الرئيس عون..ومسؤولية وانهيار البلد
بقلم حيدر شومان
كلما اشتدت النوائب على أنواعها المختلفة في لبنان توجهت أصابع اللوم إلى الرئيس ميشال عون واتهامه بكل صغيرة وكبيرة وقعت أو سوف تقع. وكثيراً ما يعللون أسباب فشل العهد لكبر سنّه، أو لتدخلات صهره، أو لتحالفه مع حزب الله، ودعوته مؤخراً للاستقالة.
وإذ لا نريد أن نبرئ أحداً من التدهور الحاصل في شتى مجالات الحياة في لبنان، إلا أنه من الجور تسليط الضوء القاسي على فريق واحد في بلد كثر فيه المجرمون وقلّ فيه الأبرياء. هذه الحركة غير البريئة في تجريم "بي الكل" وحده بصورة كاريكاتورية بدأت منذ بداية العهد وارتفع مداها أكثر منذ سنة، وكبر صداها في ما كان يُعرف بالثورة أو الحراك أو الانتفاضة، والتي خفّ صوتها لأسباب باتت واضحة، ولم يعد لها ذكر في الشارع أو على المنابر، وقد يُعاد تسييرها مرة أخرى في أي وقت تدعو الحاجة لذلك. كان الشعار الذي أُريد له أن يكون "كلن يعني كلن" إلا أن التوجه المباشر كان ضد العهد والتيار، الحليف الأساس ل"ميليشيا السلاح" كما أُطلقت تسميته، وجرى تجييره في أغلب التحركات.
وفي نظرة خاطفة لا تحتاج لكثير من النباهة والفذلكة السياسية إلى الوضع الحالي والأزمات المختلفة التي تعصف بالبلاد، والعقوبات الأميركية على بعض الشخصيات، وتعطيل تشكيل حكومة الحريري من خلال موانع أميركية وشروط معروفة لولادتها؛ يمكن فهم ما تعرّض له لبنان منذ عقدين من الزمن، وخصوصاً عدوان إسرائيل في 2006 وما جرى بعده.
لا شك أن لبنان من خلال خياره المقاوم في توجهه المائز (ليس الشامل بالتأكيد) وانتمائه في بعض مندرجاته لمحور يعتبر عصياً على المحور المقابل، يشكّل مصدر قلق دولي إقليمي، ما يفرض ضرب ساحته المعاندة وإخضاعها لتتواءم مع المشهد العام القائم في الواقع العربي، ما خلا بعض الساحات العصية المشابهة في هذا البلد أو ذاك والتي لا تخلو من صراعات يُراد إخضاعها بالطريقة عينها. وضرب هذه الساحة في لبنان تجلى مؤخراً وبشكل مباشر بالجوانب الاقتصادية والمالية لخلق جو غاضب عام ضد كل أشكال الممانعة والعناد وفك الارتباط بين القاعدة الشعبية والفريق المقاوم وتحميله نتائج الأوضاع المزرية والانهيار الاقتصادي الذي لم يشهد لبنان له مثيلاً في تاريخه.
ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل جرى تحميله مسؤولية اغتيال الحريري الأب، وانفجار المرفأ في الرابع من تموز، والعراقيل التي تمنع من تشكيل حكومة تساهم في إضفاء حلولاً ولو مرحلية للأزمات العالقة، والعقوبات الأميركية التي تطال بعض الشخصيات الحليفة وربما غير الحليفة في القريب العاجل، وكثير غير ذلك. إن من يقاوم إسرائيل أو يشكل حجر عثرة في طريق توسعها وأطماعها يجب أن تُشن عليه كل أنواع الحروب، دون مراعاة لأي نتائج سلبية قد تصيب البلد وناسه ومقوماته المختلفة، فغاية مثل هؤلاء تبرر كل الوسائل مهما تعاظمت حقارتها.
والرئيس عون، وتياره بالضرورة، لم يكن شواذاً للقاعدة إياها، فالعقوبات الأميركية التي تعرّض لها الوزير جبران باسيل، رئيس التيار، رسالة للرئيس وللعهد ولكل من تسوّل له نفسه أن يقف موقفاً ولو رمادياً من المقاومة سواءً من حلفائها أو خصومها، فسيلقى المصير عينه. ولا نستغرب تقاعس الرئيس سعد الحريري في تشكيل حكومته التي طال انتظارها في هذا الوقت العصيب، فإن مستقبله السياسي على المحك الغربي إن داهن أو هادن أو تراخى مع أي فريق معاند أو من يسانده من الحلفاء أو الأصدقاء، ولم نعتد في لبنان على مواقف تحدٍ من سياسييها فيها مصلحة للبلد وأهله وإنما مصالح ضيقة شخصية على حسابهما. ولذلك لا نتأمل خيراً في المقبل من الأيام ،لأن ما فات ليس سوى بوصلة سوداوية تحكي بصدق ما ينتظر لبنان من مصاعب وأزمات جديدة.