بتاريخ 25 أذار 1998 صدر عن مصرف لبنان التعميم الأساسي رقم 44 والذي يتحدث عن الأطار التنظيمي لكفاية رساميل المصارف العاملة في لبنان ، وقد تضمن هذا التعميم الكثير من النقاط التي تمهد لالتزام المصارف بأتفاقية بازل 3 ،وأهم ما تضمنه هذا التعميم :
عدم توزيع أرباح لعام 2019 وعام 2020 وزيادة الرساميل الخاصة خلال مدة أقصاها 31 كانون أول 2020 بنسبة 20 بالمئة عن حقوق حملة الأسهم العادية كما في 31 كانون أول 2018 باستخدام عدة أدوات منها :
– الأرباح المدورة .
– أرباح التحسين الخاصة بالعقارات المملوكة من قبله .
– يمكن قبول أيضا وبنسبة 50 بالمئة من الزيادة كعقارات جديدة يقدمها المساهمون على أن يتم تصفيتها خلال 5 سنوات من تاريخ موافقة مصرف لبنان .
كما تضمن التعميم ضرورة وضع خطة شاملة تتضمن :
– ضرورة التقيد بالمتطلبات الرأسمالية والخطوات المرسومة .
– أستراتيجية المصرف .
– الفترة المطلوبة للتقيد بالمتطلبات .
– أخذ المؤونات المطلوبة بالحسبان .
بعد الأزمة المصرفية صدر التعميم رقم 154 بتاريخ 27 أب 2020 ليؤكد على ما جاء في التعميم السابق رقم 44 ويوضح بعض الأمور المطلوبة من المصارف لأكمال خطتها تعزيزا لرساميلها وللخروج من الأزمة الحالية وأعادة أحياء نشاطها الخدماتي وأهم ما جاء فيه :
– تقييم موجودات ومطلوبات المصارف لمساعدتها على وضع الخطة المطلوبة للنهوض ومحاولة الألتزام بمتطلبات السيولة والملاءة .
– حث العملاء الذين حولوا أموالا للخارج بأعادة نسبة معينة من تحويلاتهم الى لبنان لإيداعها في حساب مجمد خاص ينتج عنه فوائد وتجميده لمدة خمس سنوات على أن يضمن البنك أعادة هذه الوديعة عند الأستحقاق .
– حث المستوردين على أيداع 15 بالمئة من قيمة أعتماداتهم لأي سنة من 2017 – 2018 – 2019 في حساب مجمد بنفس الشروط السابقة لعملاء المصرف أو المقربين .
– تكوين حساب خارجي 3 بالمئة من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية كما في 31 تموز 2020 بمهلة تنتهي في 28 شباط 2020 .
– على المصرف تقديم طلب للحصول على موافقة المركزي لأعادة تكوين رأسماله خلال الفصل الأول من العام 2021 .
– أمكانية أستخدام جزء من الودائع في سبيل تكوين الرساميل الخاصة بشرط أعلام المودع والحصول على موافقته ، أدراج هذه الأسهم أو السندات في بورصة بيروت ، وأعلام المودع بالتقرير التخميني لقيمة أسهم البنك .
– فصل رئاسة مجلس الإدارة عن أدارة المصرف .
– في حال لم يلتزم المصرف بكل هذه البنود يمكن أحالة المصرف على الهيئة المصرفية العليا سندا للمادة 208 من قانون النقد والتسليف .
أن عملية زيادة هذه الرساميل لن يكون لها القوة الكبيرة والتي من شأنها تغيير الواقع الحالي للمصارف خاصة أن ميزانياتهم ليست دقيقة ولا تعكس الواقع الفعلي . وبما أن تقييم الخسائر ليس صحيحا بعد هذا التضخم الكبير في سعر صرف الدولار، وبعد تمنع العديد من العملاء عن تسديد مستحقاتهم ، كما أن القيمة السوقية لسندات الدين في السوق المالي والتي تملكها المصارف قد أنخفض بشكل كبير ، لذا لا نتوقع من أحد أن يضع رأسمالا في بنك ميزانيته غير واضحة، وهل ستتمكن المصارف من الألتزام بالمعيار الدولي IFRS 9 وهو معيار خاص بالأدوات المالية ولا سيما سندات الدين وهو يتضمن ثلاثة محاور:
1- التصنيف والقياس
2- الأضمحلال والهبوط في القيمة
3- التحــوط لناحية تكوين المؤونات على محفظة التسليفات
وبالتالي ما هو مصير المصارف غير القادرة على الألتزام وما هو مصير ودائعها ؟
يبدومن الأحداث المتراكمة أن الكثير من المصارف لن تلتزم بالتعميم 154 لزيادة رؤوس أموالها بحسب التاريخ المرسوم لها ، فأي من المساهيمن الحاليين للمصارف ، وهم من هرّب هذه الأموال للخارج لن يجرؤ على أعادة هذا المال الى لبنان ولن يخاطر بذلك ، وهو يعلم جيدا أنه لن يستطيع بعد ذلك أخراجها ، كما أن تشكيل نسبة 3 بالمئة من الودائع بالعملات الأجنبية لدى المراسلين في الخارج تسعى أليه هذه المصارف وهي قد سعت الى ذلك من خلال طرح العديد من المصارف شراء السيولة بحسابات مضاعفة، أو من خلال بيع شيكات مصرفية بقيمة تقل عن 28 بالمئة من السوق ، رغم ذلك فشلت بعض المصارف ومنها مصارف من فئة ألفا في تحقيق ذلك ، هذا من الناحية التقنية أما من الناحية التشريعية والقانونية فقد فشلت الدولة ومصرف لبنان في خلق علاجات جدية لغاية اليوم للقطاع المصرفي وتركا لها الخيار في تحديد الخيارات وطرق المعالجة دون أي تدخل من قبل السلطة التشريعية أو التنفيذية ، مع تدخل جزئي من قبل مصرف لبنان لمنع الأنهيار الكامل ، وسيكون مصرف لبنان هو الضامن للبنوك الصغيرة التي لن تلتزم أو لن تستطيع الألتزام بالتعاميم السابقة، وقد يبلغ عدد هذه المصارف أكثر من عشرين مصرفا .
ما سيحصل لهذه المصارف والتي لم تلتزم أنها ستحال الى الهيئة المصرفية العليا لأتخاذ القرار المناسب بها، لكن مصرف لبنان كان قد أتخذ قرارا أستراتيجيا بهذا الخصوص، وهو أنه لن يقوم بتصفية أي من هذه المصارف بل سيضع اليد عليها ويديرها بطريقة تحفظ المودعين وأصحاب الحقوق .
في المقابل ينتهي في نهاية أذار مفعول التعميم الذي يفرض على المصارف أعتماد سعر المنصة في تسديد السحوبات النقدية للمودعين من حساباتهم بالعملة الأجنبية، فهل سيتم تمديد العمل بهذا السعر أم سيتم تعديل السعر وفقا للفرق الكبير الذي طرأ على سعر السوق السوداء .
ما ينتظر المودعين يعتمد أيضا وبشكل أساسي على معالجات الحكومة والمجلس النيابي ومصرف لبنان لناحية القوانين التشريعية والتعاميم التي يمكن أن تصدر عن مصرف لبنان التي تنظم هذا القطاع مجددا وتعيد أحياءه ، وتنظم العلاقة مع المودعين ، وخاصة لناحية التعميم.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الخطط الأقتصادية المفروض وضعها للنهوض مجددا ،وألا فأن الأبقاء على هذا الواقع الحالي سيكون مصيره الأنهيار الكامل وهو الأتجاه الذي نسير به اليوم دون عودة على المدى القصير والمتوسط .
أضافة الى هذا الواقع الحالي يدور أيضا نقاش حول أمكانية صدور تعميم عن مصرف لبنان يلزم المصارف التي تقبل ودائع بالعملة الأجنبية أيداعها لدى المراسلين ،ما يعقد هذه العملية ويمنع أعادة تشكيل الودائع في لبنان ، كون هذه الودائع الجديدة لن تكون مربحة للمصارف على أعتبار أن أيداعها في الخارج لن يؤتي بعائد مهم عليها سواء للمصارف أو للمودعين ما يجعل المودعين الجدد يترددون في أيداعها لدى هذه المصارف دون وجود أي حافز عليها .
القادم من الأيام لا يمكن أن يعتمد بشكل أساسي على تعاميم مصرف لبنان فقط ،بل لا بد من تشريعات أساسية يصدرها المجلس النيابي لمواكبة هذه التعاميم ، وما دام المجلس النيابي مقصرا في هذا المجال فلا يوجد أي أمل بأعادة أحياء هذا القطاع والمودع دائما هو الخاسر الوحيد .
د.عماد عكوش