محاولات لخطف الشارع خارج الهموم المعيشية
من يذكر تاريخ ٦ حزيران 2020 يتبادر الى ذهنه مباشرةً الشعارات التي طرحها، آنذاك، حزب الكتائب وأراد من خلالها حرف بوصلة الانتفاضة من انتفاضة شعبية مطلبية بامتياز، وقفت ضد سلطة النهب والفساد، الى محاولة رفع سقوف الشعارات باتجاهات غير التي خرج الناس من أجلها. واليوم تكرر القوات اللبنانية المحاولة ذاتها متلطيةً تحت عباءة بكركي، وهي حاولت منذ الصباح الباكر ” خطف” لبنان والانتفاضة معه، تحت شعارات مريبة. وبحسب مصادر خاصة فإن التوجهات التي كانت القوات وبعض حلفائها بصددها، هي اعلان العصيان المدني حتى اسقاط الرئيس ميشال عون، غير أنها تجنبت هذا الأمر لسببين هنا:
_ عدم رغبتها حاليًا في خوض معركة مسيحية مسيحية.
_ عدم تقديرها مدى استجابة اللبنانيين لشعار العصيان المدني المفتوح.
بناءً عليه، فإن القوات اللبنانية عدلت من شعارها لهذا اليوم وحولته الى يوم غضب كي تبني في نهاية هذا النهار، على الشيء مقتضاه. فإما تستمر بخطتها أو تتراجع تكتيكيًا.
وقد عبر عن هذه المعلومات أيضًا عدد كبير من مجموعة جل الديب عبر وسائل اعلام مختلفة وبخاصة قناة الجديد. وقد حدد هؤلاء الشبان هدفين لتحركهما تمثلا باسقاط عون وتسليم سلاح المقاومة، وهم يؤكدون أن تحركهم هو استحابة لمطالب بكركي في هذا المجال.
إن مثل هذا الخطاب السياسي لا يقدر فعليًا الأفق الذي قد يجر لبنان إليه.
إن إنتفاضة ١٧ تشرين لا تشبه تلك التحركات بشيء، بل غالبية الذين زينوا الساحات لسنة كاملة طرحوا شعارات واضحة ومحددة تهربت منها القوات اللبنانية وحزب الكتائب اللذان يبدو واضحًا أنهما يسعيان الى نتش بعض النواب من جسد التيار الوطني الحر ولا شيء يعنيهما غير ذلك. فالأجدى كان ولا زال، هو المطالبة بتنفيذ مندرجات الدستور اللبناني وبخاصة اقرار قانون انتخابي عادل لا طائفي وتخفيض سن الاقتراع الى ١٨ سنة.
من هنا السؤال للسلطة الحاكمة ومن ضمنها القوى المتمسكة بطائفية النظام التي تتحرك اليوم تحت الشعارات المذكورة آنفًا.
هل اتفاق أهل الطبقة السياسية الحاكمة فيما بينهم هو الحل لأزمتنا الوطنية المستفحلة؟
لا تتوقف الأزمة على وزير من هنا وآخر من هناك، ولا تكمن في ثلث معطل وثلث غير معطل. اطلاقًا ليست الأزمة في هذه الجزئية على أهميتها، إنما الأزمة الحقيقية في ماهية المشروع السياسي الاقتصادي الذي سيتبناه ويطرحه الحريري وكل القوى السياسية التي تجاهد لتشكل معه الحكومة المنتظرة.
كيف ستعالج الحكومة العتيدة العالق تكليفها بين واشنطن وباريس وجدة وطهران المشكلات التالية؟ وهل لدى أطرافها نوايا جدية للمعالجة؟
_ كيف ستوقف تدهور سعر صرف الدولار؟
_ كيف ستعالج الأزمة النقدية والاقتصادية؟
_ ما هو الحل لقضية المودعين؟
_ ماذا ستفعل بالدولار الطالبي؟
_ كيف ستوقف نزيف الأدمغة الحاصل في جسد الوطن؟
_ ماذا ستفعل بقضية استعادة الأموال المنهوبة؟
_ ماذا عن ترشيد الانفاق؟
_ ماذا عن وضع خطة لرزنامة زراعية منتجة؟
_ ماذا عن تطوير الصناعة والحد من الاستيراد؟
_ ماذا عن البطاقة الصحية لكل اللبنانيين؟
_ ماذا عن ضمان الشيخوخة لكبارنا؟
_ ماذا عن دعم القطاع العام بكل مكوناته؟
_ ماذا عن التعليم الرسمي ومجانيته؟
_ ماذا عن تطوير قطاع النقل الحضري؟
_ ماذا عن الكهرباء؟
_… وقبل كل ذلك ماذا عن الوكالات الحصرية الاحتكارية؟ وكلنا يعرف أن القوات اللبنانية وبكركي تحديدًا هم من منعوا إلغاء الوكالات الحصرية منذ زمنٍ طويل.
هذه المعضلات المطروحة ليس في جعبة كل أطراف السلطة أي تصور حقيقي لمعالجتها. إنهم يرمون الى منفذ واحد يعملون عليه ويجاهرون به كلهم، وهو مضاعفة المديونية وارهاق الوطن بها عبر الإستدانة من صندوق النقد الدولي. وهذا الأمر، بحسب غالبية المختصين، سيقود الى ذات النتيجة السابقة، مزيد من الغرق وكثير من الفساد.
ما هو الحل؟
الحل يكون عبر تشكيل حكومة من شخصيات وطنية معروفين بنزاهتهم وأكفهم البيضاء، لها صلاحيات استثنائية تضع نصب عينيها تهريب البلاد من عنق الزجاجة الذي أدخلتها فيها السلطة التي تبين، في الأقل منه، إذا أحسنا الظن بها، أنها غبية بإمتياز.