كتب أكرم بزي
لم افاجأ بما قاله وطالب به البطرك، بل أكد لي حدسي وظني، بأن “الجماعة” كلما شعروا بالعجز والهزيمة استنجدوا بالخارج واستعادوا الشعارات القديمة قدم “لبنان الكبير والصغير”. فـ “الجماعة” يتصرفون على أن هذا “الكيان اللبناني” ملك لهم، وباقي الطوائف عبارة عن ملحقات كان لا بد منها لضرورات تفرضها طبيعة العيش في جغرافية واحدة، فكانت النظرة دائماً لهم وفق “التصنيفات” الاجتماعية، “الأقرب فالأقرب”، و”الأنفع فالأنفع”، ومن “شابهنا” نرقيه، ومن خدمنا بإخلاص “نعليه”، إلا أن الجميع من خارج “الانتماء” (انتماء الدم)، عبارة عن فطريات داخل المجتمع ،فيه الإيجابي والسلبي لضرورة الاستمرار.
اعتدنا اذا كان الخطيب على المنبر وهتف الحاضرون هتافاً لا يليق أقلها بالمكان، كان على الأقل يعض على شفتيه (مستنكراً بالظاهر)، أو “له له له… روقوها يا شباب”، “هيدا مش من عاداتنا”، إلا أن البطرك آثر السكوت، والسكوت علامة الرضا. نعم أنه راضِ بهتافات الجمهور القواتي الذي كان حاضراُ، بل مسرور ومطروب بما يسمع، حتى أنه لم يهز رأسه.
جعجع يليق بكم… لوهلة تخيلت أن سمير جعجع بثياب البطرك، هو الذي يلقي “العظة”، عظة الحياد والتدويل، وعظة اعلان الهزيمة، نعم الهزيمة… إنه الفشل الأميركي بكل محاولاته الآثمة للعب على الوتر المذهبي والطائفي البغيض، فلم يبق لهم الا سوق حجج الهزيمة والمطالبة “بالتدويل والحياد الإيجابي النشط” (لا أعلم من أين أتوا بهذه المصطلحات).
الاميركي يعاني من مجموعة مآزق داخلية وخارجية، والكيان العبري يعاني من أزمة وجودية باعتراف جنرالاته، و”الأعراب” يلملمون آثار خيباتهم من هزائم اليمن، وأوروبا تعجز عن معالجة ذيول وآثار جائحة “كورونا”، ومنطقتنا على صفيح ساخن، من سوريا إلى العراق إلى اليمن إلى ليبيا وفلسطين المحتلة… تأتيك أصوات في لبنان تستعيد شعارات الماضي الحاضر في أدبياتهم وخطاباتهم الممجوجة، رافضة لمنطق وموازين التغيير الواقعة على جغرافية العالم أجمع ويتصرفون كمن يسبح بعكس التيار، ليغرق ويغرق الآخرين معه.
عن أي حياد، وكيف يكون الحياد، إذا كانت السكين في بلعومك… على الحدود الجنوبية خطر الكيان الصهيوني، وعلى الحدود الشرقية خطر الجماعات التكفيرية التي تعاود النشاط وفق ما أعلنته القوى الأمنية اللبنانية، وفي الشمال حدث ولا حرج. عن أي حياد وأميركا تفرض عليك “الموت جوعاً” (قانون قيصر) ومنع الدولار الطازج وتحويلات المغتربين، بل وتوعز لأصحاب المصارف وتسمح لهم بتحويل الأموال من داخل لبنان الى الخارج كي تجف كل وسائل العيش، بل وتمنع عليك المساعدات الغذائية وغيرها من الدول العربية والأوروبية وغيرها.
استسلام… إنه كمن يسلم رأسه للجلاد، ويقول له “اذبحني برفق”… لنقل أن الدول التي سترعى “الحوار” أو “المؤتمر” أو سمه ما شئت، هي أميركا وفرنسا وبريطانيا ومصر الخ… تخيل ما الذي سيصدر عن هكذا “اجتماع”، أو ليست مصلحة الكيان العبري أولى، والأولوية دائماً للصهاينة، هل تتخيلون اجتماعاً ما له علاقة بمنطقتنا لا يراع مصالح “الكيان العبري”.؟
لماذا لا تعترفون بالواقع أنها مشكلتكم وليست مشكلة الآخرين من “شركاء” الوطن، فلماذا لا تدعون هؤلاء الشركاء للجلوس معاُ والحوار وطرح كل الهواجس ووضع أسس جديدة تضمن مشاركة الجميع دون استئثار واعتراف الجميع ببعضهم البعض وخفض الجناح للأخ والشريك الفعلي في هذا الوطن “طبعاً اذا سمحت لكم أميركا”.
أنتم تدركون جيداً، أن شركاءكم في هذا الوطن أشرف من أن يبخسوا حقوق غيرهم، ولو أرادوا لكانت صورة لبنان غير الذي نحن فيه الآن، فمبادئهم ومعتقداتهم وعاداتهم لا تسمح لهم بالطعن بالظهر كما فعل الغير في هذا الوطن ممن يمتهنون نقل البندقية من كتف الى كتف، فتارة كانوا مع السوري وأخرى مع الصهيوني، ولا مانع لديهم من أن يكونوا مع الشيطان، (وهذا معلن) فقط لتحقيق مآربهم الشخصية والحفاظ على مكتسباتهم. إنه مبدأ “لونازعتني فيه لقلعت الذي فيه عينيك”، اقلعوا عنه علكم ترتاحون وتريحون.
أكرم بزي
زر الذهاب إلى الأعلى