قالت الصحف: اللبنانيون منقسمون بين التدويل والتحذير منه
الحوارنيوز – خاص
بدأت بعض المواقف والأصوات اللبنانية تدعو علانية لتدويل الوضع اللبناني بصورة رسمة، كدعوة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي أمس، وبين التحذير منه والإسراع في تأليف الحكومة لملمة ما أمكن من أوضاع ووقف مسلسل الانهيارات على طريق المعالجة، كما قال النائب أنور الخليل أمس.
• صحيفة "النهار" عنونت:" المؤتمر الدولي ونزع السلاح ذروة مواقف بكركي"وكتبت تقول:" لم يعد غريباً ان يشهد الواقع اللبناني المتوغل نحو سقوف إضافية من التداعيات المأسوية للازمات السياسية والصحية والاقتصادية والمالية والاجتماعية بداية صعود لافت لدعوات الى تدويل الازمة اللبنانية برمتها على غرار ما كانت تشهدها حقبات الحروب والهدنات الهشة التي تفصل بين جولة قتالية وجولة أخرى. ذلك ان الغياب الفادح لاي تحرك داخلي مؤثر نحو انهاء "ازمة العصر" المتمثّلة بتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة ومنع أي استجابة جدية وحقيقية للمبادرة الفرنسية اليتيمة المطروحة على الطاولة، كما للمبادرة الداخلية وعلى رأسها تحرك بكركي ومن بعده مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، أدى الى تفجير اليأس المتحكم لدى الكثير من الجهات الناشطة في اتجاه الدفع بالبلد نحو حقبة انقاذية يبدو واضحا ان السلطة المتحكمة بالبلد الآن تمعن في وضع العراقيل أمامها. وما زاد طين التعطيل والمكابرة والمعاندة السلطوية التي تحول دون الافراج عن حكومة لن يمد العالم يدا للبنان لدعمه ومساعدته على الخروج من كارثته قبل ولادتها، الحدث الترهيبي الاجرامي باغتيال الكاتب والناشر والناشط السياسي لقمان سليم الامر الذي استحضر مع ظروفه الترهيبية ظروفا مماثلة لتلك التي أعقبت انفجار مرفأ بيروت في آب الماضي. انكشفت مع حادث الاغتيال مجددا حالة الانهيار المخيفة التي آلت اليها السلطة امام عودة الاغتيالات والتسيب المخيف في توقيت تزامن مع مرور ستة اشهر عقيمة كاملة بعد انفجار مرفأ بيروت وسط تعطيل وتعثر التحقيقات القضائية، الامر الذي جعل لبنان مكشوفا امام العالم بأسوأ صور الانكشاف.
في إزاء هذه الوقائع الدراماتيكية يمكن القول ان طلائع المواقف التي بدأت تدعو الى التوجه الى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بل حتى الى استدراج وصاية دولية على لبنان باتت مفهومة ومبررة وبديهية سواء كانت قابلة للتنفيذ الواقعي ام اصطدمت بعقبات دولية وداخلية تحول دون ترجمتها الى إجراءات ملموسة. واذا كانت الأصوات المنادية بالاحتكام الى الأمم المتحدة بدأت ترتفع مع التحركات المنتفضة على لقمان سليم، كما مع مواقف لنواب وشخصيات سياسية وتنظيم عرائض تطالب بتحقيق دولي في الاغتيال، فان ابرز ما سجل امس على المستوى الداخلي تمثل في مواقف جديدة للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي يمكن وصفها موضوعيا بانها شكلت ذروة مواقف بكركي الصارخة والبارزة من الازمة بكل وجوهها. وقد اكتسبت مواقف البطريرك الراعي دلالات مهمة ليس لجهة تصعيد نبرته الغاضبة حيال السلطة وإجهاض كل المبادرات لتشكيل الحكومة والتلويح بعودة الثورة فحسب، وانما أيضا لإطلاقه مطلبا واضحا وبارزا يكمل موقفه من حياد لبنان بعقد اجتماع دولي حول لبنان برعاية الأمم المتحدة، كما قرن ذلك في مجال ادانة اغتيال جريمة لقمان سليم بالدعوة الى وضع حد للسلاح المتفلت.
• صحيفة "الجمهورية" عنونت:" الداخل ينتظر الخارج .. 3 أسابيع حاسمة" ونقلت عن مصادر موثوقة "ان المعطيات المتوافرة على الخط الحكومي تؤكد أن الحراك الذي تقوده باريس هذه المرة، يتجاوز العلاقة التصادمية بين المعنيين بالملف الحكومي، خصوصاً بين عون والحريري، لبلورة صيغة حكومية يلتحق بها الجميع، تضم شخصيات موثوقة من اللبنانيين ومن المجتمع الدولي، وقائمة على المعايير التي حددتها المبادرة الفرنسية، والتزام الاطراف اللبنانيين بها، والاساس فيها أنها متكافئة ولا غلبة لطرف فيها على آخر. وليس مستبعداً ان يكون لباريس دور فاعل هذه المرة في اختيار بعض الأسماء لبعض الوزارات الحساسة، على ان يكون هؤلاء، "الوزراء الملوك" في الحكومة.
شكل الحكومة
وتؤكد المصادر انّ المسعى الفرنسي يهدف الى تشكيل حكومة تحظى بدعم وموافقة المجتمع الدولي عليها، وبالتالي فإنّ المتداوَل حول هذه الحكومة عبر القنوات الديبلوماسية والسياسية، يرجّح أن تأتي وفق ما يلي:
اولاً، حكومة اختصاصيين بالكامل من غير الحزبيين والسياسيين.
ثانياً، لا ثلث معطلاً في الحكومة لأي طرف كان. وهذا الامر لا يقبل به الفرنسيون، ولا سائر المجتمع الدولي.
ثالثاً، مهمة الحكومة إنقاذية تضع لبنان على سكة الحلول، مع إعطاء الاولوية للاصلاحات ومكافحة الفساد، واتخاذ الاجراءات الصارمة في المجالات الاقتصادية والمالية، اضافة الى الجانب الامني.
رابعاً، ان تكون تسمية الوزراء بطريقة موضوعية وتوافقية لا خلافية (على سبيل المثال ان يسمّي رئيس الجمهورية الوزراء المسيحيين بذات الطريقة التي تمّت فيها تسمية الجهات الاخرى لوزرائهم)، وهناك مخرج في هذا السياق وَفّرته مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري.
خامساً، الاولوية لحكومة مصغرة من 18 وزيراً. الّا ان حجم الحكومة قد لا يكون نهائياً، إذ إنّ رفعها الى 22 وزيراً قد يكون احد المخارج الاساسية للتعجيل بتشكيلها، حيث ان حكومة الـ22 قد تلبّي طلب عون وفريقه السياسي بالتمثيل الصحيح عبر 7 وزراء، وهي نسبة لا تشكل الثلث المعطل، خلافاً لحكومة من 18 او 20 حيث تشكّل هذه النسبة ثلثاً معطلاً، وهو ما يرفضه الرئيس المكلف وغالبية القوى السياسية.
وبحسب المصادر نفسها فإنّ اي حكومة تتشكّل خارج هذه المعايير لن تفتح باب المساعدات الى لبنان على الاطلاق، وبالتالي بدل أن تكون هذه الحكومة حكومة حل للأزمة ستكون حكومة مفاقمة للأزمة، وسيدفع من خلالها اللبنانيون ثمناً كبيراً في وضع مأساوي على كل المستويات.
الحريري
الى ذلك، وفي الوقت الذي ينتظر اللبنانيون نهاية الجولة التي يقوم بها الحريري الموجود في ابو ظبي – كما قالت مصادر بيت الوسط لـ"الجمهورية" – منذ يوم السبت بعدما قصَدها من القاهرة، كشفت مصادر سياسية مطلعة انّ الإتصالات التي تعني اللبنانيين او تنعكس على مجرى حياتهم اليومية ومساعي تشكيل الحكومة باتت محكومة بنتائج الزيارة، وتحديداً عند اكتمالها بانتقال الحريري الى العاصمة الفرنسية بعد تحديد مواعيد له على مستويات دبلوماسية وسياسية فرنسية رفيعة المستوى، قد تصل الى موعد سيحدد له في الساعات المقبلة مع قصر الإليزيه للقاء الرئيس ايمانويل ماكرون.
وتلاقت هذه المصادر في توقعاتها مع ما كشفته مصار مقرّبة من بعبدا، التي قالت لـ"الجمهورية" انه بات من الضروري انتظار عودة الحريري الى بيروت لمعرفة حصيلة المشاورات الجارية على اكثر من مستوى إقليمي ودولي لاستئناف البحث في مساعي تأليف الحكومة.
وفي المعلومات انّ الحريري سيكون في بيروت يوم الجمعة المقبل او السبت على أبعد تقدير، لأنه مضطر لأن يكون في بيروت في 14 من الشهر الجاري ليوجّه كلمة بمناسبة مرور 16 عاماً على اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
ولفتت المصادر الى انه في المقابل، فإنّ المراجع الدبلوماسية ترصد التحضيرات الفرنسية لزيارة ماكرون الخليجية المتوقعة في بداية منتصف الشهر الجاري، بعدما تبين أنها ستبدأ في عاصمة الامارات العربية المتحدة ابو ظبي، قبل التوجّه الى الرياض في موعد أقصاه ما بين 19 و21 شباط الجاري، بانتظار تأكيد المعلومات الرسمية التي ستصدر عن قصر الإليزيه بداية الأسبوع الجاري.
وقالت المعلومات انّ ماكرون يستكمل هذه الجولة للوقوف على آخر المواقف التي ستلاقي نتائج زيارة موفده الى طهران، خصوصاً انه يبحث في كيفية تسويق خطته التي عرضها على الجانب الاميركي ليؤدي دور الوسيط في انضمام الممكلة العربية السعودية ومعها الامارات العربية المتحدة الى هذه المفاوضات حول مستقبل الملف النووي الايراني، وهو ما يفرض البحث بما يعني الازمة اللبنانية وموقعها في هذه الخطة.
الراعي
في هذا الوقت، واصَل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حملته على معطّلي الدولة والغائبين عن أولويات الناس، وتوجّه في عظة الأحد امس الى المسؤولين قائاًل: "لا الدولة ملككم ولا الشعب هو غنم للذبح في مسلخ مصالحكم وعدم اكتراثكم".
واكد الراعي "أنّ شعبنا يحتضر والدولة ضمير ميت وكل دول العالم تعاطفت مع شعب لبنان إلا دولته". متسائلاً: "هل من جريمة أعظم من هذه؟". وقال: "نادَينا فلم يسمعوا. سألنا فلم يُجيبوا. بادَرنا فلم يَتجاوبوا"، مؤكداً "أننا لن نتعب من المطالبة بالحقّ وشعبنا لن يرحلَ، بل يبقى هنا. سيَنتفض من جديد في الشارع ويطالب بحقوقه، سيثور، ويحاسب. سلبيّتُكم تَدفعُه قسراً نحو السلبيّة، إستخفافُكم بآلامه ومآسيه يدفعه عنوة نحو خيارات قصوى".
• صحيفة "نداء الوطن" وتحت عنوان:" تراشق عون بري يتصاعد" كتبت تقول:" في سياق متدرّج من النداءات والعظات، يسير البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي بخطى ثابتة على درب تحرير البلد من قيود التعطيل والتنكيل بالدستور والدولة، عاقداً العزم واللواء على خوض معركة الحفاظ على الهوية والكيان في مواجهة ما يتهددهما من أهواء شخصية وفئوية هدّامة. فبعد سلسلة من المواقف التصعيدية المتصاعدة تأنيباً لأصحاب السلطة الذين أمعنوا في تغليب "مصالحهم وحساباتهم وحصصهم" على المصلحة الوطنية، ويتصرّفون على أساس أنّ الدولة "ملك لهم" والشعب "غنم للذبح" في مسلخ مصالحهم، سلكت بكركي بالأمس منعطفاً جديداً في انتفاضتها الوطنية بلغت حدّ وضع معادلة سيادية تقوم على المطالبة بتدويل القضية اللبنانية، في مقابل المعادلة السياسية القائمة على منع لبننة الحلول داخلياً.
وإزاء خيبة الأمل التي أصابت الراعي "بسبب عجز المسؤولين عن التلاقي والتفاهم" على تأليف حكومة مهمة إنقاذية، وبعدما "لم يتجاوبوا" مع مبادرته التقريبية لوجهات النظر، ما أوصل لبنان إلى "مرحلة خطيرة تحتم الموقف الصريح والقرار الجريء"، جاهر البطريرك الماروني بالمطالبة بطرح القضية اللبنانية "في مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة يثبت لبنان في أطره الدستورية الحديثة، التي ترتكز على وحدة الكيان ونظام الحياد وتوفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدي عليه، والمسّ بشرعيته، وتضع حدًّا لتعدّدية السلاح وتعالج حالة غياب سلطة دستورية واضحة تحسم النزاعات، وتسدّ الثغرات الدستورية والإجرائية، تأميناً لاستقرار النظام، وتلافياً لتعطيل آلة الحكم أشهراً وأشهراً عند كل إستحقاق لإنتخاب رئيس للجمهورية ولتشكيل حكومة".
وقطعاً لدابر التخوين وتحوير المرامي الوطنية لطرحه، شدد الراعي على كونه طرحاً نابعاً من "الحرص على كل لبنان والحفاظ على الشراكة والعيش المشترك في ظلّ نظام ديمقراطيّ مدنيّ"، مطلقاً صرخة مدوية في وجه استمرار نهج "الحروب والفتن والاحتكام إلى السلاح"، ومحذراً في الوقت عينه من أنّ "الشعب سينتفض من جديد في الشارع ويطالب بحقوقه، وسيثور ويحاسب"، انطلاقاً من قناعته بأنّ سلبية المسؤولين لن تولّد إلا مزيداً من السلبية من جانب الناس الذين يدفعهم الاستخفاف بمآسيهم "عنوةً نحو خيارات قصوى".
وعلى المقلب السياسي من المشهد، تتصاعد حدة التراشق السياسي بين جبهتي بعبدا وعين التينة والذي بلغ مستويات متقدمة خلال الساعات الأخيرة، وصل إلى حد تحميل عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب أنور الخليل رئيس الجمهورية ميشال عون مسؤولية المجازفة بفرض حل على اللبنانيين بقوة "البند السابع" من ميثاق الأمم المتحدة، جراء الإيغال بالسياسة التعطيلية لتأليف الحكومة. الأمر الذي استفزّ دوائر القصر الجمهوري فاستنفر المستشار الرئاسي سليم جريصاتي مصوّباً على الخليل من زاوية اتهامه بالإثراء في ملف "التحاويل المشبوهة".
وتوازياً، ساد تبادل الاتهامات بالفساد بين نواب كتلتي "أمل" و"التيار الوطني الحر" النيابية، وبرز في هذا الإطار كلام للنائب محمد خواجة وضع فيه تكتل "لبنان القوي" في خانة "المتاجرة بشعارات إصلاحية"، مذكراً برفض التكتل تطبيق سلسلة من القوانين التي تكافح الفساد وهدر المال العام، ليرد عليه النائب سيزار أبي خليل باتهامه بـ"الهلوسة والمزايدة بالعفة" والاستفادة من تعطيل إقرار قانون "الكابيتال كونترول"، لتحويل مليارات الدولارات إلى الخارج. فكان رد من خواجة على الرد، مضيئاً على دور أبي خليل في الهدر في وزارة الطاقة وقال: "يبدو أنّ تناول ملف الكهرباء قد أصاب منه مقتلاً".
وفي خضمّ هذه الأجواء القاتمة، لا تزال مؤشرات الملف الحكومي مستغرقة في سبات عميق وسجال عقيم تحت وطأة احتدام صراع الصلاحيات الرئاسية. وبينما يواصل الرئيس المكلف سعد الحريري جولته الخارجية التي ستقوده إلى باريس خلال الأيام المقبلة، جددت دوائر بعبدا أمس التشديد على تمسك رئيس الجمهورية بأن ينال حصة رئاسية من 6 وزراء بمعزل عن وزير "الطاشناق" في الحكومة "منعاً لاستئثار الحريري بقرارها".