تلك التي كان يقبضها (من الزبائن).
انتقل كارلو بونزي إلى أميركا حيث افتتح شركة مارس من خلالها مهنة الإحتيال الذي عرف به.
وبعد أن بلغت قيمة ما ائتمنه عليه زبائنه 20 مليون دولار اكتٌشف أمره وحكم عليه بالسجن لعدة سنوات ثم طرد إلى ايطاليا .وكان من ضحايا بونزي افلاس 5 مصارف أميركية .
هذا هو النظام “ البونزي “،وهذا ما كان مصيره.
في لبنان للأسف جرت حماية البونزيين ونظامهم من قبل من في الداخل والخارج.
صدق من قال:” قتل امريء في غابة جريمة لا تغتفر.. وقتل شعبٍ كامل وجهة نظر”. …. (انتهى المقال) .
تكاثر أحفاد بونزي في لبنان ووصل الكثير منهم إلى أعلى المناصب في النظامين: المالي- النقدي- المصرفي والسياسي. وصار عدد منهم أصحاب مصارف تجارية، كما صار البعض الآخر منهم من المساهمين الكبار أو أعضاء مجلس إدارة في العشرات من المصارف حيث بنوا هرمًا ائتمانيًا ضخمًا، جذب المال اللبناني (في الداخل والخارج)، والأجنبي بنسبة فوائد أعلى من دول العالم حيث ذهب القسم الكبير منها إلى الحكومات المتعاقبة منذ التسعينات.
وحيث كانت المدفوعات أقل بكثير من الأموال المقبوضة. “كان كل شيء بخير”!!
نتيجة لأسباب معروفة لا داعي لتكرارها انكشف مع بداية الفصل الأخير من العام 2019 الوضع الهش للنظام المصرفي الذي وفر قروضًا للعموم بلغت 40 مليار دولار.
واشترى سندات دين الدولة اللبنانية بواسطة وبمشاركة مصرف لبنان بلغت قيمتها 70% من مجموع الدين منها: 30 مليار دولار في شهادات إيداع مصرف لبنان، و34 مليار دولار في سندات الخزينة.
وعلى ضوء ذلك، بدأت السحوبات في خريف 2019 بالدولار حيث تراكمت مليارات منها في المنازل، وجهد مصرف لبنان ومازال لاستعادتها بأساليب وطرق متنوعة!؟
كما تم تهريب كميات من مليارات الدولارات إلى الخارج.
وبتراجع ثقة المودعين والعموم، والدفق الخارجي لا سيما الاغترابي لجأت المصارف إلى إقفال أبوابها.
في علم الاقتصاد هذا هو التعثر جملة وتفصيلًا ومخالفة صريحة لقانون النقد والتسليف الذي يلزم المصرف التجاري بدفع الوديعة غب الطلب أو خلال فترة زمنية يتفق عليها مع المودع وليس اللجوء إلى “كابيتال كونترول” أو “هيركات”.
ومع بداية رحلة تقهقر وانحدار المالية العامة في النصف الأول من التسعينات وما بعده وسط استمرار محميات الفساد والهدر، أوعزت الإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش الابن وحلفاؤها إلى صندوق النقد الدولي بعدم تلبية طلبات لبنان، بذريعة أن سوريا لا تلبي أوامر أميركا- والحلفاء- حول ضرورة لجم المقاومة في فلسطين ولبنان وقطع العلاقات مع إيران وتقليص العلاقات مع العراق، لا سيما استيراد النفط الرخيص في زمن العقوبات على بغداد- آنذاك.
إثر ذلك، وإذ تمنعت المؤسسات الدولية عن إقراض الحكومة اللبنانية زاد الاعتماد من قبل الحكومات اللبنانية المتعاقبة على المصارف المحصنة بودائع تتجاوز احتياجات اقتصاد لبنان إلى درجة خيالية الأمر الذي أخر الانهيار المالي إلى يومنا هذا.
ومع القرار الذي اتخذته الحكومة برئاسة الدكتور حسان دياب في 8 آذار 2020 بعدم تسديد مستحقات “يوروبوند” توقف الدفق الخارجي للدولارFresh Money بشكل شبه نهائي باستثناءات قليلة حيث بدأت رحلة ارتفاع الدولار من منتصف نيسان 2020.
النظام البونزي اللبناني كان يحيى على التدفقات الخارجية ليستمر الفساد والهدر والأرباح الهائلة ونهب اللبنانيين (في الداخل والخارج). وإذ توقف الدفق الخارجي وضغط أصحاب الودائع على المصارف انهارت العملة وما يزال سعر الدولار مقابل الليرة يحلق صعودًا تدريجيًا… وبدأت رحلة وضع صندوق النقد الدولي يده على لبنان وفق خطة رسمتها الآلية التنفيذية لصفقة القرن. إثر إعلان الرئيس الأميركي السابق ترامب (بتاريخ 16-12-2017) عن “صفقة القرن” حيث أكد على:” القدس كل القدس تكون عاصمة إسرائيل”.
وبعدما نقلت السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس بتاريخ 14-5-2018. وبعد مناقشة الخطوط العريضة “لصفقة القرن” بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية رأى الطرفان :
“إن صفقة القرن تفترض أجراء سلسلة من العمليات الجراحية العميقة والمعقدة تدريجيًا دون الغوص في المدى القريب أو البعيد”. “والعمليات الجراحية تقتضي سير جميع غرف العمليات المشتركة بين الطرفين في آن واحد: السياسية، العسكرية، الأمنية، الاقتصادية الخ… وحدد الهدف كما هو معروف جميع الدول والأحزاب والمنظمات والهيئات والمجموعات التي تقف حجر عثرة في طريق الصفقة المذكورة التي لا تكتفي بإزالة فلسطين والفلسطينيين، بل تدفع نحو مسار استراتيجي يكرس القيادة الإسرائيلية للمنطقة- الشرق الأوسط- حيث ستسخر لها جميع ثروات المنطقة لا سيما الخليجية”.
ماذا عن لبنان؟
نبه جيمس جيفري المبعوث الأميركي لمكافحة الإرهاب من:” أن لبنان والعراق على درب التوازن الصعب، بين المعادلات الداخلية والعلاقات الخارجية”.
حسب الإعلام (الغربي- الإسرائيلي وبعض الخليجي) جاء:” أن تطور المواجهة مع حزب الله تقتضي خطة واضحة تكون قاسية ليس على حزب الله فقط ،بل على لبنان ككل وتحديدًا على حلفاء حزب الله وبيئته… وهذا يتطلب وضع حد لرهاننا في لبنان على براغماتية الحلفاء (لأميركا…) التي لم تؤت ثمارها المطلوبة منها رغم علمهم (الحلفاء) بمدى توفر التغطية المطلوبة لهم”!!
وحسب مصادر بعض الشخصيات اللبنانية (لها علاقات مع بعض الشخصيات الأميركية) “أن شخصية لبنانية أكدت للموفدين الأميركيين الرسميين اللذين زاروا بيروت أكثر من مرة في فترات عديدة على أن: “ نحن نعرف من أين تهب الرياح الصفراء على لبنان وما هي التداعيات الدراماتيكية. والواقعية تفرض علينا كحلفاء (للموفدين الأميركيين) أن لا إمكانية لدينا جميعًا لخوض مواجهة عسكرية داخليًا… مع العمل بشعارين:- ” من نام عن عدوه نبهته المكائد”.- ”أحذر دائمًا من مودة العدو ولو قدم لنا العسل”.- وقدمت الشخصية المذكورة نصيحة للموفدين الأميركيين:” التضييق على العدو اقتصاديًا وماليًا ومحاصرته سياسيًا ودوليًا وإقليميًا”!!
وكشفت المصادر اللبنانية المذكورة أعلاه أن “الأميركيين والإسرائيليين اتفقوا مع حلفائهم العرب على تنفيذ ما يلي (في لبنان) :
1- قرار أممي في ما خص النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين تحت عنوان: تأجيل البحث بعودتهم إلى ما بعد الحل السياسي الشامل وفق مندرجات صفقة القرن.
2- ربط عدم العودة بإعادة بناء وقائع الوضع الديومغرافي في الشرق الأوسط الذي تنخر كياناته صراعات عرقية وقومية ودينية وطائفية ومذهبية، بعضها يتعلق بعدم نضج خرائط المصير الجديد لجميع شعوب المنطقة ،وبعضها الآخر يتعلق بمآل الصفقة – صفقة القرن- والصراعات على غاز المنطقة وحدود تقسيم العمل الجديد على النطاق الإقليمية من ضمن خارطة تقسيم العمل على النطاق الدولي.
3- مؤتمر “سيدرز”: تنفيذ المقررات يقتضي ربط الأموال بالقبول بشرط:
أ- تحويل جزء من الاستثمارات لمصلحة تشغيل اليد العاملة من النازحين السوريين، وبالتالي تأمين إجازات عمل وإقامات باعتبارهم نازحين يتمتعون بحقوق معترف بها دوليًا (التمهيد للتوطين).
ب- بعدم صرف أموال في لبنان أو إعطاء قروض من قبل صندوق النقد الدولي من دون مقابل، أي لن يكون هناك دعم مفتوح أو لفترة طويلة أو متوسطة (حاليًا ينفذ هذا البند من قبل أميركا وحلفائها).
ج- عندما يصل الدين المترتب على الدولة اللبنانية إلى ما بين 70 إلى 100 مليار دولار، أي بلوغ الانهيار التام- الإفلاس الكامل- يتطلب من الحكومة اللبنانية والقوى السياسية- الحليفة- القبول بالتوطين للفلسطينيين والسوريين مقابل شطب الدين بكامله، وبالمقابل يعطى لبنان هبات بمبالغ معادلة.
يجب مواكبة ذلك بحملة تصاعدية ومركزة إعلاميًا للإضاءة على حالة الفوضى المالية والضيق الاقتصادي والمعيشي بالتزامن مع تحرك متواصل لحراك المجتمع المدني.
د- إجراء الاتصالات المطلوبة مع الاتحاد الأوروبي من أجل زيادة برامج الدعم لمنظمات المجتمع المدني في كل من لبنان، سوريا، والعراق وايران وغزة والضفة الغربية والجولان- المحتل.
في بداية تشرين الأول 1972 جرت مفاوضات في باريس بين وفد أميركي ووفد فيتنامي شمالي (الفيتكونغ) لإنهاء الحرب بين الجانبين. بادر رئيس الوفد الأميركي بالسؤال لرئيس الوفد الفيتنامي:هل يعقل أننا نتفاوض وأنتم تستمرون في عملياتكم ضد جنودنا؟
أجاب رئيس الوفد الفيتنامي الشمالي:“ نقوم بذلك لنؤكد لكم وللعالم بأسره على أن المؤامرة ليست كالمسطرة لجهة تنفيذها..”
زر الذهاب إلى الأعلى